المحتوى الرئيسى

«الغلاء» يحاصر «فسحة العيد».. والأسر تبحث عن بدائل للفرحة

06/26 19:16

«العيد فرحة»، عنوان دائم لا يتغير، لكنه يفقد كثيراً من معناه فى ظل تأزم الأوضاع المعيشية، «الحياة بقت صعبة» هذا هو لسان حال الغالبية من المواطنين، الذين أرهقتهم قرارات معركة «الإصلاح الاقتصادى»، ولا يجدون سبيلاً إلا الصبر والبحث عن بدائل فى كل جوانب الحياة لمواجهة مشكلة «الغلاء» التى طالت كل شىء، من مأكل إلى ملبس إلى فواتير كهرباء وغاز ومياه، وأخيراً «فسحة العيد» أيضاً.

التخطيط لقضاء أوقات سعيدة خارج المنزل جزء من العيد، عادات وتقاليد فى التفاعل مع المناسبة الأهم من كل عام، أسرة تقرر السفر لإحدى المدن الساحلية، وأخرى تتنقل بين الجناين والحدائق الخضراء، وآخرون يبحثون عن الفرحة فى «الملاهى» بصحبة الأطفال والصبية، أو «الشوبنج» بين المحلات والمولات مع مجموعات الأصدقاء، إلا أن كل هذه الاختيارات على الرغم من اختلافها تعرضت لـ«موجات غلاء» جعلت منها محنة قاسية على ميزانيات الأسر والعائلات، الفقيرة والمتوسطة والغنية على حد سواء، لينقسم العيد بين ساعة «فرحة» وساعة «شكوى» من نار الأسعار.

مطالبات بتدخل الحكومة لتقديم برامج ترفيهية مدعمة للعائلات

محمد سعيد محروس، رب أسرة بسيطة الحال، يتقاضى شهرياً 1450 جنيهاً وعليه أن يدبر بهذا المبلغ احتياجات 5 أفراد على مدار 30 يوماً، هو وزوجته وأبناؤه الثلاثة، يعمل «محمد» الذى اقترب من عامه الخمسين، فى أحد مصانع الغزل والنسيج بشبرا الخيمة، وبرغم ضيق حاله إلا أنه اعتاد على أن يصطحب أسرته الصغيرة فى فسحة بأول أيام العيد من كل عام، وكانت حديقة الحيوانات هى الخيار الأقرب، فيما قد يقضون بعض الساعات من اليومين الثانى والثالث للعيد على كورنيش النيل أو داخل واحدة من الحدائق المطلة على النيل، لكن هذه العادة السنوية رغم بساطتها الشديدة أصبحت فى مهب الريح هذه المرة، «لو أخدت الزوجة والـ3 عيال وخرجنا من سنة أو سنتين فاتوا، كنت هدفع 70 أو 100 جنيه ونرجع مبسوطين، دلوقتى لو حتى قعدنا على الرصيف هبقى محتاج ضعف المبلغ لأن كل حاجة بقت مضروبة فى اتنين وتلاتة، الدنيا ولّعت طبعاً، لكن أنا مرتبى زى ما هو مازادش غير 90 جنيه».

ارتفاع تكاليف المعيشة يؤثر على نمط الحياة.. أسرة «محروس» تختار «خروجة قرديحى» فى جنينة عامة.. وعائلة «عبدالعزيز» تلغى قرار المصيف وتلزم البيت فى أول أيام العيد.. و«سعيد» يصطحب زوجته وأولاده إلى القرية: «وسط أهلنا أحسن بكثير وتوفير للمصاريف والنفقات وراحة من دوشة العاصمة»

قرر «محروس» التخلى عن العادة السنوية، وقضاء اليوم الأول فى البيت وسط أسرته، ابنه الأكبر «محمد» انتهى من الصف الدراسى الثانى بالثانوية الفنية، ويلتحق خلال أشهر الصيف بالعمل إلى جوار والده بمصنع الغزل والنسيج ليساعده فى جزء من الأعباء المالية للأسرة، ثم يعود إلى مدرسته مع بدء العام الدراسى الجديد، بينما الابنان الآخران أحدهما بالإعدادية والآخر بالصف الخامس الابتدائى، يقول: «ماخرجناش أول يوم، قضيناه فى البيت، والتانى والتالت زيارات، الحياة بقت صعبة عن زمان، والترفيه مابقاش له وجود أو فرصة، القرشين اللى هيتصرفوا على فسحة أو خروجة.. البيت أولى بيهم»، وجهة نظر «محمد» لم تختلف عن كثيرين غيره، من نفس مستواه الاجتماعى الذين باتوا يفكرون بالطريقة نفسها، فهو على أرجح الأمور سيبحث عن «فسحة قرديحى» لا ينفق فيها ما يؤثر على ميزانية الشهر التى يخشى أن تصاب بعجز لا يستطيع سده، يضيف «محروس»: «ممكن نخطف خروجة تالت يوم نفرّح الولاد فى جنينة الحيوانات أو الحديقة الدولية، وهناخد أكلنا وشربنا من البيت، وكفاية علينا تمن المواصلات وكوباية الشاى أو العصير فى الجنينة».

فى وضع اجتماعى مختلف نسبياً وظروف اقتصادية أفضل عن أسرة «محروس»، تعيش أسرة «عبدالعزيز» الموظف فى شركة الكهرباء الذى يتقاضى 2800 جنيه شهرياً، الأسرة الأولى تسكن فى منطقة شعبية بحى إمبابة، والثانية تسكن فى حى متوسط بمدينة السادس من أكتوبر، لكن برغم اختلاف الدخل الشهرى ومحل الإقامة فإن الشكوى من الغلاء طالت الأسرتين، والرغبة فى قضاء أوقات سعيدة خلال عيد الفطر خارج المنزل باتت أمراً صعباً، لكنهما يأملان فى المرور من هذه الأيام الثلاثة بأقل الخسائر المادية، يقول «عبدالعزيز» الذى يعول أسرة من 5 أفراد: «الضغوط المادية فى العيد بتكون مضاعفة، أكل وشرب ولبس وعيديات وزيارات، ويزيد فوق كل ده الخروجة المقدسة بتاعة الأسرة»، يصمت «عبدالعزيز» ثوانى ثم يواصل حديثه: «بيكون وقت جميل وسعيد وفرحة، لكن تحت الضغطة المادية الفرحة بتقل، العيال مش عارفين حاجة، لكن اللى عارف وحاسس وشايل الهم هو إحنا.. الأهالى»، بحسبة بسيطة يجد الأب نفسه فى حاجة إلى ربع راتبه لقضاء يوم فى أحد المولات الكبيرة، أو تناول وجبة غداء فى مطعم شهير، أو شراء 4 تذاكر سينما لمشاهدة أحد الأفلام الجديدة المطروحة فى دور العرض، يقول: «الأسعار ارتفعت جداً حتى فى الخدمات البسيطة، والنهارده علشان أفرح البيت بفسحة حلوة فى مول أو مكان كبير محتاج 600 أو 700 جنيه يعنى حوالى ربع المرتب»، بسبب الظروف المادية قرر «عبدالعزيز» الاكتفاء بزيارتين خلال العيد، الأولى لزيارة عائلته والثانية لزيارة عائلة زوجته، يضيف: «كده كويس جداً يا دوب نوفّى بالزيارات اللى هنعملها أو هنستقبلها فى بيتنا من الأهل والأقارب، ونفرح الأولاد بالعيديات، وكفاية علينا أوى لحد كده، أما الخروجات دى فهنسيبها للولاد. ومفيش أحلى من قعدة البيت قدام التليفزيون»، قبل أسابيع فكر «عبدالعزيز» فى قضاء عطلة العيد فى أحد المصايف، لكنه بعد أن اطلع على الأسعار فى العجمى والمنتزه بالإسكندرية، تراجع عن فكرته ليصبح البقاء فى المنزل لا مفر منه، «لقيت سعر الشقة فى الليلة الواحدة 600 و800 جنيه، والشقة البعيدة عن البحر 350 و450 جنيه، ده مجرد إيجار من غير الأكل والشرب والمصاريف، فشِلْت الفكرة من دماغى نهائياً».

ضغوط معيشية وارتفاع شديد فى الأسعار، دفع الكثيرين إلى تغيير خططهم والاتجاه إلى بدائل أخرى أقل فى التكلفة، كما هو الحال بالنسبة إلى سعيد حسين، الأب الأربعينى لأسرة صغيرة مكونة من زوجته وطفلين أكبرهما «محمد، 8 سنوات»، والثانى «على، 5 سنوات»، قائلاً إنه فكر فى قضاء العيد بصورة مختلفة هذه المرة، «بقالنا سنتين مارحناش البلد، فاتفقت مع زوجتى ننزل نغير جو فى بلدنا بعيد عن الدوشة والزحمة»، يقيم سعيد فى مدينة نصر، ولديه بيت كبير فى قريته الصغيرة بالحامول كفر الشيخ يسكن فيه والداه، «اتصلت بوالدى ووالدتى واتفقت أننا هنقضّى العيد معاهم فى القرية، وفرحوا جداً، وزوجتى كمان مامانعتش، وفعلاً كنا عندهم أول يوم العيد وهنرجع قبل نهاية الأسبوع علشان شغلنا»، الظرف الاقتصادى يمثل جزءاً من قرار «سعيد» لكن أيضاً هناك دوافع أخرى جعلته يقدم على القرار: «علشان نقدر ننبسط ونتفسح فى العاصمة هنحتاج ميزانية كبيرة، لكن العيد فى القرية مش هيحتاج الميزانية دى، بالإضافة إلى أننا هنكون مبسوطين بين أهلنا وبالأجواء المختلفة وسط أراضٍ زراعية خضراء وهوا نضيف مش موجود فى العاصمة»، يعمل «سعيد» مهندساً معمارياً فى واحدة من شركات التطوير العقارى، ويتقاضى أجراً جيداً بالنسبة إلى كثيرين غيره وهو 5 آلاف جنيه شهرياً، لكنه يجد نفسه مثل ملايين آخرين تحت ضغط مادى مع الأيام الأخيرة من كل شهر، يقول: «الـ5 آلاف جنيه كانوا يعيّشونى ملك زمان، لكن دلوقتى يا دوب يكفوا لآخر الشهر، وفى مواسم زى العيد ورمضان لازم نمسك على إيدينا علشان نعرف نكمل وتعدى الأيام على خير»، وهو ما أكدته زوجته «مروة» التى تعمل مدرسة فى مدرسة تعليم أساسى، فتقول: «حجم الرفاهية بقى أقل من الأول بكتير، والاختيارات بقت محدودة لأن مش كل حاجة نفسنا فيها نقدر نعملها».

«صادق»: الضغوط المعيشية تقلل من فرحة المواطن.. وخلق حالة إيجابية هدف استراتيجى.. و«محروس»: «البيت أولى».. و«عبدالعزيز»: «علشان أفرح العيال بفسحة حلوة محتاج 700 جنيه»

العاملون فى المتنزهات والباعة وأصحاب المحال أبدوا شكواهم مثل غيرهم من المواطنين، «الأسعار دوبل، والأعداد أقل» قالها «محمد»، موظف فى حديقة العروبة على كورنيش التحرير، موضحاً أن عدد زوار الحديقة خلال الساعات الأولى من أول أيام العيد جاء أقل عن الأعوام الماضية، وقال إن الكافيتيريا الموجودة فى الحديقة التى تقدم المشاريب والطلبات للزوار رفعت قائمة أسعارها قبل العيد، يقول الرجل الأربعينى: «العصاير غليت، كوباية المانجة بـ25 جنيه، والبرتقال بـ20، والمياه الغازية بـ12. وطبعاً المأكولات سواء سندويتشات أو وجبات ارتفعت أسعارها جداً».

الأسعار داخل الحديقة التى تفتح أبوابها فى الأعياد أمام الأطفال والشباب والأسر، لم تختلف كثيراً عن مثيلتها خارج الحديقة التى بدت مبالغة أيضاً، حيث رفع الباعة الموجودون على ممشى الكورنيش الجديد الذى طورته الحكومة فى منطقة التحرير الأسعار التى يبيعون بها إلى الزبائن، «كل حاجة زادت علىَّ، سكر وفاكهة وأرضية، يبقى ليه أنا مازوّدش، صعب أتحمل خسارة لوحدى» يقول «إبراهيم» بائع كانزات مياه غازية وعبوات عصائر فى منطقة الكورنيش المواجهة لمبنى ماسبيرو.

الكافيهات والمطاعم فى أماكن مختلفة شاركت فى حصار المواطن بالأسعار المرتفعة، كما هو الحال فى ميدان الحصرى، حيث اتفق أكثر من صاحب كافيه مشهور بالمنطقة المكتظة بالمواطنين، لا سيما فى أيام العيد، على رفع قائمة الأسعار. حسن علاوى، صاحب مطعم وكافيه شهير بالميدان، قال إن الاتفاق على رفع الأسعار كان ضرورياً ولم يكن فى استطاعة محل أن يتخذ قراره بمفرده، فقررنا أن نتزامن فى هذا الأمر مع وقفة عيد الفطر المبارك، «الزيادة مش كبيرة لكن إحنا كمان المنتجات بتاعتنا زادت علينا، غير الصنايعية اللى عايزين يرفعوا مرتباتهم، طبيعى نلجأ لرفع الأسعار بشكل بسيط وكلنا بنتحمل مع بعض»، يعتبر «علاوى»، الذى قدم من سوريا إلى مصر قبل 5 سنوات، فترة أيام العيد من أهم المواسم على مدار السنة، لا سيما ليلة العيد التى تستمر فيها السهرات حتى صباح اليوم الأول من العيد، «إحنا حريصين على زبائننا، ولا نريد أن نخسرهم، وبالفعل الأعداد كانت كبيرة ليلة وقفة العيد رغم الزيادة، لكن بنحاول نحافظ على لقمة عيشنا واستمرارنا فى فتح المكان، وكل المصريين والسوريين هنا وافقوا على زيادة بسيطة فى قوائم الأسعار من 3 إلى 15 جنيه، حسب نوع الأوردر اللى بيطلبه الزبون».

خبراء ومتخصصون أكدوا أن ارتفاع تكاليف المعيشة يؤثر على نمط الحياة للأسر والعائلات، وطريقة قضاء المناسبات والتفاعل مع الأعياد، واعتبروا أنه من الطبيعى اللجوء إلى بدائل أقل تكلفة فى ظل أوضاع مادية صعبة تمر بها الأسر والعائلات بمختلف طبقاتهم، «الاقتصاد هو العامل الأكثر تأثيراً فى حياة الناس» يتحدث الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسى، مؤكداً أن الحياة الاجتماعية للأفراد تتغير حسب الأوضاع الاقتصادية التى يمرون بها، وبالتالى يكون من الطبيعى العزوف عن الخدمات أو السلع أو الأشياء التى تتطلب قدرات شرائية عالية إذا كان الوضع مختنقاً أو يواجه تحديدات عديدة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل