المحتوى الرئيسى

محاولة للفهم ماذا يحدث لطلاب تركستان بمصر...مصراوى

07/08 13:17

كتبت– دعاء الفولي ويسرا سلامة:

الاثنين الماضي كان محمد سالم-اسم مستعار- خارج منزله بأحد أحياء القاهرة، حين أفزعه اتصال من صديق له، يخبره فيه بالقبض على العديد من زملائهم من مُحيط مساكنهم في منطقة العباسية. فزع الطالب التركستاني مما سمع، هاتف زوجته لتأخذ أبناءه بعيدا عن منزلهما، وبدأت رحلته في الشوارع دون مُغيث.

كانت صورا قد انتشرت خلال اليومين الماضيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها عدد من الأشخاص داخل ما يبدو أنه مبنى أمني. فيما تم تسجيل أكثر من مقطع مُصور لذلك المكان وظهر فيه مجموعة من الشباب يجلسون على الأرض في ردهة طويلة، فيما خرج أكثر من بيان إدانة من عدة منظمات حقوقية مصرية وعالمية.

الخميس الماضي، طالبت سارة ويتسن، مسئولة قسم الشرق الأوسط بمنظمة هيومان رايتس ووتش عن قلقها إزاء القبض على عدد من الطلاب الأويغوريين، التابعين لإقليم تركستان بالصين، مناشدة السلطات المصرية بعدم ترحيلهم إلى الصين، خوفا على حيواتهم من الملاحقات الأمنية.

احتلت الصين إقليم تركستان منذ عام 1670 والذي كان وقتها ذات أغلبية مسلمة، ولكن قامت أكثر من ثورة ضد ممارسات السلطات الصينية على السكان، وانتهى الأمر بدخول القوات الصينية الشيوعية إلى الإقليم عام 1949، وصار الإقليم حاليا يُعرف باسم “شينجيان”، فيما يمثل القوم الإويغوريون النسبة الأعلى من السكان.

يعيش سالم في مصر منذ عام 1999 "جئت للدراسة في الأزهر". لم يكن ذلك السبب هو الوحيد لقدومه، إذ أيقن الشاب الثلاثيني أن البقاء هُنا سيحميه من بطش مؤكد في الصين، حسب قوله لمصراوي، فيما يضيف أن الوضع خلال السنوات الماضية أصبح يفتقد للأمان لحد ما.

"نتلقى تهديدات من السلطات الصينية منذ عدة أعوام"، لكن ما طمأن الشاب الأويغوري أن تلك التهديدات لم تأتِ من السلطات المصرية، لذا كان ما حدث من ملاحقات أمنية-حسب وصفه- خلال اليومين الماضيين، أمرا مُفاجئا ومفزعا.

يجد آدم يونس، المتحدث باسم الطلاب الوافدين للأزهر، أن ما أثير عن أزمة طلاب تركستان خلال الساعات الماضية "مبالغ فيه"، مضيفا في تصريح لـ"مصراوي" أن أي طالب تنتهي إقامته، ولم يجددها، من حق السلطات المصرية التحقق من أوراقه. يضيف يونس أن من تثبت صحة أوراق إقامته لا يتم إلقاء القبض عليه ولا يتم ترحيله.

منذ ما حدث لسالم لم يحظَ بالنوم أكثر من بضع ساعات، يتنقل من منزل لآخر، ينام أحيانا في سيارته، بينما يقضي النهار متجولا بها، فيما لا يأكل أكثر من بضع لقيمات على مدى النهار “لا أمكث في أي محل سوى دقائق”، ويطمئن على زوجته وأبنائه عبر تطبيق واتس آب من حين لآخر.

لا يعرف الأب الثلاثيني مصير زملائه ممن تم القبض عليهم “لا أعرف أماكنهم حتى”. لم يكن بمقدوره بعد ما وقع سوى الاتصال بمفوضية اللاجئين في القاهرة “كنت أتوسل إليهم كي يساعدونا.. قلت لهم نحن كثيرون”، لكن من تحدثوا إليه أخبروه أن الأزمة لن يتم البت فيها قبل عدة أسابيع، ولما أصرّ سالم على عرض المشكلة “أغلقت الموظفة الخط بوجهي”.

يوضح يونس لـ"مصراوي" أن عدد من الطلاب يواجه التوقيف بسبب انتهاء إقامته، مشيرا إلى ان عدد الطلاب المسجلين بالأزهر يتراوح ما بين 40 و48 طالب مقيدا بالدراسة، وهذا يتنافى مع الأرقام المبالغ فيها التي تم الإعلان عنها من جهات حقوقية، ويفسر يونس أن هناك إويغوريين ليسوا مسجلين بالأزهر، وانتهت إقامتهم.

يمتلئ عقل سالم بتجارب سيئة، لا يريد خوضها مرة أخرى. يذكر حين قرر العودة إلى الصين عام 2005 لرؤية عائلته “بعد أسبوع من الوصول تم القبض عليّ”، ثم تم إخفائه قسريا لأكثر من شهر، وفي النهاية تم الإفراج عنه ليظل تحت المراقبة 6 أشهر أخرى “أخذوا مني جواز سفري..وما أن حصلت عليه حتى عدت لمصر وقررت ألا أرجع للصين مرة أخرى”، لذلك لا يبقى حاليا أمام الشاب الإويغوري سوى خيارات قليلة للغاية.

ونفى المركز الإعلامي لمؤسسة الأزهر ما يُتداول على موقع فيسبوك من حملات أمنية للقبض على الطلاب التركستانيين. مؤكدا أنه يجري حاليا متابعة هذا الشأن مع الجهات المختصة، وموضحا أن بعض ما يُقال هو مجرد “شائعات مغرضة”، وأضاف البيان أن الجهات المختصة تبحث في الأوراق القانونية لكل من يتم الاشتباه واتخاذ الإجراءات اللازمة.

”لا أريد ترك مصر.. انا لم أسرق شيئا.. إقامتي سليمة ومازلت أتعلم”.. يقولها سالم بشكل حاسم رغم معرفته لأكثر من صديق ذهبوا لدول أخرى خلال الفترة الماضية، حتى أن بعضهم اضطر للسفر بشكل غير شرعي، خوفا من ترحيله إلى الصين، أما هو لم يبقَ أمامه سوى انتظار انفراج الوضع، أو النزوح لمحافظة مختلفة حتى تهدأ الأمور.

على الجانب الآخر تعتقد رقية كرديش، ناشطة صينية في حقوق الأويغوزييت، أن الصين تتعمد التضييق على أبناء الإقليم، خاصة الذين يتعلمون بالخارج “لأنهم سيصبحون أكثر استقلالية ومعارضة للحزب الشيوعي هناك” حسب تعبيرها، وتقول الناشطة لمصراوي، عبر واتس آب إن الحملات اشتدت بداية من مايو 2017 على الأويغوريون في أكثر من دولة، حيث يتم أحيانا تهديدهم من خلال اعتقال أحد أفراد عائلاتهم.

وتضيف الناشطة أن الصين أجبرت بالفعل حوالي 400 طالب من عدة دول على العودة خلال الأشهر الماضية “ولكن تم القبض عليهم في المطار وإرسالهم إلى معسكرات لتعلم اللغة الصينية وبعضهم لم ير أهله لأسابيع” حسب روايتها. تتواصل رقية مع العديد من طلاب الأزهر التركستانيين في مصر، وخاصة في الأونة الأخيرة، وتوضح أن حالة من الفزع تسيطر عليهم، حيث يحاول بعضهم الهروب إلى أوروبا أو تركيا.

محمد عبد السلام، مسؤول ملف الحريات بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، اعتبر أن أزمة طلاب تركستان ليست إقامة فحسب، قائلا "هذه سذاجة في التعامل مع الوضع القائم.. حتى وإن كانت كذلك، لماذا لا تصرح الحكومة المصرية بحقيقة الوضع؟، هناك فيديو تم تسريبه للانترنت من قسم أول مدينة نصر من أحد الطلاب المقبوض عليهم، أين رد الحكومة؟". يجد عبد السلام أن توفيق أوضاع من تنتهي إقامته لا تبدأ من ترحيله لبلده، خاصة إذا كان على موعد مع الاعتقال والتعذيب.

يشير الحقوقي إلى أن ملف الحكومة الصينية ليس مبشرا بالمرة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، لكن الباحث يخشى كذلك على الأويغور بمصر الآن، خاصة أولائك اللذين يواجهون الهروب المتلاحق، ولا يجدون سوى الهرب المتكرر داخل بلد ظنوا إنها تحميهم من بطش الحكومة الصينية.

عن الإقامة كذلك، تقول كرديش أن بعضهم انتهت إقامته بالفعل “ولكن الحكومة المصرية رفضت تجديدها منذ 1 يوليو حسبما قال لي أكثر من طالب”، مستطردة أن بعض هؤلاء الطلاب يقع تحت حماية مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لكن ذلك لم يقدم لهم الحماية.

وتتابع الناشطة أن التضييق على ممارسة الشعائر الإسلامية داخل تركستان بلغ أشده في السنوات الأخيرة، حيث صار الزواج على الطريقة الإسلامية عسيرا، كذلك تعليم الدين حتى داخل المنازل.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل