المحتوى الرئيسى

لقطتان بديعتان | المصري اليوم

06/20 01:57

أدهشتنى تلك الموهبة الأدبية الواضحة للسفير/ فوزى العشماوى، والطريف أنه هو نفسه لا يدرى كم هو موهوب.

القصة الأولى عبارة عن لقطة أدبية أسطورية، تقدم لنا فيها الأفيال حكمة الحياة. ولعلها من مخزون تجاربه أثناء تجواله فى بلاد الله. أدعوكم إلى قراءتها أولا ثم تأملها ثانيا. فهى مشتبكة كثيرا بأحوالنا الحياتية.

صادفت زيارتى الأولى للبلدة الجميلة الواقعة على حافة الغابة، احتفالهم السنوى المهيب. رأيت أهل البلدة كلهم مجتمعين فى الساحة الكبيرة، ورأيت مجموعة من الأفيال الضخمة كبيرة السن، مصطفة فى طابور طويل، على كل فيل منها يركب رجل مسن وقور. كان الراكبون مبتسمين هادئين، لا يردون على أحد، ولكن يمسحون الواقفين بعيونهم التى يمكن أن ترى فيها لمعة الدموع، كأنما يريدون أن تنطبع الصور الأخيرة لأحبتهم فى مخيلتهم. أعمارهم متقاربة، لحاهم بيضاء وتغمر وجوههم الرضا والسكينة. الأفيال المسنة التى يركبونها كانت تقف هادئة ساكنة فى انتظار إشارة البدء.

ما إن تحرك أول القافلة حتى تبعه الباقون فى صمت وهدوء. سار الموكب ببطء ولكن بثبات وانتظام. الأقارب والأحفاد على الجانبين صامتون، يلوحون للموكب بمناديل ملونة، دموعهم منهمرة، ولكن للغرابة ابتساماتهم مشرقة!

تملكنى الفضول وأرعبنى الصمت وحيرنى اقتران الدمع بالابتسام.. سألت صبية صغيرة جميلة كانت تلوّح بجانبى بحماس واضح لراكب عجوز فى الصف الثانى، من الواضح أن بينهما قرابة ومحبة خاصة.. قالت لى بين دموعها المبتسمة: هؤلاء أجدادنا، حكماء بلدتنا، حينما يشعرون بدنو الأجل فإنهم يتجمعون فى مثل هذا اليوم من كل عام، يغتسلون ويتطيبون، ثم يتوجهون فى هدوء إلى مقرهم الأخير، مفسحين المجال للجيل الجديد. وجهتهم الأخيرة عبارة عن مكان هادئ فى قلب الغابة، لم يعد منه أحد أبدا، ولا يعرف طريقه سوى أكبر الشيوخ سنا. الغريب أن الفيلة المسنة أيضا تعرفه جيدا. لا أحد يدرى من أوحى للآخر بالفكرة. الفيلة المسنة تبرز من تلقاء نفسها من الغابة فى صباح هذا اليوم، تنتظر بهدوء ركابها من شيوخ البلدة، تعرفهم جيدا فقد زاملتهم طويلا عبر الصبا والشباب، تأخذهم أولا إلى مقر الشيوخ حيث يحط الرجال رحالهم، ثم تنطلق بهدوء إلى مقبرة الأفيال التى لا تبعد كثيرا عن هذا المقر، فتتمدد هناك براحة وسكون، بلا طعام أو شراب، انتظارا للرحلة الأخرى والمقصد الأخير.

أما اللقطة الثانية فقد أصابتنى بالقشعريرة وأنا أقرأها. وأصابتنى أيضا بالتعجب والاستحسان عند نهايتها. إنها قطعة أدبية عبقرية بكل معنى الكلمة، فى مستوى أحلام فترة الظهيرة لنجيب محفوظ.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل