المحتوى الرئيسى

حكاية عهد حافظ عليه السادات لأهالي السويس إلى يوم استشهاده (صور)

06/25 20:18

السويس - حسام الدين أحمد:

قبل 46 عامًا، بينما كان المواطنون في ربوع مصر يحتفلون بأول أيام عيد الفطر المبارك، كانت السويس في 1 شوال 1393 هجريًا، الموافق 26 أكتوبر 1973 تقضي أول أيام العيد تحت حصار القوات الإسرائيلية.

كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات حينها وهو يتخذ قرار رفض تسليم المدينة للعدو على يقين من أن السويس لن تهزم، وأنها إلى صمود أمام القوات الإسرائيلية، ولن يسمح أهلها باحتلالها، أو المرور عبرها إلى العاصمة.

الملحمة الحقيقية بدأت قبل العيد بيومين فقط، في 28 رمضان / 24 أكتوبر، حينما لقنت المقاومة الشعبية بالسويس العدو الإسرائيلي درسًا قاسيًا وألحقت به خسائرًا فادحةً، مستخدمين أسلحة خفيفة لا ترتقى إلى مستوى الحروب، صدوا بها هجوم 6 ألوية مدرعة قوامها 600 دبابة ومركبة، بينما استشهد عدد من رجالها أبطال منظمة سيناء العربية.

ومع قرار الرئيس باستمرار القتال عهد على نفسه إذا قدر الله للسويس أن تنتصر أن يقضي فيها أول يوم بعيد الفطر من كل عام، وقد وفى بطل الحرب والسلام بوعده إلى يوم استشهاده في العام 1981.

يروي الفدائي محمود طه، منسق جمعية المجاهدين وأحد أبطال المقاومة الشعبية خلال الحرب، كيف كان الوضع في السويس يوم 28 رمضان، فيقول: "إسرائيل دفعت بعدد 6 ألوية مدرعة دخلت السويس عبر 3 محاور في الزيتيات، والمثلث، والهويس. وكان رجال المقاومة الشعبية مستعدين بـ (العيدية) للعدو، فأعدوا العدة لاستدراجه في شوارع المدينة التي بدت خالية من أي حركه، فاطمئن الإسرائيليون حتى وصلوا إلى منطقة الأربعين، وهناك جسدت المقاومة ملحمة بطولية رائعة وألحقت خسائرًا فادحة بالعدو الذي خرج مذعورًا تاركًا خلفه قتلاه ومصابيه، بينما سقط منا عدد من الشهداء كان أولهم الشهيد إبراهيم سليمان الذي أوقف كول من الدبابات بعد استهدافه أول دبابة أمام سيما مصر". 

ويتابع البطل قائلاً: "صباح يوم 29 رمضان / 25 أكتوبر وصلت مجموعة جديدة من القوات الإسرائيلية عبر محور الزيتيات بقيادة آريل شارون الذي توجه إلى شركة السويس لتصنيع البترول (المعمل)، وطالب حاكم المدينة بتسليم السويس".

ويشير إلى أن شارون استخدم الهاتف الموجود بالشركة، واتصل بمكتب اللواء بدوي الخولي محافظ السويس في ذلك الوقت، مستعينًا بمحمد عبد القادر موظف الشركة، فرد مسعد القفاص مصور المحافظة في ذلك الوقت، وأخبر صديقه أن المحافظ موجود بمنزل مصطفى محمد علي في سوق "شميس" بالأربعين.

"اتصل محمد عبد القادر مجددًا بالمحافظ في سوق شميس"، وفق ما يروي الفدائي محمود طه، الذي أضاف أن شارون طالب المحافظ خلال الاتصال بتسليم السويس.

ويؤكد طه أن الوضع في السويس - آنذاك- كان صعبًا للغاية، فعدد المقيمين بالمدينة لم يزد عن 5 آلاف مواطن ومجند على أكثر تقدير، بعد رحيل الأسر بسبب التهجير الجبري في 1968 حتى لا يكونوا هدفًا سهلاً لنيران العدو، وكانت المؤن تصل كل أسبوع وبالكاد تكفي الموجودين، بعد ما أحرق العدو مخزن الدقيق وقطع خط المياه عن السويس، إلا أن رجال المقاومة الشعبية أصروا على رفض الاستسلام وأبوا إلا استمرار القتال.

يستكمل طه: "كان قرار تسليم المدينة أكبر من أن يتخذه محافظ السويس، لذا وجب الرجوع إلى القيادة السياسية المتمثلة في الرئيس السادات.

"القوات الإسرائيلية على مشارف المدينة وتطالبنا بالتسليم .. أفيدونا بردكم"؛ كانت هذه رسالة مختصرة بعثها اللواء بدوي الخولي عبر جهاز التلكس إلى الرئيس أنور السادات، ليأتي الرد بعد خمس دقائق: "لن نسلم ولن نستسلم استمروا في القتال الله معكم".

"حصار استمر مائة ويوم واحد بدأ في 26 أكتوبر من العام 1973 بعد قرار الرئيس باستمرار المقاومة، التي أوفت بعهدها فأوفى الرئيس لها بعهد قضاء كل عيد فطر وسط أبناء المدينة الصامدة"، يقول محمود طه ويضيف: "الرئيس كان يعلم أن السويس إذا سلمت ورفعت رايتها البيضاء لشارون فلن يتوقف في زحفه باتجاه القاهرة.. السادات كان واثقًا في بسالة أهل السويس".

في 4 يونيو 1974 كانت أولى زيارات الرئيس السادات إلى مدينة السويس بعد حرب أكتوبر، حيث أقامت المحافظة مؤتمرًا جماهيريًا بميدان الكورنيش، افتتحه أمين الاتحاد الاشتراكي، وأعقبه خطاب للرئيس السادات ما زالت كلماته محفورة في وجدان من شهدوه.

"لقد طلب أمين الاتحاد الاشتراكي أن يكون 24 أكتوبر عيدًا قوميًا للسويس، وأنا أقول أن يوم 24 أكتوبر عيدًا قوميًا لمصر تعطل فيه الدواوين والمصالح ويكون يومًا وطنيًا في تاريخ مصر"؛ أعلنها السادات في مؤتمره، وتلقاها السوايسة وسامًا على صدور أبناء المدينة تقديرًا لدورها في مرحلة الحرب.

يحدثنا المستشار محمد أبو المجد مرزوق، أمين الاتحاد الاشتراكي آنذاك، فيقول: "قبل المؤتمر جلست مع الرئيس السادات وطالبته أن يجعل 24 أكتوبر عيدًا قوميًا للسويس، ولكنه فاجئنا بقراره هذا"، مشيرًا إلى أن الرئيس قرر أيضًا ذلك اليوم رفع التصاريح، فبالرغم من أن الحصار انتهى في 14 يناير 1974 في حضور لجنة من الصليب الأحمر، إلا أن دخول المهجرين إلى السويس كان يستلزم تصاريحًا أمنية من البوليس الحربي آنذاك.

وذكر أمين الاتحاد الاشتراكي أنه دخل السويس بعد فك الحصار، وكان رفقة اللواء ممدوح سالم وزير الداخلية، ونائب رئيس الوزراء، وعقب ذلك تتابعت الوفود الدولية في زيارة السويس.

ويتحدث مرزوق عن زيارات السادات للسويس، فيقول إنها كانت تتكرر على مدار العام وليس في عيد الفطر فقط من كل عام، ولكن زيارة العيد كانت مختلفة وينتظرها السوايسة كل عام.

"كان الرئيس يصل بطائرته لتستقر به في أرض المهبط بالمنطقة الواقعة نهاية مساكن فيصل ومدينة المستقبل، قبل أن يزحف إليها العمران، وكان يصل السويس عصر يوم وقفة العيد"؛ يقول أمين الاتحاد الاشتراكي.

وفي السياق، يشير المستشار مرزوق إلى قصة إنشاء حي باسم الملك فيصل، الذي زار السويس بعد الحرب رفقة الرئيس السادات، وتبرع بـ 300 مليون دولار لإعمار المدينة، التي كرمته بإطلاق اسمه على عدة تجمعات سكنية بالحي الذي حمل اسمه، والذي بات الآن يحتل المرتبة الثانية من حيث المساحة وعدد السكان بالمحافظة.

ويتحدث أنور فتح الباب، موجه التاريخ والباحث في تاريخ المدينة، عن مراسم استقبال الرئيس، فيقول: "بعد أن وصل السادات إلى أرض السويس استقل سيارة مكشوفه تحرك بها في شارع الجيش الرئيس بالمدينة، وكانت وقفة العيد آنذاك يومًا مشهودًا، فعلى جانبي الشارع تراصت عشرات الآلاف من المواطنين لاستقبال الرئيس بالورود.. كان السوايسة يكنون له كل الحب والتقدير باعتباره بطلاً للحرب".

ويضيف أنور فتح الباب: "كان موكب الرئيس يسير بامتداد شارع الجيش حتى منطقة بورتوفيق، ثم نزل باستراحة قناة السويس، المواجهة لنادي ضباط الهيئة، والتي أطلق عليها فيما بعد استراحة السادات".

ويكشف فتح الباب أنه على الرغم من الأحداث التي شهدتها السويس في انتفاضة يناير 1977، وتطبيق حظر التجوال في خمسة محافظات كانت السويس من بينها، إلا أن السادات لم يقطع عادته وظل يحضر كل عام ليؤدي صلاة العيد مصدقًا وعده مع السوايسة.

عبد المنعم قناوي، عضو منظمة سيناء العربية والملقب بصقر السويس، حكى لنا عن برنامج الرئيس في السويس، قائلاً: "كان السادات يستقر في الاستراحة، ويتوجه صباح اليوم التالي إلى مسجد الغريب لأداء صلاة العيد يرافقه المحافظ ومدير الأمن والقيادات العسكرية بالمحافظة.. وعقب أداء الصلاة، كان يتجه إلى قيادة الجيش الثالث الميداني بعجرود لتناول الإفطار مع أبنائه من ضباط وجنود القوات المسلحة".

ويذكر قناوي أنه مع توافد المواطنين على استراحة السادات، وما يشوبها من قصور أمني بسبب انخفاض مستوى السور، فضلاً عن بنايتها المكونة من دورين فقط، رأت الأجهزة الأمنية نقل مقر إقامته ليلة العيد إلى استراحة أم كلثوم التي تقع بالمنطقة الفاصلة بين ضاحية حوض الدرس وبورتوفيق، وكانت أكثر تأمينًا. وكانت كوكب الشرق تنزل بتلك الاستراحة حينما كانت تقيم حفلات يخصص عائدها للمجهود الحربي عقب يونيو 1967.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل