المحتوى الرئيسى

ديكتاتورية الثانوية العامة | المصري اليوم

07/12 21:40

«اسمع يا باسم يا بنى سنين عمرك كلها كوم والسنة دى كوم تانى، دى سنة المصير، فى إيدك أن تكون إنسان ناجح وتدخل كلية محترمة، أو فاشل وتدخل كلية تشتغل بعدها عامل (دليفرى)، اعتبر نفسك فى الـ45 يوم بتوع الجيش، شغل نار بدون دلع أو ترفيه، انسى الفسحة مع أصحابك، والفيس بوك وأنستجرام والمسلسل التركى وأفلام إم بى سى، لا تنشغل إلا بالمذاكرة فى البيت والدروس فى السنتر... حلل فلوس الدروس يا بنى.. إنت متعرفش جت إزاى.. وربنا لا يضيع أجر من أحسن عملا.. وأنا بدعيلك فى كل فرض وسنة: يا رب يا باسم تكون من أوائل الثانوية العامة».. أتوقع أن يكون «باسم عبدالمجلى» أول ثانوية عامة علمى مكرر، قد سمع هذا الحديث من والديه، مثل باقى أوائل الثانوية العامة وطلبتها أجمعين، قانون الطوارئ الذى تطبقه العائلات المصرية فى الثانوية العامة، كأس دارت على كل بيت مصرى إلا من رحم ربى. المصريون يعتبرون الثانوية العامة محطة مصيرية فى حياة أبنائهم، تحدد مستقبلهم كله وترسخ مفهوم الفرصة الواحدة.

موقفنا من الثانوية العامة يلخص مفهومنا حيال المستقبل، فنحن شعب يرهن المستقبل بالماضى، الذى نجعله المعيار الذى نقيس عليه حياتنا فى الحاضر والمستقبل، نحفظه ونكرره كما نفعل مع سيرة السلف الصالح. مازالت كليات القمة هى الطب والهندسة والسياسة والاقتصاد... إلخ، والتوقع الدائم أن يكون مستقبل خريجيها أفضل من غيرهم، رغم أن السنوات الأخيرة أثبتت عكس ذلك، كما أن دخل خريجى هذه الكليات لم يعد الأعلى وكذلك تقدير المجتمع لهم، ولكننا أغلقنا باب الاجتهاد فى ديننا ودنيانا.

الثانوية العامة مرتبطة بفكرة تحديد المسار واللحظة الفارقة والفرصة الوحيدة، فى كل الأحوال مفترق الطرق علامة مهمة على الطريق، لابد أن ننتبه إليها حتى لا نذهب فى اتجاه لا نريده، بعد اختيار الطريق قد نجد صعوبة فى التراجع عنه، خاصة لو سرنا فيه لمسافة طويلة. فى مصر كان هناك خطأ شائع فى تصميم الطرق الطويلة والسريعة، كان يتم تجاهل الدوران للخلف لمسافات طويلة جدا، وكان الدوران للخلف محفوفا بالمخاطر لأنه عشوائى، وهو ما تجنبته الدول المتقدمة التى تدرك أهمية الدوران للخلف (يوتيرن) والتى تحسب مسافاته بدقة وتتيحه بصور آمنة، مفهوم الدوران للخلف يقابله فى السلوك الإنسانى تراجع الإنسان عن اختياره فى أى لحظة من لحظات حياته، وهو ما تسمح به الدول المتقدمة لمواطنيها بأساليب آمنة، ومنها إعادة التأهيل والدراسات الحرة والتعليم عن بعد والتدريب المستمر والتنمية البشرية المستدامة.

الطرق الجديدة فى مصر الآن تطبق أسلوب الدوران للخلف بطريقة آمنة، عن طريق الكبارى والأنفاق، كما فى طريقى مصر- إسكندرية الصحراوى، والعين السخنة، لكن مازلنا نفتقد هذا المفهوم فى حياتنا، ويصعب على الكثيرين تغيير مسارهم فى الحياة، ولو فيه سعادتهم ونجاتهم، نتيجة الصعوبات التى يجدونها، لعدم وجود مسارات آمنة للدوران وتغيير المسار.

الرعب من الثانوية العامة قائم على مفهوم الفرصة الواحدة، وكأن الشاب فى سن الثامنة عشرة عليه أن يكون ملما بكل التفاصيل، مدركا كل الحقائق، وهناك فرصة وحيدة لتقرير مصيره، عليه ألا يهدرها، وليس أمامه بعدها وسيلة للتغيير، لو شعر أنه أخطأ فى الاختيار. هل الثانوية العامة حكم ديكتاتورى؟ الحكم الديكتاتورى قائم على اختيارات محددة ومحدودة، يقدمها الحاكم للشعب على اعتبارها الاختيار الأفضل والوحيد، على عكس الديمقراطية القائمة على حرية الاختيار والفرصة الثانية، حين يدرك الشعب، الذى يعيش تحت نظام حكم ديمقراطى، أنه أساء فى اختيار الحاكم يمكنه تغييره بانتخابات حرة، دائما هناك فرصة ثانية وبديل، أما فى الحكم الاستبدادى فمفهوم البديل والفرصة الثانية منعدم.

مستقبل الشاب فى مصر مرهون بمجموعه فى الثانوية العامة، أو هذا ما وجدنا عليه آباءنا، فهل توقفنا لحظة لنتساءل عن مستقبل أوائل الثانوية العامة فى السنوات العشر الماضية، هل يعرف أحد مجموع فاتن حمامة فى الثانوية العامة؟ زويل لم يكن من أوائل الثانوية العامة ولم يلتحق بكليات القمة.. والأمثلة لا تعد ولا تحصى فى مصر عن نجوم فى كل المجالات لم يكونوا من أوائل الثانوية العامة، وحتى خارج نموذج الدراسة الرسمية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل