المحتوى الرئيسى

داخل أروقة التلفزيون قصة أول قسم للرسوم المتحركة في مصر...مصراوى

07/09 15:48

كتب- محمد مهدي ورنا الجميعي وإشراق أحمد:

خارج مبنى التلفزيون المصري، في 13 يوليو 1961، تحرك الأخوان "مهيب" دون هُدى، عقلهما مُنشغل بعرض رئيس المؤسسة الهندسية "صلاح عامر"، بإنشاء أول قسم للرسوم المتحركة بمصر، صار حلمهما أقرب ما يكون "قالهم يهمني التلفزيون يتبني بإيدين مصرية، شوفوا محتاجين إيه وعايزكم تتفرغوا لينا" وفق-علي سعد مهيب، ابن شقيقهما.

كان على "حسام" وشقيقه أن يتركا أية أعمال أخرى ولم يترددا، مغامرة كبيرة لكنها تستحق، وافقا على العرض، حصلا على غرفتين للقسم بالدور السابع في المبنى الذي لم يكتمل تشييده بَعد من الداخل، يتكون من استديو مُجهز بأبسط الأشياء، ترابيزات لعمل الرسامين "ولوحة إزاز تحتها إضاءة عشان التصوير".

ساعات طويلة يقضيها الأخوان داخل القسم، يخططان لتفاصيل التجربة، يعملان على تكوين الفريق، أعلنا سريعًا عن استقبال المواهب الشابة من الرسامين والمصورين، توافد عليهما العشرات "أغلبهم من كلية الفنون الجميلة"، تم تقسيمهم لفريقين، الأول للرسم تحت قيادة "علي"، وآخر للتصوير بإشراف "حسام".

بأقل الإمكانيات بدأت المسيرة، المعدات المتاحة لم تكن كافية، الكاميرا التي يمتلكونها لا يعتقد الخبراء الأجانب أنها صالحة لتصوير الرسوم المتحركة، وجيه فهمي أحد أعضاء الفريق يقول: "كاميرا بولكس ليها ستاند مخصوص، وسلالم، واحد بيطلع فوق يصور وحد تحت يحط الكادرات وينادوا على بعض".

السمة الأساسية في القسم هي الدقة، وفق شويكار خليفة، أحد أفراد الفريق: "أستاذ حسام كان بيمسك المعدات بحرص كأنها مصحف"، وبالمثل يعامل الأخوان أفراد الفريق، يهتمون بأمرهم، يطالبون بحقوقهم "سعوا إن التلفزيون يدونا مقابل الشغل، وكنا بناخد 75 جنيه ودا مبلغ كويس وقتها" كما يقول فهمي، أقدم الملتحقين بالفريق، يخشون أيضًا حتى على ملابسهم من الاتساخ أثناء العمل "أستاذ علي خلانا نلبس بلاطي زي الدكاترة".

رغم مشقة التجربة لم ييأس "حسام" وشقيقه، واجها الأزمات بمزيد من العمل "مكنوش بيناموا، وعاوزين يثبتوا ذاتهم" بحسب ابن شقيقهما، انتجا عددا كبيرا من الأعمال داخل التلفزيون أغلبها تترات البرامج "أكبر مشكلة إن الشغل المطلوب كان بياخد وقت كتير بسبب الكاميرا"، فاتخذوا القرار بضرورة شراء كاميرا حديثة من لندن.

إلى استوديوهات لندن سافر "حسام" في 1962، التقى هناك "بيتر نيلسون هورديل" مُصنع الكاميرا الخاصة بالرسوم المتحركة، حصل على كاميرا "الاوكسبيري"، واصطحب "هورديل" إلى مصر لتركيبها وشرح طريقة استخدامها لأفراد القسم "كانت أهم كاميرا أنميشين في العالم وقتها" كما يروي ابن شقيقهما.

باتت الإمكانيات مِلك اليد، والخبرة تراكمت مع ضغط العمل، مما دفع الأخوين إلى محاولة القفز لمسافة أبعد "يعملوا فيلم الخط الأبيض، يبقى مزيج من الرسوم المتحركة والتصوير الحي"، بمشاركة شقيقهما "محمد" بالديكور، وعادل أنور في التصوير، وفهمي عبد الحميد بتألف أغنيتين، وعبد الوهاب محمد بأغنية، وسيد مكاوي وحلمي بكر للألحان.

لم يستوعب الكثير فكرة الفيلم، كيف يمكن إدخال مشاهد مصورة برسوم متحركة، لم تَحدث من قَبل بمصر، تطبيق العرض الخلفي يُنفذ في أضيق الحدود، بأن يظهر البطل يقود سيارة وخلفه شاشة للشوارع مثلًا، لذا لم يخلُ التصوير من تعجب العاملين بالفيلم من طلبات المُخرج –علي- لهم بالنظر تجاه الفراغ والتحدث "كنت بسمعهم بيسخروا منه ويقول عليه مخرج الروائح" يحكي ابن شقيقهما سعد.

بحث الأخوان عن فتاة تؤدي دور البطولة في الفيلم، رسمها "حسام" على الورق، منتظرًا أن يعثر عليها، قبل أن يمر مؤلف الأغاني "عبد الوهاب محمد" على القسم للزيارة، اطلع صدفة على الرسومات ليصرخ "أنا عندي بنت شبه الرسمة بالظبط، اسمها نيللي"، التقيا بها، وقاما بضمها للعمل، برفقة بطل العمل "ماهر العطار".

استغرق العمل نحو عام كامل من الجهد الشاق، حفيظة الطوبجي زوجة حسام، شاركت في الفيلم تقول: "كنا نقعد ليل نهار عشان نطلع حركة واحدة، و(علي) كان أي هفوة يطلب من نعيد من الأول"، تضحك السيدة السبعينية متذكرة كيف عانت بالأيام في مشاهد المايسترو والراقصة نوال.

الوقت يمر، دون خروج العمل للنور، مهرجان التلفزيون الرابع يقترب، المسؤولون ينتظرون بقلق، تَكلف الفيلم قرابة 4 آلاف جنيه، بينما لا يزال الأخوين منهمكين في الانتهاء منه، وقبل نحو أسبوعين من المهرجان توجه "حسام" إلى مكتب سعد لبيب السكرتير العام بالتلفزيون، لاعتماد ميزانية للموسيقى التصويرية لكنه رفض.

لم يتناقش "حسام" في الأمر، لكنه اصطحب "لبيب" إلى غرفة العرض، طلب إذاعة الفيلم، وبعد أن شاهده الأخير، علت الدهشة وجهه، أخبره أنه أفضل عمل تلفزيوني رآه، واعتمد الميزانية على الفور مطالبًا بسرعة الانتهاء منه للحاق بمهرجان التلفزيون.

7 أيام كانت كفيلة لظهور النسخة النهائية من "الخط الأبيض"، مكنّه ذلك من المنافسة في المهرجان بين أكثر من 37 محطة تلفزيونية عالمية، أمام لجنة تحكيم مكونة من كافة الوفود، قبل أن تُعلن المفاجأة، فوزه بالجائزة الأولى في المنوعات "الفيلم دا أكتر حاجة (علي) بيعتبرها إنجاز في حياته" كما يقول ابن شقيقه.

بين ليلة وضحاها صار الأخوان نجوما، عملهما الذي لم يؤمن به الكثير بات "الألفة"، المجلات والصحف اليومية يتزاحمون أمام القسم لإجراء حوارات صحفية معهما، مجلة الإذاعة والتلفزيون تكتب مُشيدة بالفيلم: "الأعمال الفنية التي تتم في هدوء، دون ضجة، ودون لهفة، وبقصة تحقيق متعة خلق عمل فني متكامل، هي الأعمال التي تنجح".

القسم تحول لقِبلة الجميع، حتى أن خريجي دفعات كلية الفنون الجميلة يتوافدون عليه من حين لآخر، أثناء تدريبهم في التلفزيون، يستكشفون المكان "يشرحوا الأجهزة وإزاي بيشتغلوا عليها والخامات اللي بيستخدموها" كما تؤكد شويكار عضوة فريق مهيب في التليفزيون.

فيما بَعد تطورت الأعمال المُقدمة من قسم الرسوم المتحركة بالتلفزيون "ابتدينا نعمل الفوازير من أول 1964" يذكرها فهمي، أقدم الملتحقين بفريق مهيب، كان يكتبها الشاعر "أبو بُثينة"، ويعكف الفريق على وضع الصورة المناسبة للكلمات "عملنا فوازير كمان عن الأرقام"، أيضًا فوازير للمطرب عبد الغني قمر برفقة عدد من الفنانين.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل