المحتوى الرئيسى

الحكومة وموجة جديدة من طوفان الغلاء

07/10 21:24

الطوفان فى معاجم اللغة هو السيل العظيم الذى يغرق ويجتاح كل شىء، وهو ما ينطبق على قرارات الحكومة بزيادة الأسعار وآخرها زيادة أسعار المحروقات فى 29 يونيو 2017 بعد أن كانت قد رفعتها فى نوفمبر 2016 وهناك مخططات لزيادات متتالية فى الأعوام القادمة من أجل التخلص من نسبة كبيرة من الدعم الذى يزعج الحكومة ويتسبب فى العجز المتزايد لموازناتها، وهذا الطوفان الذى لا ينتهى من الغلاء يجعلنا نسأل هل حققت الحكومة أهدافها من الزيادات السابقة وهل زيادة الأسعار هى الوسيلة الأفضل لمواجهة الأزمات الاقتصادية؟ ثم من يتخذ هذه القرارات المستمرة بالزيادات دون مراعاة آثارها الاجتماعية على نسيج المجتمع المصرى؟

هناك مجموعة من الملاحظات الأولية على كيفية اتخاذ القرارات علينا التنبه لها عند مناقشة آثار هذه الزيادات المتتالية فى الأسعار، كما أن تبريرات الحكومة لهذه الزيادات فى الأسعار غير مقنعة ولا تبعث على الاطمئنان ومنها:

أولا: أن المسئول الأول عن هذه القرارات ليست الحكومة برئيسها ووزرائها بل الرئيس عبدالفتاح السيسى، وقناعته بأنه يفعل ما لم يستطع الرؤساء السابقون فعله، وبالتالى فهذه القرارات وفق إرادة السيسى ورؤيته بأنه لابد من زيادة الأسعار وفق ما قاله إنه لابد من دفع الثمن الحقيقى لكل ما نحصل عليه، ولكن المشكلة فى تحديد التكلفة التى علينا أن ندفعها، فمثلا ما هى القواعد التى تم على أساسها تحديد تكلفة الكيلووات كهرباء بـ 97 قرشا كما صرح وزير الكهرباء، ولماذا يتحمل المستهلك تكاليف المرتبات المرتفعة لموظفين تم تعيينهم بالوساطة فى شركات الكهرباء.

ثانيا: دائما ومع زيادة الأسعار تكون التصريحات الحكومية أن الدعم هو السبب الرئيسى لعجز الموازنة، وفى هذه المرة صرح رئيس الوزراء «بأنه تم أخذ جزء من دعم الطاقة وتم توجيهه لبطاقات التموين وزيادة المعاشات وزيادة الأجور»، موضحا أنه «بدون هذه الإجراءات سوف يصل حجم الدعم إلى 150 مليار جنيه فى الوقود وهذا الرقم لا يمكن تحمله، بينما صرح وزير البترول بأن رفع الأسعار الجديدة للوقود يوفر من 35 إلى 40 مليار جنيه. ويلاحظ أن أرقام الدعم تتعدد باختلاف المصادر والمناسبات، ولا توجد شفافية فى معرفة كيفية حساب هذه الأرقام وهل كل هذه الزيادة ترجع إلى التعويم رغم زيادة أسعار السلع التموينية بنحو الضعف خلال الفترة التى تلت تعويم الجنيه، مع اتجاه الحكومة إلى خفض عدد المستفيدين من البطاقات التموينية، كما أن مخصصات الحماية الاجتماعية التى تم إقرارها كان من المفترض أنها تساهم فى تخفيف أعباء الغلاء الذى حدث، ولكن مع الموجة الجديدة من الغلاء ضاع أثر هذه العطايا الحكومية.

ثالثا: لماذا التركيز على مخصصات الدعم والسعى إلى خفضها رغم أن مخصصات فائدة الديون تلتهم نحو ثلث الموازنة، لماذا لا تحاول الحكومة جديا التقليل من الاستدانة والتى تجاوز سعر الفائدة على أذون الخزانة 20%، أليس الأكثر أهمية خفض حجم الدين العام الذى يتزايد بصورة مرعبة من عام لآخر وتزداد معه مخصصات الفوائد؟

رابعا: وفقا لاتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولى، فإنه لابد من خفض العجز فى الموازنة ولكن مع زيادة فوائد الديون وأقساطها والتى لا تستطيع الحكومة تأجيلها، وبالتالى زيادة العجز لم تجد الحكومة مجالا لخفض العجز إلا الدعم الذى يستفيد منه المواطنون، وفى مقابل ذلك يوجه الرئيس والحكومة الشكر والتقدير للشعب الصابر على هذا الغلاء.

خامسا: لا تكتفى الحكومة بزيادة الأسعار بل لابد من قيامها بتذكير المواطنين أنهم ما زالوا يحصلون على هذه السلع بأسعار أقل من تكلفتها فعليهم الشكر للحكومة وليس السخط على زيادة الأسعار، ولكنها لا توضح الأسس التى قامت عليها حساباتها لتصل فى النهاية إلى أنها ما زالت تدعم هذه السلع، فمثلا منذ سنوات وعندما كانت أسطوانة البوتاجاز بخمسة جنيهات كان المسئولون يصرحون بأن تكلفتها 80 جنيها وكان ذلك وقت أن كان برميل البترول قد تجاوز سعره 100 دولار، والآن ومع انخفاض سعر برميل البترول لأقل من 40 دولارا يقولون إن تكلفة نفس الأسطوانة 115 جنيها، وبالطبع لا يمكن التحجج بزيادة سعر الدولار بعد التعويم لأن هناك فى المقابل الخفض الكبير لسعر البترول.

سادسا: أصبح السيناريو التالى لزيادة الأسعار محفوظا، حيث تخرج تصريحات المسئولين بداية من رئيس الجمهورية فرئيس الوزراء عن التوجيهات بمراعاة محدودى الدخل وعدم السماح بجشع التجار وأن أسعار وسائل النقل لن تزداد إلا بنسب لن تتعدى 10% ويتم تصوير السادة الضباط فى مواقف وسائل النقل وأن الحكومة لن تسمح بأية زيادات غير مقررة، ولكن الجميع يدرك أن هذه التصريحات والصور لزوم تجميل الصورة بينما الواقع أن المواطنين يسحقون فكل من يستطيع زيادة أسعاره سيفعل وبالتالى لم يعد لدى المواطنين أية ثقة فى التصريحات الحكومية.

سابعا: تصريحات الحكام لا توحى بأن هناك ضوءا فى نهاية النفق، فالقول إنه لابد من خفض الدعم وأن الميزانية لا تتحمل هذا الدعم، يجعلنا نعتقد أن موجات زيادة الأسعار لن تنتهى فمن المتوقع زيادة أسعار البترول كما أن ما تقوله الحكومة عن أنها ستتحمل زيادة أسعار السولار للمخابز التى تنتج الخبز المدعم، ثم ستأتى التصريحات عن خسائر السكة الحديد وأنه لا يمكن الاستمرار فى تقديم الخدمة دون زيادة الأسعار وأن استمرار الحصول على الكهرباء دون انقطاع يتطلب المزيد من الإنفاق، وهكذا سنجد كل فترة هناك مبررات لزيادة الأسعار بحجة أننا ما زلنا نحصل على الخدمات بدعم كبير، فهل سيتحمل المواطن هذه الزيادات كل فترة مهما حصل على تقدير من القيادات.

ثامنا: ومما لا يدعو إلى الاطمئنان أيضا أن الحكومة لم تشرع بعد فى عرض بعض شركات البترول للخصخصة وفق ما تعهدت به فى الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، فالمشكلة أنه وفى ظل تراجع إيرادات الحكومة فسيزداد هذا التراجع عندما تفقد الدخل الذى كانت تحصل عليه من مبيعات هذه الشركات، وبالتالى يزداد عجز الموازنة الذى فى النهاية يتحمله المواطنون.

تاسعا: القرارات الأساسية التى تتخذها الحكومة كلها تدخل فى نطاق السياسة النقدية والمالية، دون إجراءات تساهم فى زيادة الناتج القومى فما زال معدل النمو متدنيا بل يتراجع الفعلى عن المخطط وما زالت المشكلات دون حلول فى القطاعين الزراعى والصناعى، وما زال سعر الدولار مرتفعا ولم تأت الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى تساهم فى زيادة الإنتاج وليس المضاربة فى البورصة، والديون تتزايد فأين الإصلاح الاقتصادى الذى عنه يتحدثون؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل