«فرشوط المركزى»: من لم يمت بالمرض.. مات بـ«عدوى الحشرات»

مساحات واسعة امتلأت بحشائش «الهيش» و«العاقول» كانت كفيلة أن تكون مستنقعاً غنياً بالحشرات الضارة، تنتقل بين المرضى وتتغذى على دمائهم، لتكون خط نقل العدوى المباشر بين المرضى والأصحاء، هنا، حيث مستشفى فرشوط المركزى الذى يقع فى شمال قنا، والذى ينطبق عليها المثل القائل «الداخل مفقود والخارج مولود»، إضافة إلى تحول مبنى الغسيل الكلوى به إلى «جراج» للدراجات البخارية الخاصة بالموظفين، كما يضربه الإهمال الطبى وعدم الرعاية ونقص الأدوية والنظافة، وقيام المرضى بجلب المراوح والغطاء النظيف من منازلهم لتدنى الاهتمام.

محافظ قنا: تطوير المبانى ودعمها بالأجهزة الحديثة.. والقوات المسلحة أوشكت على الانتهاء من إحلال وتجديد 3 مستشفيات

انتقلت «الوطن» إلى المستشفى، ورصدت كماً كبيراً من الإهمال والعشوائية ونمو حشائش الهيش ونبات العاقول اللذين يكسيان مساحات واسعة من أراضى المستشفى، وخروج أحد الموظفين بدراجته البخارية من مخرج إحدى العيادات الخارجية وعندما نظر إليه المواطنون، قال: «إن كان عاجبكم».

يقول طلعت عزمى، أحد أبناء «فرشوط»، إن «المستشفى به مساحات واسعة نمت فيها الحشائش بكثافة أمام أعين كافة المسئولين فى المحافظة دون تحرك رغم خطورتها خاصة أنها تروى على مياه الصرف المسرب من بياراته»، مضيفاً: «الموضوع وصل إن الحشائش بقت تطلع فى جدران المبانى وده يدل على الإهمال اللى بقى موجود فى كل حاجة فى المستشفى»، وشكا محمد عبدالمبدى، 36 عاماً، مقيم فى قرية الكوم الأحمر، من الإهمال الذى يضرب أركان المستشفى، بداية من الإدارة إلى أقل خدمة يقدمها للمريض، حسب قوله، موضحاً أن نجله «أحمد»، 11 عاماً، أصيب بسخونة فى جسده: «جبته وجيت جرى على المستشفى بس اتصدمت لما لقيت إن كل حاجة بشتريها من بره حتى السرنجة، لدرجة إنى جبت مروحة وغطا نضيف من البيت عشان الأوضة مافيهاش الكلام ده»، مر اليوم الثالث على حجز ابنه «أحمد» والحشرات تنهش فى جسده وجميع من معه فى غرفة الأطفال، حسب قول الأب، الذى تعود فى كل صباح أن يأخذ طفله من الغرفة ويصطحبه معه فى ساحة المستشفى الخارجية بعيداً عن «الذباب والناموس»، ليكمل حديثه بنبرة غاضبة: «أنا فى جيبى عشرتلاف جنيه دبرتهم عشان آخد ابنى وأعرضه على دكتور خاص، لأن حالته بتتدهور يوم بعد يوم، ولما نيجى نطالب بحقنا ردهم يكون خده وامشى آخرنا كده»، مشككاً أن ذلك الإهمال متعمد من قبل الأطباء لوجود عيادات خاصة لهم يريدون تشغيلها.

مدير الإدارة الصحية يرفض التعليق: «جميع مستشفيات المحافظة بها نفس المشكلات والأزمات»

«محمود كامل»، موظف، يقول «إن المستشفى يخدم قرابة 200 ألف نسمة، ولكنه فى الواقع يقوم بتحويل غالبية المرضى إلى مستشفى نجع حمادى أو قنا العام أو سوهاج، وإذا دخله مريض فإما مفقود أو مولود»، موضحاً أنه إذا لم يمت من المرض فسوف يموت من عدوى الحشرات من الذباب والناموس وغيرهما الناقلة للعدوى إلى المرضى أو الأصحاء من الزوار أو العاملين فى المستشفى، وتابع: «مستوى النظافة والمنظر العام للمستشفى عكس حقيقة مريرة على كل مريض وكل مواطن من أبناء «فرشوط»، وهى غياب الخدمة الصحية للمرضى»، مشيراً إلى أن الإسعافات الأولية التى يتم تقديمها لحالات الحوادث غير موجودة بالمستشفى، وكل ما يفعله القائمون على العلاج: «يتم تحويل المذكور فلان الفلانى مصاب بكذا إلى مستشفى كذا لعدم وجود إمكانيات لدينا».

أحد العاملين بالمستشفى، رفض ذكر اسمه، يقول إن جميع الأطباء بالمستشفى منشغلون بالعيادات الخارجية، فالطبيب يأتى فى تمام العاشرة صباحاً ويغادر فى الثانية عشرة بعد الظهر لانشغاله بمواعيد مع مرضاه فى العيادة الخاصة، مشيراً إلى أن المريض فى «فرشوط» إما أن يذهب إلى مستشفى نجع حمادى أو أى مستشفى آخر، لأن الإهمال فى مستشفى فرشوط جعل عنوانه «الفوضى والضحية المريض»، فضلاً عن خطوط الصرف الصحى المتهالكة والمياه المنقطعة فى معظم الأوقات».

فيما طالب بركات الضمرانى، مدير مركز حماية حقوق الإنسان فى محافظات الصعيد، وأحد أبناء مركز فرشوط، بوضع مستشفى فرشوط ضمن اهتمامات الوزارة، مشيراً إلى أن المسئولين بمديرية الصحة بقنا لا يعيرون أى اهتمام بصحة المواطن، رغم التواصل الدائم بين المركز والعديد من المسئولين لحل المشكلات التى يعانى منها المستشفى، من غرف لا ترقى لإقامة إنسان فيها كونها تفتقد أسرة آدمية إن وجدت من الأساس، أو عدم وجود مستلزمات العمليات، فضلاً عن مستوى النظافة المتدنى بصورة كبيرة.