المحتوى الرئيسى

الفريق «عزيز المصرى» «أبو الثوار»: «مهمة الباشا».. محاولة الألمان لتهريبه من مصر | المصري اليوم

06/17 21:13

محاولة تهريب عزيز المصرى من القاهرة بمساعدة الألمان خلال الحرب العالمية الثانية وبالتحديد فى مايو 1941، تتضمن فى تفاصيلها حبكة درامية وعسكرية ومخابراتية متكاملة. الروايات بشأنها متشعبة والخوض فيها يحتاج إلى مؤرخ مستقل والمتاح لى فيها شهادات من صاحبها- عزيز- عبر عدة تصريحات وحوارات صحفية. وكذلك ما قاله هو فى جلسات محاكمة فيما بعد ومعه عدد من السياسيين وأشهرهم- فيما بعد- أنور السادات. وسأحاول هنا نقل مجريات ما حدث معتمداً أكثر من مصدر.

وأبدا بأن عزيز المصرى بعد أن أعد خطته للهروب بمساعدة الألمان ورجالهم فى القاهرة، قام بخطة تمويه قوية مع الإنجليز- وهو العسكرى المخضرم- حتى تهدأ مراقبتهم له وكذلك مراقبة البوليس المصرى الذى كان قد فرض حظراً على سفره حتى لو كان لأداء فريضة الحج.

طلب «عزيز» مقابلة «البير جادير كلايتون» وذلك لأمر عاجل. أرسل له الإنجليز أحد العسكريين الأقل رتبة. قال له الكولونيل ثورنهيل إنه سيبلغ «كلايتون» وكذلك السفير البريطانى ما يريده. يقول عزيز «جلسنا فى بنسيون فينوار الذى كنت أقيم فيه بصفة مؤقتة قلت له: فكرتى ليست بسيطة، قد تبدو كذلك ولكن تنفيذها سوف يضع حداً للصراع المصرى الإنجليزى والصراع الإنجليزى العربى. وشرحت له مقصدى. فكرتى تقوم على أساس إيجاد نظام «الدومنيون» للشعوب العربية، نحن شعوب صغيرة، كل دولة مجموعة من ملايين البشر، ومصر بالذات أكثر عدداً من أى دولة عربية أخرى، وأى دولة عربية لا يمكن أن تعيش وحدها، ولا يمكن أن تدافع عن نفسها، والاحتلال يقهر النفوس، ويكلف الدولة المستعمرة والدولة المحتلة، لذلك فأنا أرى أن تنضم جميع الدول العربية بما فيها مصر إلى الجامعة البريطانية تحت نظام الدومنيون، وإذا كان الأمر سيصبح شاقًا فى البداية، فلنبدأ بالعراق، إننى على أتم الاستعداد للسفر إلى العراق.. وهناك شخصيات عربية وعسكرية على أتم الاستعداد للاقتناع بوجهة نظرى وأنا مستعد تمامًا للقيام بدور الوسيط فى هذا الموضوع الهام، وهذه الشخصيات يمكن الاتصال بها وكذلك الالتقاء بها.

وقال لى إن دوره هو نقل هذه الأفكار إلى كلايتون وسوف يحاط بها علمًا السفير الإنجليزى. ولقد قصدت عند وداع الكولونيل ثورنهيل أن أوصله حتى باب البنسيون حتى يرانى بوضوح رجال القلم السياسى لأننى فى الأصل شخصية غير مرغوب فيها عند الإنجليز.

يقول عزيز المصرى لمحمد عبدالحميد: «تلك هى حكايتى مع الكولونيل ثورنهيل وأنا مازلت على يقين كامل أن هذا اللقاء ضاعف إلى حد كبير من حدة رقابتى من الجانبين، القلم السياسى والمخابرات الإنجليزية. أما خطتى الكبيرة فى المغادرة، فكانت مختمرة فى رأسى، وشاء القدر ألا تنجح المحاولة الأولى وأيضًا المحاولة الثانية، ولا أدرى هل هو حظى العاثر أم أن ذلك قدرى، ولطالما سألت نفسى: يا ترى ماذا كان يمكن أن يحدث لو أننى تركت مصر ونجحت فى الخروج، ثم قابلت روميل، ثم تقابلت مع هتلر. إن الإنسان المؤمن عليه أن يسعى، وعلى الله سبحانه وتعالى التوكل.

كنت أعرف رجالاً من أعوان الألمان فى القاهرة، كان كل شىء يتم بحساب ودقة.

كنت أعتمد عليه فى معرفة جميع أخبار الألمان وكذلك عقد الترتيبات لمغادرتى الأولى والثانية. كان هناك حلقة اتصال سرية أخرى بينى وبين الألمان وبالذات روميل يقوم بها هوارد وكان من رجال السلك الدبلوماسى فى المفوضية السويدية بالقاهرة، وكان فى نفس الوقت من القائمين على رعاية المصالح الألمانية فى مصر بعد إغلاق السفارة بأمر الإنجليز. وضعت خطة للمغادرة الأولى بالمعاونة الكاملة من جانب هوارد، وقد عجلنا بتنفيذها بعد أن ذهبت إلى الجهات المختصة للسماح بسفرى، وتجاوز الأمر الرفض من الإنجليز والبوليس المصرى إلى سحب جواز سفرى.. كانت وجهتى فى البداية- إذا تمت الموافقة على السفر- الذهاب إلى بيروت ثم التوجه إلى قيادة روميل، ولما منعت من السفر وضع روميل خطة لاختطافى كانت الخطة محكمة تمامًا، ولكن شاء القدر أن يكتب لها الفشل».

وسأنقل روايتين هنا لمحاولة الهروب الأولى، أولهما كتبها د. محمد عبدالرحمن برج فى كتابه «عزيز المصرى والحركة الوطنية» وذلك نقلاً عن كتاب ألمانى بعنوان «ثعلب الصحراء» والرواية الثانية كما حكاها «عزيز» بنفسه لمحمد عبدالحميد.

فى رواية برج أن أحد ضباط المخابرات الألمانية وضع خطة جريئة بمعاونة أحد الضباط القدامى من الجيش المجرى النمساوى وهو النقيب لاسيزلو فون المازى وكان خبيراً بالصحراء. وكان يعمل رسامًا لسنين عدة فى خدمة الجمعية الجغرافية للحكومة المصرية. وقد طار فوق الصحراء، وكان له أصدقاء فى القاهرة. وقد كسبت المخابرات الألمانية المازى إلى جانبها، وعين نقيبًا فى سلاح الطيران الألمانى، وكان أول اقتراح له سنة 1940 هو تجديد الاتصال مع الفريق عزيز المصرى رئيس أركان الجيش المصرى السابق الذى يميل الآن إلى الألمان وقد فصله البريطانيون من منصبه. أخرج من السياق لأقول إن المازى أو «الكونت المازى» له إسهامات كثيرة فى اكتشاف الصحراء الغربية وكهوفها ووديانها، ومازال جزء من متعلقاته الشخصية على حدود هضبة الجلف الكبير وقد شاهدتها بنفسى قبل عشر سنوات فقط، وله مغامرات شهيرة مع الألمان والإنجليز وتحولت قصته إلى رواية ثم فيلم شهير وهو «المريض البريطانى» كما أن مطار «الماظة» يحمل اسمه.

فى مقر قيادة الأميرال كناريس فى برلين، دهشوا عندما اقترح ضابط الطيران وعميل المخابرات الألمانية الرائد نيكولاس ريتز إحضار الفريق عزيز المصرى باشا إلى ألمانيا ولو لزم الأمر اختطافه. اعتقد كنارى سان الفكرة خيالية ومجنونة، ولكنه وافق عندما رأى فى الخطة تنفيذ رغباته فأصر على تنفيذها وسميت باسم «خطة المصرى» على أن يتم تنفيذها فى غضون ثلاثة أسابيع.

كون ريتز جماعة فدائيين من رجال الأسطول الجوى العاشر الألمانى. واتصل بالسفير الهنغارى فى القاهرة الذى كان موجوداً فى بودابست. لم يطلع ريتز هذا السفير على الخطة على الفور، بل طلب منه أن يسهل لهم الاتصال بـ «المصرى» وأنهم فى حاجة إلى وضع جهاز إرسال فى القاهرة ليبلغهم الطقس هناك. أبدى السفير استعداده للمساعدة، وزاد الرائد ريتز عدد الفدائيين إلى عشرة بمن فيهم المازى. ومن بودابست إلى القاهرة، تم نقل جهاز الإرسال فى حقيبة دبلوماسية وأحضره سالمًا إلى القاهرة. وتلقى السفير تحذيرات من وضع جهاز إرسال فى دار السفارة فأعطاه لقسيس نمساوى فى خدمة المخابرات المجرية. اختار القسيس مكانًا آمنًا للجهاز- لا يتخيله إنسان، وكان ذلك أسفل الهيكل فى كنيسة سانت تريزا فى القاهرة.. وأصبح السفير وعامل اللاسلكى من الزوار المستديمين للكنيسة لأنهما فى مكان غير مشتبه فيه.

بعد اتصال الألمان بعزيز عن طريق عملائهم، اقترح «المصرى» أن تلتقطه غواصة ألمانية من بحيرة البرلس وسط دلتا النيل، لكن كان اقتراحا غير عملى. تقرر أن تقوم طائرة ألمانية بنقله من نقطة متفق عليها فى الصحراء لا تبعد كثيراً عن القاهرة. بعد الاستيلاء على جزيرة كريت فى مايو 1941، أمكن الحصول على طائرتين من طراز هينكل 3 من الأسطول الجوى العاشر لتنفيذ «مهمة الباشا» أما المازى الذى كان يعرف الصحراء، فقد اختار نقطة المقابلة بجوار الجبل الأحمر على طريق الواحات. كان فى استطاعة الباشا أن يصل إلى هذا المكان بالسيارة فى بضع ساعات قبل الغروب، وأن يرفع علمًا يبين اتجاه الريح ثم تهبط طائرة من طراز هينكل 3 الخاصة بـ«ريتز» بينما تبقى الطائرة الثانية فى الجو للحراسة.

كانت الطائرتان على استعداد للإقلاع لكن وصلت برقية من كنيسة سانت تريزا بأن سيارة الباشا تعطلت ولا يمكنها الوصول، وأنه سيكون جاهزاً للطيران يوم السبت 7 يونيو 1941، وقاد النقيب هوللر طائرة الحراسة ومعه الرائد ريتز. وكان قائد الطائرة الثانية فون المازى الذى كان عليه أن يلتقط «المصرى» وكلتا الطائرتين كانت تحمل شارة التمييز الألمانية. وصلت الطائرتان فى الساعة الرابعة فى المكان المتفق عليه، ولكنهم لم تجدوا شيئًا.. هبط المازى إلى مكان مخصص فوق الطريق فى اتجاه القاهرة لكى يتأكد أن المصرى فى طريقه إلى المكان المتفق عليه، لكنه لم يشاهد شيئًا. بعد خمس عشرة دقيقة من الطيران عاد الطيار بطائرته بعد أن رأى مآذن القاهرة فى ضوء شمس الغروب.

صباح اليوم التالى، أرسل جهاز إرسال كنيسة سانت تريزا رسالة: من المحتمل أن يكون قد قبض على الباشا. الخيانة متوقعة، ويخشى أن يكون جهاز الإرسال مرصودا.. وموقعنا فى خطر ولذلك سوف نقطع الاتصال.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل