المحتوى الرئيسى

«الغجرية ست جيرانها» | المصري اليوم

06/17 22:14

■ فى مثل هذا اليوم (١٨ يونيو ١٩٥٣)، تم إنهاء حكم أسرة «محمد على» وإعلان الجمهورية. كان ذلك بقرار أصدره مجلس قيادة الثورة، وقد نص فيه على تعيين اللواء محمد نجيب رئيسا للجمهورية ورئيسا للوزراء. ومع نهاية العام تم تعيين البكباشى جمال عبدالناصر نائبا لرئيس الوزراء. وبالتدريج تولى كل أعضاء مجلس قيادة الثورةـ ما عدا المبعدين- مناصب الوزارات المختلفة.. حتى وزارة الأوقاف. وظل الرجل الطيب ذو الشعبية الجارفة «اللواء محمد نجيب» رئيسا- صوريا- للجمهورية، حتى أزاحه «ناصر» ورفاقه مع منتصف نوفمبر من العام التالى، بعد تصاعد جماهيرية «ناصر» إثر نجاته من محاولة الإخوان لاغتياله فى ميدان المنشية بالإسكندرية (٢٦ أكتوبر ١٩٥٤).

■ بادئ ذى بدء، لا يمكن أن نتجاهل أن «الضباط الأحرار» حينما خططوا ونفذوا ما كان فى الثالث والعشرين من يوليو ١٩٥٢، كانوا حقا يغامرون بأرواحهم، فى سبيل ما اعتنقوا من أفكار نبيلة. وكان معظمهم فى مطلع الثلاثينيات من العمر.. حيث تتغلب العاطفة والحماس على التروى والتفكر. أما ما جرى من بعضهم، فيما بعد، بعد أن تمكنوا وهيمنوا واستقرت أمورهم، فلنا أن نتحفظ عليه تحفظا شديدا.. فقد كانت- ومازالت- آثاره الكارثية مهولة.

■ كانت جمهورية «ناصر» تسمى «جمهورية» مجازا. فواقع الأمر هى كانت أشبه ما يكون بالملكية المطلقة.. فالرئيس يملك ويحكم ويتحكم.. ويفعل ما بداله كما غنى له عبدالحليم «قول ما بدالك إحنا رجالك ودراعك اليمين». وهل كان «الملك فاروق» له من السلطة فى «مملكة مصر» عشر معشار ما كان لرئيس «جمهورية مصر».. ناصر؟

■ دأبت «جمهورية ناصر» على «شيطنة» كل ما كان قبل ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وكان «ناصر» يؤكد أن مجتمع ما قبل ٥٢، «كان مجتمع النصف فى المائة».. مجتمع طبقى لا يسمح بحياة كريمة إلا لنصف فى المائة فقط من الشعب. دونا عن 99.5% من الشعب. فإذا كان الأمر كذلك.. فكيف استطاع «ناصر» نفسه و«السادات» وغيرهما أن يلتحقوا بالكلية الحربية، على الرغم من أصولهم العائلية متواضعة الحال؟.. وكيف نسميه مجتمع «النصف فى المائة».. فى حين أن هذا المجتمع سمح لفتاة ريفية، فقيرة معدمة، ذات ذكاء وموهبة متفردة، أن تصبح «صاحبة العصمة» أم كلثوم؟.. مجتمع أتاح لفقير ضرير قادم من قرية نائية فى صعيد مصر، أن يتعلم أرقى تعليم فى مصر وفرنسا ويحصل على أعلى الشهادات العلمية، ويصبح وزيرا، بل ويحصل على «الباشوية»، هو الدكتور طه حسين باشا، وزير المعارف فى أواخر أيام مجتمع.. «النص فى المائة»!!. هذا الذى جلس يوما «الصاغ كمال الدين حسين»، على مقعده، وزيرا للتربية والتعليم، بعد زوال «العهد البائد»، عهد مجتمع «النص فى المائة».. وبزوغ «العهد الجديد» ومجتمع «تكافؤ الفرص.. فى الكذب والخداع والفساد».

■ لقد كان مجتمع ما قبل يوليو١٩٥٢ مجتمعا طبقيا حقا.. ولكن كان هناك هامش يتيح الفرص لمن يستحق، للحراك الاجتماعى Social Mobility وتحسين الأوضاع.. وهل ضاقت أو اختفت الفوارق بين الطبقات بعد ١٩٥٢، أم أن الأمر لا يعدو سوى تغير اسم ومهنة الطبقة التى تعتلى قمة الهرم الاجتماعى؟

■ شاءت الظروف أثناء زيارتى لبعض الأصدقاء أن أتابع «دردشة» تتناول الجزء الثانى من مسلسل «الجماعة»، ذلك الذى يتناول ضمن أحداثه علاقة ناصر بالإخوان، أو هكذا فهمت من النقاش (أو الصراخ). كان من العبث أن تخرج بشىء جديد أو مفيد من ذلك الشجار العبثى.. ويعلو الصراخ الهيستيرى، خاصة إذا تجرأ أحد وحاول ما قد يبدو انتقادا أو مساسا بالذات الناصرية ولو من خلال مسلسل درامى. فكل الحرية مباحة.. إلا فيما يتعلق بناصر والذين معه.

■ ما أكثر المحيطين بى من «الناصريين» من أقارب وأصدقاء أعزاء، ولذا أدرك أن الجحيم الممل بعينه أن تحاجج «ناصرى»، بل أستطيع القول باطمئنان إن بعضهم هو الأقرب شبها لروح التسلط والسلطوية الشمولية الإخوانية.

■ أكاد أجزم بأنه ليس لدينا- فى العقود الأخيرة على الأقل- مؤرخون يُعتد بهم ويُعتمد على نزاهتهم. وإنى لأشفق على الأجيال الجديدة، وألتمس لها العذر تماما، ولا أندهش من سطحية واضطراب وتشوه أفكارهم عن تاريخ مصر.. فأين هم مؤرخونا؟.. إنى التفت حولى فلا أجد سوى «نشطاء تاريخ».. الأستاذ الدكتور فلان الفلانى «ناشط تاريخى.. وفدى» أو الدكتور فلان «ناشط تاريخى ناصرى- فرع هيكل» أو «ناشط تاريخى ناصرى- فرع شرف»، أو الأستاذ الدكتور فلان، ناشط تاريخى إسلاموى، وفلان «ناشط تاريخى يسارى»... إلخ. وإننا لا ننكر على كاتب التاريخ أن تكون له انحيازاته الفكرية، ولكننا ننكر ونستنكر كتابة التاريخ من منطلق وموقع «الناشط» الغوغائى، المزيف للتاريخ، عبر الحذف والإضافة، وما أكثرهم.

■ «ناصر» المنادى بالوحدة العربية، تعامل مع جيرانه العرب من منطلق «الغجرية ست جيرانها».. ومازال الناصريون حتى اليوم يسيرون على هديه وهم نسخ باهتة منه.. يعتمدون «الفتونة» والترويع والصوت العالى منهجا.. ولطالما أهان «ناصر» حكام العرب فى خطاباته العلنية.. ملك الأردن.. (ابن زين.. طالع لجده).. ملك السعودية.. (حننتف له دقنه).. الرئيس بورقيبة... إلخ. ومعظم «الناشطين» العاملين بالتاريخ يرسمون صورة للزعيم تخفى جوانب مهمة من الحقيقة وهم بذلك يزيفون التاريخ عن عمد. (كل الاحترام والتقدير لناصر.. وإنما نضرب المثل لاختصار الشرح).

■ قبل هزيمة يونيو ٦٧ بأيام.. وفى أثناء مؤتمر صحفى، وجه أحد الصحفيين الإنجليز سؤالا لناصر، مستفسرا فيه ضمنا، عن حالة الرئيس الصحية، فرد «ناصر» وشمل رده قوله: «أنا مش خرع زى مستر إيدن». ويلاحظ أن «إيدن» رئيس وزراء بريطانيا الأسبق قد مات بعد رحيل «ناصر» بسبعة أعوام، وكان قد جاوز الثمانين من العمر، بينما مات عبدالناصر عن ٥٢ عاما.

■ الرد على «المعددين» لا يكون بحشد المزيد من «المطبلين».

■ «اللى حضّر العفريت الناصرى يصرفه»... اشربوا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل