المحتوى الرئيسى

«الوطن» تحاور سيدات هزمن «الجهل».. ورجالاً «تسربوا» بسبب المدرسين

06/26 10:00

جمعتهم أهداف مشتركة، تبلورت فى مساعدة أبنائهم حين يوجهون لهم سؤالاً لا يعرفونه، وإزالة الأمية، وما يصحبها من انكسار وضعف، واستطاعة قراءة كتاب الله، مآرب بسيطة دفعتهم للتعلم ومحو أميتهم، هنا فى أحد فصول محو الأمية التابع لمسجد «الهدى» بإمبابة، تجلس الفتيات والسيدات على الحصير، يتلقين حروفهن الهجائية الأولى، لعلها تمنحهن قدراً من الطمأنينة والأمان، فى عالم تخطى هذه الحروف منذ زمن، ملابس الأغلبية منهن متشابهة، فبعضهن يرتدين النقاب، فيما يرتدى بعضهن الآخر العباءات السوداء، لتؤكد هذه التفاصيل ظروفهن المعيشية.

بكل أسى تتذكر «امتثال مرعى»، 43 سنة، تلك الفترة التى اضطرت فيها لترك مدرستها فى الصغر، تقول: «خرجت من المدرسة من أولى ابتدائى، أمى كانت والدة بنتين فوق روس بعض، وكنت صغيرة، وأبى قال لى وقتها: اقعدى راعى إخواتك الصغيرين، وجاية أتعلم دلوقتى، عشان أعرف أقرا وأكتب، وده لسه تانى يوم ليا، عندى بنتين وولد، كانت عمتهم هى اللى بتساعدهم فى القراءة والكتابة، وكنت ببقى مضايقة».

«على»: تركت المدرسة بسبب «عنف المعلم».. و«محمد»: الظروف دفعتنى لترك التعليم.. والصعيد بيتعلم بالتقسيط.. و«عثمان»: طلعونى من 5 ابتدائى.. و«منى»: كنت بابكى لما حد من أولادى يسألنى وما أعرفش أجاوب

«يا رب.. ادعيلى.. ادعيلى أعرف أقرا»، دعوة تمنت الاستجابة لها، فهى بالنسبة لها أمنية صعبة المنال، بصوت جهورى، تقول «نعمة على» 56 عاماً: «بقالى شهر هنا، جيت عشان أتعلم، نفسى أقرا وأكتب، لم نتعلم خالص، زمان كانوا يستعروا يطلعونا، عشان إحنا صعايدة من أسيوط، كانوا لا يخرجون البنات من الباب، إخواتى كلهم لم يتعلموا زيى، كلنا طلعنا البطاقات بالتسنين، ولم نعرف شهادات الميلاد، نفسى أقرأ القرآن، والحمد لله، ربنا هيعلمنى عشان أقرأ القرآن، اتعلمت لغاية دلوقتى (أ، ب)، وبدأت أكتب، أبلة سناء بتعلمنا»، وتتابع معبرة عن أقصى ما تسمو لها نفسها: «بس نفسى أكتب الكلمة وأعرف أقراها، أنا باكتب الكلمة، ولا أعرف أنطقها، بس حفظت ألف باء، الفضل لأبلة سناء، باجى هنا أربع أيام فى الأسبوع، أبلة سناء بتدينا كل حاجة، أنا ماكنتش أعرف أكتب خالص».

بابتسامة أفرجت عن كل سرائرها، قالت: «فرحت إنى بقيت أعرف أكتب اسمى واسم أبويا، ولسه اسم جدى مش عارفة أكتبه، لكن بكرة هعرف أكتبه». تسترجع «نعمة» حياتها فى بيت أبيها، قائلة: «الله يرحم أهلى، كان سلونا كده، مفيش بنت بتتعلم، مش إحنا بس، وولاد عمنا وخالتنا كلنا كنا كده، باتمنى لهم الخير ربونا وكبرونا، وربنا يغفر لهم ويسامحهم، مش بخاطرهم، هو ده كان سلونا».

«قلة العلام داهية، لو جه حد مضانى على ميّة ولا نور، مش هعرف، العلام نور، وأنا جيت محو الأمية عشان أتعلم»، قالتها «فريدة محمد» 55 عاماً، مضيفة: «أنا كنت فى الصعيد، فى أسيوط، وكنت كبيرة إخواتى، ووالدتى كانت معاها عيال صغيرة فقعدتنى أربيهم معاها، ومادخلتش المدرسة، وجيت هنا برضه، خلفت 3 بنات وولدين، وكنت فاتحة دكانة، وملهية، وبعدين العيال كلهم اتجوزوا، فجيت هنا عشان أحفظ قرآن وأتعلم، ودلوقتى أعرف أقرأ (ن، وتبارك)، حافظاهم، اتعلمت كمان عشان لو تُهت أعرف أروح أى مشوار، عايزة أروحه، ولو حد قال لى امضى على ورقة أبقى فاهمة فيها إيه، لما ربنا أراد لى، بقيت باتعلم دلوقتى قرآن ومحو أمية، وكله هنا بيقول لكله، وعرفنا من بعض، والحمد لله، دلوقتى أعرف أكتب اسمى، واسم أبويا، واسم جدى، أى حاجة مكتوبة على السبورة بنقلها، ومعايا دلوقتى كذا كراسة مليانة كتابة، حديث ومحو أمية، وكله».

«فريدة»: والدتى قعّدتنى من التعليم عشان أربى معاها العيال.. و«داليا»: التعليم علمنى أتعامل مع جوزى كويس

نصف صفحة ما زالت بيضاء، بعدما امتلأ نصفها الآخر بالكلمات والكتابة، هذا ما ورثته القراءة والكتابة فى نفس «داليا خليفة» 23 سنة، من بلاغة، لتشرح حالها، وهى تمسك بابنتها فى يدها، عقب انتهاء كلتيهما من حصته اليومية، الأم من درس محو الأمية، والابنة من الفصل المجاور الخاص بالحضانة، المقامة فى نفس المكان، قائلة: «كنت زى صفحة بيضا، دلوقتى نصف الصفحة اتملا، ماتعلمناش، كنت عايشة مع والدتى، والظروف ماكانتش كويسة، ولم أتعلم، وكنت بشوف العيال تتعلم، ولما كبرت وعرفت عن الفصل هنا، جيت وبدأت أتعلم، وبدأت أقرأ فى المصحف، وبنتى اللى فى الحضانة، لما بقت تسألنى عن حاجة، بقيت أجاوبها، بقيت أذاكر معاها فى كتاب النور والبيان، قبل كده ماكنتش باعرف أفتح الكتاب، هاتى لى أى كلمة فى المصحف أعرف أقراها لك بالتشكيل، والحمد لله دلوقتى ختمت 4 أجزاء، بقالى كده 6 شهور». وتضيف: «أعطونى كتاب أقراه عن المهارات، وإزاى الواحدة تعرف تتفاهم مع زوجها فى البيت، ومع أولادها، بدل ما تبقى جاهلة تمسك العيل تضربه تموته، تعرف تتكلم مع ابنها كويس، وتتعامل معاه إزاى من التعليم، الأول كنت باضرب بنتى وأخلى جسمها يوجعها، دلوقتى بقيت آخدها بالمسايسة، وأتفاهم معاها، الأول ماكنتش كده، كنت جاهلة». وتتابع: «لم أكن أعرف شيئاً عن فصل محو الأمية هنا، ومرة جيت مع بنتى درس القرآن، وقعدت مع المعلمة بتاعتها، وكنت بحضر معاها، عشان عايزة أعرف أقرأ قرآن، ولاقيت أبلة سناء عاملة محو أمية هنا، شفتهم بيقروا ويكتبوا، وبالمجان، وكان عندى فضول فسألت، فعرفت إنها بتعطى محو أمية بدون أى مقابل، وقلت لها عايزة أكون معاكم، طلبت منى صورة البطاقة، وبدأت أتعلم، وجبت كراسة وقلم، وعرفت أقرا وأكتب، وبصراحة جوزى شجعنى أتعلم حاجة جديدة، وعشان أفهم الدنيا ماشية إزاى، مبسوط إنى سعيت لحاجة زى كده، وبقى فرحان عشان بنته فى الحضانة بقت تلاقى اللى يساعدها، ما أنا لو جاهلة مش هعرف أساعدها، ومش هاعرف أدرس لبنتى أو أجاوبها، لكن لما أعرف أقرا وأكتب، وأجاوب بنتى هتكون مبسوطة إن مامتها بتساعدها، وبتعرف تقرأ وتكتب، ولما كانوا ولادى هيكبروا كانوا هيقولوا إنى كنت جاهلة عشان كده هم كانوا هيطلعوا جهلة». وتستطرد: «ناوية أكمل إعدادى وثانوى، طالما جوزى متفهم موقفى، ومتعاون معايا، طالما أعطانى جوزى الحق إنى أكمل، عشان أنفع ولادى، وأنفعه هو، وعارفة أقضى مصلحة بيتى، هيشجعنى على كده».

فى المقابل، تجلس «شادية معوض» امرأة ثلاثينية بولديها على الحصير، تتلقى بهما أول خيوط لها فى عالم القراءة، فليس لهما مأوى يحتضنهما، خلال تعلم أمهما سوى اصطحابها، تقول «شادية»: «خدت شهادة محو الأمية من سنتين، ماكنتش باعرف الحروف ولا أشكالها، بس دلوقتى الحمد لله بعرف، كان نفسى أتعلم من صغرى، لكن عندنا فى البلد فى الفيوم، لم يكونوا يهتمون بتعليم البنات، وكانوا يعلمون الأولاد، ويقولون إن البنت ست بيت فقط، لكن دلوقتى بعد محو الأمية، ربنا أنعم علينا بالقراءة، وربنا يجازيهم خير إنهم وفروا لنا الأماكن والمساجد عشان نتعلم». وتضيف «شادية»: «أبسط حاجة دلوقتى، ممكن لو حاجة وقفت مع ولادى الصغيرين أقدر أساعدهم، وخاصة فى حفظ القرآن، يكفى إنى دلوقتى أعرف أفتح المصحف، وأطلع الآية أقراها، الحمد لله، اتعلمت عشان لو بنتى سألتنى أرد عليها، دلوقتى نفسى أكمل علوم شرعية، بس هستنى لغاية ما ولادى يكبروا، وأعرف أعمل كده».

بشالها الصعيدى الأسود، الملفوف حول ذراعيها، تجلس «رضا أحمد محمد» 76 عاماً، متكئة على الحائط، مشبعة بكم هائل من العزيمة والإصرار للتعلم، قائلة: «لما ربنا أراد إنى أعرف القرآن والتعليم، جيت أتعلم، كانت الدنيا ملهيانى، أنا مبسوطة إنى بدأت، أنا واحدة عندى السكر والضغط، وماقدرش أمشى إلا بالنضارة، يعنى حضورى فى الفصل هنا حاجة كبيرة، بس عشان أتعلم، كنت الأول باروح فى الإدارة، وكان التوك توك بياخد 5 جنيه رايح، و5 تانية وهو جاى، ماكناش نقدر على المصاريف دى، فقعدت شوية، ولما فتحوا فصل فى المسجد قريب مننا بقيت أروح خلاص، ودلوقتى أعرف أكتب اسمى، واسم أبويا».

«أنا غاوية تعليم، وحسيت بده أكتر لما اتجوزت، تقول «هناء أحمد» 35 سنة: «طلعت من المدرسة من سنة خامسة، حصلت ظروف فى البيت وطلعت، كان نفسى أتعلم، بس لما كبرت وفهمت، جيت هنا محو الأمية، كنت غاوية تعليم بس مش لاقية إمكانيات تساعدنى، كل اللى حواليا كانوا غير متعلمين فمالقتش حد يساعدنى ويعلمنى ويقف جنبى، ده اللى خلانى أطلع من المدرسة، لكن الحمد لله نجحت وأخدت شهادة محو الأمية من 5 سنين، خدتها عشان أعرف أعلم ولادى».

«كنت بابكى وأتضايق وأتهم، لما ييجى حد من ولادى يسألنى وماعرفش أجاوب» من هنا أصرت «منى سامى» 21 سنة، على التعليم، ومحو أميتها، قائلة: «أمى متوفية من زمان، وأبويا اتجوز واحدة تانية، فماتعلمتش، وبعد ما عيالى كبروا شوية، ولم أعرف أجاوبهم، قلت لازم أتعلم، وكده بقالى 4 شهور، اتعلمت حاجات بسيطة، بس أنا حابة الموضوع وهاكمل، كمان عشان أعرف رايحة وجاية منين، وأعرف أقرا الأوتوبيس مكتوب عليه إيه، ورايح فين، ناوية أكمل بعد كده، وجوزى بيجاوبنى لما بسأله، وبيخلى الولاد يساعدونى، كلهم بيشجعونى».

«عايزة أتعلم عشان خاطر نفسى، محدش يمضّينى على حاجة مش مظبوطة، وعايزة أفيد عيالى، كنت الأول لما يسألونى على حاجة أهرب منهم، لغاية ما أعرف الإجابة من حد، وأجاوبهم»، هكذا تبلورت أهداف «مايسة إبراهيم» 26 سنة، من التعليم، وتوضح أسباب عدم حصولها على التعليم قائلة: «والدتى ووالدى توفوا من زمان، وخالتى هى اللى ربتنى، الظروف لم تكن تسمح إنها تعلمنا مع ولادها، بس كنت بتصنت ورا الباب لما ولاد خالتى كانوا بياخدوا الدرس، كنت بلقط أى حاجة، عشان أتعلم، وكنت بحاول قبل مدة أتعلم، لغاية ما ربنا وفقنى وجيت هنا من شهرين، فيه ناس كتير عايزة تتعلم بس نفسهم بس فى فرصة، وكل اللى هنا نفسهم يتعلموا أوى».

«نفسى أتعلم جداً، نفسى أعرف أقرا وأكتب»، قالتها «نحمده موسى» 34 سنة، مضيفة: «لم أدخل مدرسة خالص، عشان كنا عايشين فى الصعيد، ماحدش رضى يعلمنا، ولما كبرت لقيت نفسى مش متعلمة، بقالى هنا 5 شهور، واتعلمت كلمات قليلة، التعليم سهل وصعب، الحاجات اللى مش باعرفها ببقى مضايقة من جوايا ومخنوقة، نفسى أعرف أقرا وأكتب بسرعة، أشوف أى حاجة فى التليفزيون أعرف أقراها». «أهلى ظلمونى، أمى ودت إخواتى كلهم يتعلموا، إلا أنا، مش عارفة ليه، مش حاساها ظلم الحتة دى، علموا إخواتى البنات الثلاثة، وأنا لا»، بنبرة غاضبة، عبرت «فاطمة هاشم» 52 سنة، عما تخلف لديها من مشاعر سيئة نتيجة حرمانها من التعليم، تقول: «مارحتش المدرسة خالص، أمى ودت إخواتى كلهم، إلا أنا، مش عارفة ليه، أنا عوضت اللى اتحرمت منه فى ولادى، بنتى اتجوزت، وخلتها تكمل تعليم فى بيتها، وكنت بادفع لها المصاريف، عشان مش عايزاها تكون زيى، أنا دلوقتى باعرف الحروف كلها، لكن نفسى أفهم الكلام، وأعرف أنطق الحروف كويس، ونفسى آخد شهادة محو الأمية، أنا جاية هنا عشان أحفظ القرآن كمان».

واختلفت الأسباب التى دفعت الذكور للأمية، وترك التعليم، عن السيدات، فلم يقف الإرث الثقافى للمجتمع وتقاليده عائقاً أمام تعليم الرجال، مثلما منع السيدات من التعليم، بل منعتهم أسباب أخرى، تمثلت -كما رووا- فى سوء التعليم والظروف الاجتماعية والمعيشية الصعبة، التى حالت دون تفرغهم للتعليم، ودفعت الكثير منهم للنزول للعمل فى سن صغيرة لمساعدة الأهل. فى أحد فصول مدرسة الجهاد الابتدائية بإمبابة، يقول «محمد سيد حسن» 32 عاماً: «شعرت أننى لا أجيد التصرف، حين أتحرك فى الشارع، ولا أستطيع الذهاب للأماكن، فحاولت المجىء لفصل محو الأمية هنا، لتشجيعى على القراءة والكتابة، والآن أعرف أكتب كلمات وجُمل».

ويوضح «حسن» أسباب تركه التعليم فى المرحلة الابتدائية، قائلاً: «المدرسين كانوا عبارة عن سماسرة، ضرب وإهانة ولم يحسنوا المعاملة، طلعت من المدرسة فى سنة 3 ابتدائى، ماقدرتش أكمل وأواصل مع مدرسين بالشكل ده، والتعليم كان قايم على الدروس الخصوصية، يعنى اللى يدفع هو اللى يتعلم وينجح، وأنا أسرتى بسيطة، لم تستطع أن تعطينى دروس خصوصية، فاضطررت أن أترك المدرسة، وأعمل سباك وحداد، وأكثر من عمل لمساعدة أهلى». ويتابع «حسن»: «أنا جاى عشان أتعلم بجد، بقالى هنا نحو 5 شهور، وبدأت أكتب كويس، وأقرا كويس، وناوى أكمل وهخلص الإعدادية، وأكمل ثانوى، نفسى أكون زى نجيب محفوظ».

بنبرة هادئة، تذكّر «على السيد»، 45 عاماً، مأساة تركه المدرسة، وهو فى الصف الخامس الابتدائى، دون أن يجيد أياً من القراءة والكتابة، قائلاً: «طريقة المدرسين العنيفة فى التعليم كانت صعبة، ماكانوش بيفهمونا، وكان العنف هو أسلوبهم الوحيد فى التعليم، ومش فارق معاهم نتعلم أو لا، طلعت من 5 ابتدائى، المدرس كان بيضع الولد على الأرض ويرفع رجليه الاتنين، ويضعهم بين الكرسيين، ويضربهم بالحزام، كانوا بيرعبونا، لم يحببونا فى المذاكرة ولا الدراسة، وكنت باروح عشان خاطر أهلى، لكن ماقدرتش أتحمل أكثر من كده، وفى النهاية أخذت قرار بترك المدرسة نهائياً».

وقرر «السيد» ألا يكرر ما حدث معه، مع أولاده، وأن يبذل كل ما يستطيع فى سبيل تعليمهم، يقول: «وضعت فلوسى وكل ما أملك فى سبيل تعليم أولادى، ودراستهم، قلت أى حاجة تحصل، إلا تعليم أولادى، عندى لا آكل ولا أشرب، بس ولادى يتعلموا، لسه كنت بقول للأبلة ربنا يبارك فى أولادى، واحد منهم فى كلية آداب، والثانى فى ثانوى عام، ومصطفى ابنى الثالث فى الابتدائى، ولو رجع الزمن بى تانى سأضع كل ما أملك كما فعلت، من أجل تعليمهم».

ويتابع «السيد»: «رغم إن ناس كتير حصلت على الشهادات ولا تعمل، بس التعليم غير الشهادة، التعليم حاجة تانية خالص، التعليم بيفرق جداً مع الشخص، احترامك لنفسك، وطريقة الكلام بعد التعليم حاجة تانية، بيفرق جداً، الحياة دلوقتى بالنسبة لى غير زمان، دلوقتى مش مهم إيه اللى هكله، ممكن آكل فول بس أتعلم، قبل كده ماكانش ينفع أتعلم، كنت محتاج المليم، عشان خاطر عيالى، دلوقتى ولادى عرفوا وفهموا إن الشهادة هى الأساس، مهما كان اللى بيحصل فى الدنيا». ويؤكد «السيد» أن هدفه من محو أميته، والتعليم، ليس تحقيقاً لأى مصلحة، يقول: «معى شهادة محو الأمية من زمان، ومعى رخصة، لكن أنا جاى عشان التعليم، عشان أتعامل مع الناس، مع الحياة، على الأقل أعرف أتعامل وأقرا اللافتات فى الشارع».

هيئته تؤكد شقاءه، لكن أكل العيش لم يمنعه من التعليم، كما أكد «حسين خلف» 41 سنة، قائلاً: «التعليم بيخليك بنى آدم، لو كنت متعلم كان زمانى قاعد على مكتب دلوقتى، بدل ما أشتغل فى قهوة، ولا باغسل عريبة، أنا لم أترك المدرسة من فراغ، زمان فى مدرسة عمر المختار، كان عدد الطلاب 62 و70 نفر فى الفصل، المدرس كان بييجى يقعد ولا يشرح، كان بييجى يقعد على الكرسى ويفتح الجورنال، أنا مش بعرف أقرا ولا أكتب، ومش عارف نجحت إزاى، اتعلمت أكتب بعض الكلام من الشغل، لما كنت بقلد صاحب الشغل فى كتابة الكلام».

«بغير من عيالى، وقررت أتعلم زيهم» قالها «خلف»، مضيفاً: «لدى 3 أبناء، واحد منهم فى 4 معهد فن وهندسة، وابنى (على) رايح أولى ثانوى، وعندى بنتى داخلة 3 ثانوى، التعليم حلو، لكن مع المدرس اللى ينتبه للتلميذ وتعليمه». ويوضح: «هنا فى محو الأمية، عندهم طولة بال، الأبلة بتسمعنا، وتراجع للواحد مرة واتنين وعشرة، فيه مدرسين تحب تتعاون معاهم، المدرسين وعدد الطلبة الكتير كان بيخلينا مانفهمش ونسيب المدرسة، كمان تشدد المدرس بيكره الطلبة فى التعليم، التعليم حلو، بس أهم حاجة طولة البال».

بجلباب بسيط انطبعت عليه آثار عمل اليوم، أمسك «مصطفى محمد» 32 سنة، فراش مدرسة، بالقلم، وراء معلمته، يحاول كتابة ما جدّ من كلمات يضيفها إلى موسوعته الصغيرة التى لم يمر عليها سوى 4 شهور فى التعليم، ويقول: «فى فصل محو الأمية هنا اتعلمت كتير، فى البداية أى حاجة صعبة، لكن بعد كده بنتعلم». ويسترجع «محمد» أسباب تركه التعليم، قائلاً: «كانت الظروف المادية وإحنا صغيرين فى المنيا مش كويسة، وناس كتير ظروفهم المادية منعتهم من التعليم، وبقولك الصراحة ناس كتير من الصعيد كملت تعليمها بالتقسيط، ييجوا يشتغلوا فى الأجازة عشان يجيبوا فلوس ويعيشوا، ويرجعوا يدرسوا فى الدراسة».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل