المحتوى الرئيسى

أحلام بريئة.. أطفال الأسمرات بعد سنوات العتمة فى العشوائيات: «هنكبر وهننجح»

06/28 10:44

عشرات الأطفال والصبية تغمر الفرحة وجوههم، يلعبون معاً فى مجموعات، ويركضون وراء بعضهم البعض على أرض مستوية وداخل ملاعب خضراء ووسط جنان تفصل بين العمارات التى يقيمون فيها، كل المشاهد من حولهم فى حى الأسمرات مختلفة عن مناطق الخطر والموت والعشوائيات التى وُلدوا ونشأوا فيها، هنا وراء لافتة «تحيا مصر» الكبيرة الموجودة على بوابة الحى الجديد يقضون حياة أفضل ويحملون فى عقولهم وقلوبهم أحلاماً كبيرة.

«إبراهيم خليل»، طفل عمره 8 سنوات قضاها فى غرفة صغيرة داخل حارة ضيقة بمنطقة الدويقة، كانت الغرفة والحارة الغارقة بمياه الصرف الصحى هى مكان عيشه ولعبه وحياته كلها، لكنه حالياً يعيش فى شقة من غرفتين مجهزة «سوبر لوكس»، وينطلق فى أوقات فراغه إلى النجيلة الصناعية بالملعب الخماسى بصحبة بعض جيرانه ممن فى مثل سنه ليلعبوا كرة القدم، «اللعب هنا أحسن من اللعب فى المكان القديم، فيه ملعب ومنطقة واسعة وبناخد راحتنا ومحدش بيزعق لنا، لكن هناك كانت الحارة ضيقة وفيه مجارى والناس كانت بتتخانق معانا علشان صوتنا العالى»، بتلقائية يحكى الطفل الصغير ليقارن بين الماضى والحاضر، يحب كرة القدم ويشجع النادى الأهلى ويتمنى أن يصبح لاعباً بالقميص الأحمر: «أنا نفسى أبقى زى محمد صلاح لأنه أحسن لاعب فى مصر، وعايز ألعب فى الأهلى، لأنى حريف وبجيب أجوان فى كل أصحابى»، تزامناً مع البطولة الأفريقية الأخيرة التى وصل فيها المنتخب الوطنى لكرة القدم إلى المباراة النهائية، كان «إبراهيم» يقضى أسبوعه الأول بالأسمرات، وشاهد المنتخب وهو يحصد الميدالية الفضية بعد خسارته أمام المنتخب الكاميرونى، يقول «إبراهيم»: «المنتخب فرّحنا لكن كان نفسنا ياخد الكاس، اتجمعنا هنا وشُفنا الماتش على شاشة كبيرة، وإن شاء الله هنشوف كاس العالم هنا برده»، يتمنى «إبراهيم» البقاء فى الأسمرات وألا يغادر الحى أبداً، فيضيف: «مش عايز أمشى من هنا، أنا مبسوط، وفيه ملاعب كبيرة لكن فى بيتنا القديم مكانش فيه ملاعب. وأنا عايز أبقى بتاع كورة وأطلع فى التليفزيون وأشيل الكاس».

«إبراهيم» الحريف بيشجع الأهلى وبيحلم يبقى زى «محمد صلاح».. و«على» عايز ينضم إلى الجيش علشان يحارب الإرهابيين ويرتدى بدلة شقيقه المجند فى الإجازات.. و«دينا»: عايزة أساعد بابا وأشتغل معاه

حلم آخر لطفل آخر، هو «على سعيد» البالغ 10 سنوات من عمره وانتقل من منشأة ناصر إلى الأسمرات بصحبة أسرته قبل عام، أتم عامه الأخير بالمرحلة الابتدائية فى مدرسة التعليم الأساسى بالحى بعد نقل أوراقه من مدرسته القديمة، يتمنى أن يكمل تعليمه حتى يلتحق بإحدى كليات القوات المسلحة ليصبح ضابطاً، «عايز أبقى ظابط فى الجيش، وألبس البدلة الميرى ويبقى معايا مسدس وبندقية وأحارب الناس اللى عايزين يقتلونا»، يؤدى شقيقه الأكبر خدمته العسكرية، فيعتبره واحداً من الأبطال الذين يعرضون حياتهم للموت دفاعاً عن الوطن، يقول: «ليا أخ فى الجيش بيحارب مع أصحابه، وبياخد إجازة كل شهر وينزل ييجى عندنا ويقعد معانا، ولما بيجى أنا بلبس البدلة بتاعته والطاقية وأفضل معاه لحد ما يسيبنا ويسافر تانى»، يصمت الطفل قليلاً، ثم يواصل حديثه: «أخويا محمد بيحارب الناس اللى معاهم سلاح وعايزين يموتونا وياخدوا مصر وياخدوا الفلوس بتاعتنا والأكل بتاعنا. بس أخويا وأصحابه مش هيخلوهم يعملوا كده لأنهم أقوى منهم وهيقدروا يغلبوهم».

النجاح العملى كان حاضراً بين أحلام أطفال الأسمرات أيضاً، «عبدالرحمن عيد» الذى يدرس بالصف الثالث الابتدائى يحلم أن يصبح طبيباً، «نفسى أكون دكتور، وأعالج أبويا وأمى وكل الناس، وأديهم الدوا ببلاش علشان أنا بحبهم»، يعرف الصغير الذى لم يكمل عامه الثامن أن التحاقه بكلية الطب يتطلب منه مجهوداً كبيراً فى الدراسة، لكنه يؤكد أنه يحب المذاكرة والكتب ومتابعة دروسه: «بذاكر كتير، وأمى بتراجع معايا، وبكتب الواجب كله، والأستاذ فى المدرسة قال لى إنت شاطر وهتبقى رقم واحد، وبيدينى نجمة وعشرة على عشرة، وأنا هبقى دكتور وأشتغل فى مستشفى علشان أعالج الناس ببلاش»، إلى جوار «عبدالرحمن» كان يقف صديقه «حسن» فى نفس سنه، انتقلا فى توقيت واحد من بيتيهما المتجاورين فى منشأة ناصر إلى شقتين متجاورتين فى الأسمرات، لتستمر الصداقة والجيرة لكن وسط حياة جديدة، «أنا عايز أبقى أستاذ فى المدرسة، زى الأستاذ خالد بتاع الحساب»، تربطه علاقة بمدرس مادة الحساب ويريد أن يسير على دربه فيقف فى مكانه ذات يوم ليعلم تلاميذ صغاراً، يضيف: «الأستاذ خالد كل الفصل بيحبه، لأنه مش بيضربنا وبيلعب معانا وبنفهم منه كويس، وأنا عاوز أبقى زيه ومش هضرب حد فى الفصل».

«عبدالرحمن»: نفسى أبقى دكتور وعايز أعالج أبويا وأمى والعيانين كلهم ببلاش.. وصديقه «حسن»: «نفسى أطلع زى الأستاذ خالد مدرس الحساب فى المدرسة».. و«الحاجة سعدية»: أولادنا هنا فى أمان ومفيش خوف عليهم

إلى جانب الأطفال من البنين، كانت بعض الصغيرات يلعبن، من بينهن «دنيا فريد»، (9 أعوام)، التى لم تختر هدفاً معيناً فى حياتها، لكنها تريد أن تساعد والدها بعد أن تنهى دراستها، لأنه بحسب كلماتها «بيتعب كتير فى شغله»، تضيف: «عايزة أساعد بابا، وأشتغل معاه، وأجيب فلوس زى ما هو بيجيب لنا»، والدها فريد يعمل موظفاً بسيطاً فى شركة الكهرباء، ويأتى إلى المنزل متعباً كل يوم بعد وردية عمله، «لو ماشتغلتش معاه، أشتغل فى أى مكان تانى، بس أبقى زيه وأجيب حاجات حلوة للبيت وأدى لماما فلوس تشترى حاجات كتيرة».

وسط الأطفال، كان «سيد» يقف يراقب أولاده الثلاثة عن بعد، يتابعهم خلال لعبهم مع زملائهم وجيرانهم، جاء إلى الأسمرات من منطقة الدويقة قبل شهرين فقط، ويتمنى أن يتمكن أبناؤه من تحقيق أحلامهم وأن ينتظرهم مستقبل أفضل، «أنا ماتعلمتش كويس، معايا ابتدائية بس، وعشت أيام صعبة علشان أفتح بيت وأربى وأكبر، بس بتمنى عيالى يشوفوا الأحسن، وإن شاء الله فى المكان الجديد هنا تكون فرصتهم أحسن من فرصتى ويقدروا يحققوا كل اللى نفسهم فيه»، اثنان منهم بالمرحلة الابتدائية، والابنة الأصغر تستعد للالتحاق بالحضانة من العام الجديد، يقول الأب: «أنا عارف إن أهم حاجة العلام، وهخلص ورقهم من مدرستهم القديمة علشان نحول على المدرسة هنا فى الحى من أول السنة الجديدة، وفيه حضانة تبع المدرسة هدخل فيها البنت، وسمعت من الجيران إن التعليم هنا كويس والمدرسة فيها مراقبة ومتابعة وشد على الولاد مش زى المدرسة اللى كانوا فيها، كانت الأمور سايبة». تتحدث ابنته الصغيرة «نورا» ذات الأعوام الخمسة، فتقول على حياء وهى مبتسمة: «عايزة أبقى زى دكتورة أمل»، فيوضح والدها أن الدكتورة أمل تعمل فى المركز الصحى بالأسمرات، وعالجت ابنته من مشكلة فى معدتها حتى أتمت شفاءها وجمعت بينهما علاقة طيبة على مدار أيام المتابعة، يقول: «الدكتورة ربنا يخليها خلتها أحسن من الأول، والبنت لا بقت تشتكى ولا تعيط، وكانت بتعاملها بالراحة وبحب، وساعات دلوقتى تقول لى عايزة أروح أسلم على خالتو أمل، فآخدها ونروح المركز جنبنا تسلم عليها ونمشى تانى».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل