المحتوى الرئيسى

فرج فودة شهيد الدولة المدنية | المصري اليوم

07/11 00:58

خلال الشهر الماضى مرت ذكرى اثنين من رموز مصر العظام، كافحا لنهضتها ولرفعتها كل بطريقته، هما الراحلان فرج فودة ونصر أبوزيد. وكان من الفروض أن أكتب مقالا عن كل منهما ولكن أحداث جزيرتى تيران وصنافير الحزينة وما صاحبها من قهر وظلم وضغط اضطرتنى لتأجيل المقالين. أعتذر لهاتين القامتين، وكلاهما كان صديقاً عزيزاً علىّ وأبدأ اليوم بمقال فرج فودة.

مرت 25 عاماً على اغتيال المفكر الوطنى العلمانى فرج فودة. ولد فرج فودة فى عام 1945 (وتم اغتياله) فى عام 1992.

أمضى فرج حياته كلها يريد تعريف العلمانية بطريقة يفهما المصريون وهى فصل الدين عن الدولة، فالدين لله والوطن للجميع فهو كان واضحاً فى رفض تدخل المشايخ فى قهر الإنسان أو تغييب عقله.

تعرفت على فرج فودة فى الثمانينيات من القرن الماضى فى جمعية المرأة العربية والتى ضمت مجموعة كبيرة من المفكرين والمثقفين والنشطاء وقام مبارك بإغلاق الجمعية. كان فرج فودة متحدثاً دائماً فى اجتماعات الجمعية وتميز بقدرة هائلة على إقناع السامعين بما يقول وكان يتحدث بطريقه شعبية بسيطة، ولكنها كانت علمية ودقيقة.

بزغت نجومية فرج فودة فى ثمانينيات القرن الماضى، وهى الفترة التى ظهر فيها التيار الإسلامى بقوة فى الشارع المصرى. وابتدأت الجماعة الإسلامية فى استخدام العنف بكل قوة، خاصة فى الصعيد فى إرهاب الناس، خاصة المسيحيين، وسيطرت على جامعة أسيوط، وبدأت حوادث الاغتيال والتى انتهت بحادث اغتيال السياح فى الأقصر.

حين ظهر فرج فودة كان تعاون بعض أجهزة الدولة مع الإخوان قد سهل لهم العمل فى الشارع والضغط على القوى المدنية والليبرالية. ولذا كان نضال فرج فوده عبارة عن شخص واحد مع سائق سيارة ومعه بعض الأصدقاء يقف وحده أمام جيوش الإسلام السياسى وعنفه، وكنت أحضر معظم ندواته وكلها كان يحدث فيها مشاكل بسبب قدرته الفائقة على الرد ومعرفته الكاملة بالتراث الإسلامى وكان دعاة الإسلام السياسى يواظبون على حضور هذه الندوات ويسألون ويقاطعون ويحاولون إفساد الندوة، وكان فرج قادراً على إسكات كل من يهاجمه بثقة ومعرفة.

وأول كتبه كان «الحقيقة الغائبة» وكان يتحدث بسلاسة عن التطور الخطير الذى يحدث فى مصر لتحويلها إلى دول دينية ولتصبح دولة الخلافة. وكان شديد الدقة فى التفاصيل وعندما ظهر هذا الكتاب فى أوائل الثمانينيات أحدث ضجة كبرى، وقد أصبت بالرعب عندما قرأت هذا الكتاب، وحقيقة قد تنبأ فرج بكل ما حدث حتى وصول الإسلام السياسى إلى السلطة وعن تصوره عن الحكم العسكرى لمحاربة الفاشية الإسلامية.

فرج فودة كان أول من كتب عن شركات الأموال الإسلامية بمخاطرها، وحذر الناس منها، وأنهم سوف يخسرون أموالهم، وقد كان عدد من الشيوخ يعمل كمستشارين لهذه الشركات ومنهم الشيخ الشعراوى وغيره، وقد هاجم فرج فودة الجميع بعنف وضراوة. وحدث ما تنبأ به فرج فودة بأن هذه الشركات أفلست وخسر الناس أموالهم. وكان بعض كتبه دمها خفيف مثل الملعون، النذير والملعوب وكتب عن حقوق الإنسان والإرهاب فى مصر.

كان واضحاً أنه يقف وحيداً أمام قوة ظلامية شديدة بعضها مسلح، كان قرار الدولة بالنسبة له (مش عايزين وجع دماغ) لو أن فرج فودة أتيحت له قناه تليفزيونية لاستطاع إقناع العامة بأن الحركات الإسلامية السرية تخدعهم، ولكن الدولة كانت كالعادة معدومة الفكر المستقبلى لأن أحداً من حكامنا وأجهزتنا المسماة سيادية لم يقرأ التاريخ ولا درس السياسة وكلهم ينظرون تحت أقدامهم.

وقد أعلن الإخوان تحديهم لفرج فودة، وقبل فرج فودة التحدى على أن تعقد مناظرة حول الدولة الدينية والدولة المدنية، وكان مناصرو الدولة الدينية الشيخ مأمون الهضيبى المرشد العام للإخوان والشيخ محمد الغزالى والدكتور محمد عمارة. وفى الناحية الأخرى كان فرج فودة ود. محمد أحمد خلف الله.

عقد فى قاعة الندوات الكبرى فى أثناء معرض الكتاب وأدار الندوة د. سمير سرحان وذهبت للحضور فوجدت أن الإخوان احتلوا القاعة بالكامل فذهبت إلى مكتب سمير سرحان، فقام بتوصيل ميكروفونات فى الخارج وجلست على النجيلة خارج القاعة، الحضور داخل القاعة كان 100% إخوان وفى خارج القاعة معى 90% إخوان.

كان الحديث ساخناً وكانت الندوة ساخنة والقاعة كلها تصفق لممثلى الدولة الدينية، المفاجأة الكبرى كانت فتوى الشيخ الغزالى حين استحل دم فرج فودة صراحة لأنه كافر. وكانت الفكرة العامة فى ذهن المصريين أن الغزالى كان شيخاً معتدلاً وغير متشدد على الإطلاق.

بيعت فيديوهات هذه المناظرة على الأرصفة ليومين وعندما شاهدت الشريط بهدوء بعيداً عن زعيق الإخوان اكتشفت أن فرج كان واضحاً وانتصر لفكرته ببساطة وسلاسة بغض النظر عن أى رأى مسبق وقد اكتشف الإخوان ذلك وسحبوا الشرائط.

صدرت فى مساء هذا اليوم أوامر للجماعة الإسلامية بقتل فرج فودة، وفعلاً قتله بالرصاص ثلاثة من الجماعة الإسلامية واستطاع سائق فرج فودة مع شرطى الجرى وراءهم والإمساك بأحدهم.

وتمت محاكمة الثلاثة فأعدم واحد وحكم على اثنين بالأشغال الشاقة، ولكن مكتب الإرشاد عن طريق الرئيس مرسى أصدر أمراً بالإفراج عنهما ضمن مجموعة من الإرهابيين الإسلاميين. وقد قتل الثالث الذى خرج إلى سوريا منذ فترة قليلة.

عندما سأل القاضى القتلة لماذا قتلتم فرج فودة، قالوا نحن لا نعرفه ونحن لن نستطيع القراءة ولكن قالوا لنا إنه كافر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل