المحتوى الرئيسى

«البهنسا»..مدينة بمحافظة المنيا تمزج الآثار القديمة بروحانيات الأماكن المقدسة

06/18 22:09

إذا أردت أن تزور حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتستأنس بالجلوس إلى عدد من صحابة النبي.. فاذهب الى المنيا، وإذا حدثت نفسك برؤية اساطير فرعونية بالصوت والصورة فما عليك إلا أن تذهب الى عروس الصعيد.. فالمنيا ليست مجرد أرض وبشر ونيل وزرع ولكنها سجل تاريخي ليس له مثيل، ففيها أقام الفراعنة حينا من الدهر وتركوا آثاراً ونقوشاً تحكي أساطير مثيرة.. هنا مرت العائلة المقدسة وعاش سيدنا يوسف واستشهد 5 آلاف من الصحابة ، ومدفون بها محمد بن أبي ذر الغفاري وعبدالرحمن بن أبي بكر وعدد من أبناء عمومة رسول الله والصحابية خولة بنت الأزور و70 صحابياً شهدوا غزوة بدر .

وكما يؤكد السلف الصالح فإن زيارة البهنسا استجابة للدعاء وخوض في الرحمة ، وخروج من الذنوب وذهاب للهموم وقضاء للحاجات ، الأهالي يعتقدون أن المبيت في خلوة « أبي سمرة « حفيد رسول الله يشفي الأمراض.. و"الدحرجة" عند أضرحة السبع بنات تجلب الرزق ، و " شجرة مريم " التى استظلت بها العذراء وابنها المسيح فى أثناء رحلة العائلة المقدسة ما زالت باقية ، ومسجد الحسن الصالح من أقدم مساجد مصر  .. وكانت كسوة الكعبة تأتي من البهنسا فى العصر الفاطمى .

مدينة البهنسا هي احدى اشهر المناطق الأثرية وتعد من أجمل القرى وهي مدينة اثرية عثر فيها على الكثير من البرديات التي ترجع الى العصر اليوناني الروماني، وعنها يقول المؤرخون العرب إنها كانت عند فتح مصر مدينة كبيرة حصينة الاسوار لها أربعة أبواب ولكل باب ثلاثة أبراج وانها كانت تضم الكثير من الكنائس والقصور، وقد ازدهرت في العصر الاسلامي وكانت تصنع بها أنواع فاخرة من النسيج المزخرف بالذهب، وتحتوي مدينة البهنسا على الآثار الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والاسلامية حتي آثار التاريخ الحديث متواجدة متمثلة في المباني والقصور التي يرجع عمرها الى أكثر من مائة عام.

كانت البهنسا قديما ذات أسوار عالية وحكمها حاكم روماني جبار يسمى البطليموس وكانت له فتاة ذات حسن وجمال ومن شدة جمالها أطلق عليها بهاء النساء ومن هنا سميت البلدة

بـ «البهنسا» ومن المعالم التاريخية الموجودة فيها شجرة مريم، وسميت كذلك لأنه يقال ان السيدة مريم جلست تحتها والسيد المسيح عليهما السلام، عندما كانا في رحلة الى صعيد مصر.

وقد شهدت البهنسا صفحات مجيدة من تاريخ الفتح الاسلامي لمصر، حيث يطلق عليها مدينة الشهداء لكثرة من استشهد فيها خلال الفتح الاسلامي، ففي عام 22 هجرية أرسل عمرو بن العاص جيشاً لفتح الصعيد بقيادة «قيس بن الحارث» وعندما وصل الى البهنسا، كانت ذات أسوار منيعة وأبواب حصينة، كما أن حاميتها الرومانية قاومت جيش المسلمين بشدة مما ادى الى سقوط عدد كبير من الشهداء المسلمين، وهو ما كان سببا في قدسية المدينة داخل نفوس اهلها الذين اطلقوا عليها «مدينة الشهداء» تبركا والتماسا للكرامات.

وفي البهنسا غرب بجوار مسجد «علي الجمام» تقع جبانة المسلمين التي يوجد فيها وحولها عدد كبير من القباب والأضرحة ، والتي تنسب للصحابة والتابعين والعلماء الذين زاروا المدينة ومقابر «مقامات» لشهداء الجيش الاسلامي الذين شاركوا في فتح مصر واستشهدوا على هذه الأرض خلال حملتهم في فتح الصعيد المصري ويفخر أهلها اليوم بهذه القرية لاحتواء ترابها على أجساد هؤلاء الشهداء من الصحابة بل والبدريين.

وقديما كانت البهنسا مليئة بالكنائس ولكن مع مرور الأيام تلاشت هذه الكنائس ولم يتبق منها سوى جدران خاوية ومن المعالم التاريخية الاسلامية مسجد القاضي علي الجمام وتحتوي القرية ايضاً على مسجد ومقام الحسن الصالح بن على زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أي حفيد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يعتبر من أقدم المساجد في القرية بل في مصر فهو أقدم من الأزهر الشريف إذ يزيد عمره على 1200 سنة.

وأهل الصعيد يعتبرون «البهنسا» أرضاً لا تأكل أجساد الموتي ..

ومعجزة قبة الدكروري يعجز الكل عن تفسيرها، هنا عاش الفراعنة واسسوا أعظم حضارات العالم ، ثم جاءاليونانيون والرومانيون  ، ومرت عليها رحلة العائلة المقدسة وتشرفت بقدوم سيدنا عيسي عليه السلام وأمه العذراء مريم وفي صحبتهم يوسف النجار ، كما عاش فيها سيدنا يوسف عليه السلام وأخوته ، ولأنها أرض مبروكة كما جاء في القرآن.. زادت قدسيتها بعد فتح مصر عندما استشهد علي ارضها 5 آلاف من كرام الصحابة والتابعين ، من بينهم  70 صحابياً حاربوا مع النبي عليه الصلاة والسلام في موقعة بدر الكبري ، ولذلك أطلق عليها الكثيرون  " بقيع مصر " نسبة إلي أرض البقيع بالمدينة تشبها بكثرة الصحابة المدفونين بها ، كلامنا عن قرية البهنسا التى تبعد عن القاهرة 200 كيلو متر وتقع بمركز بني مزار في محافظة المنيا.. والشرط الوحيد قبل دخول المكان هو أن " تخلع حذاءك " .. فأنت في أرض مباركة .

يقول سلامة زهران، مدير تفتيش الآثار الإسلامية بالبهنسا : معركة فتح البهنسا جعلت منها ملحمة شعبيها ترويها الأجيال حتى اليوم .. وكانت البهنسا حامية عسكرية رومانية قبيل الفتح الإسلامى ، وعندما انتهى سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه من فتح القاهرة والوجه البحرى وأراد السير إلى بلاد الصعيد أرسل إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. فأشار إليه بفتح مدينتين هما إهناسيا والبهنسا بشمال صعيد مصر لأنهما كانتا تضمان أهم معاقل الرومان ، وأرسل سيدنا عمرو بن العاص جيشا من المسلمين لفتح البهنسا بقيادة قيس بن الحارث في عام 22 هجرياً .

وضم هذا الجيش مجموعة من الصحابة ممن حاربوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوات عديدة مثل عبدالله بن عمرو بن العاص أمير الجيوش علي مصر وأخيه محمد وخالد بن الوليد وابنه سليمان وقيس بن هبيرة المرادي والمقداد بن الأسود الكندي وميسرة بن مسروق العبسي والزبير بن العوام الأسدي وابنه عبدالله وأبان بن عثمان بن عفان ويحي بن الحسن البصري وأبو ذر الغفاري وابنه محمد ،  وهذا الجيش عسكر فى قرية قبل البهنسا سميت بعد ذلك بقرية « القيس» نسبة لقائد الجيش ، ثم تبع قيس بن الحارث سيدنا عبد الله بن الزبير بن العوام ، وعبد الله بن الجموح ، وزياد بن أبى سفيان رضي الله عنهم ، وكانت معركة الفتح شديدة القسوة على جيوش المسلمين ، وسقط منهم شهداء كثيرون.

فى قلب البهنسا فى أوقات الصلاة يتزاحم المصلون على أبواب مسجد الحسن الصالح بن على بن زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه، حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هذا المسجد العامر يعد من أقدم المساجد التى أنشأت فى مصر،  عندما تدخل المسجد تشعر ان عجلة الزمن دارت للوراء لأكثر من ألف عام، حيث العمارة الإسلامية القديمة والأعمدة المثيرة للدهشة والتى تضم زخارف وتيجان فى غاية الروعة، هذا المسجد ترجع نشأته للعصر العباسى وتحديدا عام 323 هجرية وتم تجديده فى العصر الفاطمى، بعض الروايات الغربية تؤكد أن هذا المسجد بنى على أنقاض كنيسة قديمة تدل على ذلك الأعمدة التى يقام عليها المسجد .. لكن سلامة زهران ينفى هذه الرواية ويؤكد ان دراسات وأبحاث عديدة نفت صدق هذه الرواية كما أن الأقباط كانوا من اوائل الناس الذين دعموا الفتح الإسلامى ليتخلصوا من الاضطهاد الرومانى ، وبخلاف أضرحة أمراء الصحابة والتابعين .. توجد مأذنة مملوكية وموقعان لحفائر إسلامية وتلال أثرية  .

وعلى أطراف البهنسا تقع مجموعة أضرحة السبع بنات ، وهى تلك الأضرحة التى تدور حولها أساطير وملاحم شعبية وتراث تتذكره الأجيال .. هذا المكان يتحول إلى ما يشبه العيد القومى للبهنسا صبيحة كل يوم جمعة ، حيث يشهد توافد اعداد غفيرة من أهالى القرية والبلاد المجاورة للزيارة والتبرك، فى هذا المكان يتوجد 7 أضرحة متفرقة ولا يعلم أحد من رفات من التى تسكن هذه الأضرحة، لكنه اشتهر بالسبع بنات فقط ، وهناك روايات تؤكد إنهم سبع بنات قبطيات كن يمددن جيش المسلمين أثناء حصاره للمدينة بالمؤن والطعام فأدركهم جيش الرومان وطاردهم وأخذ يقتل فيهن وهن يركضن فكان كلما أدركوا واحدة منهن قتلوها حتي قتلوهن جميعا وأثناء المطاردة كانت دماء السبع بنات تنزف فاحمرت الأرض واخضبت بدمائهن ، وأصبح الناس يتبركون بهذه الأرض ويقتنون أحجار الشهيدات في منازلهن حتي اختفت الأحجار ذات الدماء من المنطقة ولم يتبق إلا تراب الأرض بلونه الداكن .

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل