المحتوى الرئيسى

عن عودة خطاب التخوين | المصري اليوم

06/16 21:53

تجنبت الحديث عن موضوع جزيرتى خليج تيران وإمكانية تسليمهما للمملكة السعودية، لأنى لست خبيرا فى شؤون ترسيم الحدود، ولأن الحديث عن الموضوع صار مشحونا، لدرجة أن أناسا ليس لهم خبرة فى مثل هذه الأشياء أكثر منى بكثير لم يترددوا فى توزيع اتهامات الخيانة والعمالة المعهودة فى الخطاب العربى منذ أن وعى على العالم معظم من هم على قيد الحياة حاليا.

الخطاب المشحون اتسم، كالعادة، بالفقر المنطقى والمعلوماتى. مثلا، لاحظ البعض أن السبب المباشر لحرب 1967 كان إغلاق المضيق والتمسك بالسيادة المصرية عليه.. وهذا صحيح بالطبع، لكن من المرجح أن النتيجة كانت ستكون هى نفسها، بكل خسائرها وشهدائها، لو كانت الجزيرتان تابعتين للسعودية، فالحرب نشبت فى ظل مناخ العروبة الزاعق المشحون، والقوات المصرية خاضتها تحت لقب «الجيش العربى»، وفى ظل مثل هذا المناخ من الصعب تصور أن السعودية كانت ستمانع فى المشاركة فى غلق المضيق أو أن قيادة «الجمهورية العربية المتحدة» كانت ستمتنع عن الطلب. ربما فقط كانت السعودية ستتعرض للعدوان هى الأخرى، وربما حتى احتلال أراضيها.

المزايدة فى العروبة وخطاب التخوين المصاحب شكلا أعمق أسباب الحرب.. معظم التحليلات ترجع بدء الأزمة إلى المعلومات (الخاطئة) عن حشود إسرائيلية على الجبهة السورية، وليس لأى شىء حدث على الجبهة المصرية. لكن حتى قبل أن يروج السوفييت تلك المعلومات ساد مناخ مشبع بالاتهامات المتبادلة بين النظام المصرى والأنظمة الملكية، خاصة المملكة الأردنية التى كانت تذيع للشعب المصرى اتهاماتها لنظامه فيما يتعلق بمسألة مرور السفن الإسرائيلية فى مضيق تيران- والذى كانت القيادة المصرية قد أخفتها عن الناس بعد حرب 1956- وأيضا عن عدم مساندة السوريين.. ومن الممكن مراجعة خطاب عبدالناصر فى 1 مايو 1967 لتخيل الأجواء السائدة آنذاك.

شكلت تلك الأجواء ضغطا هائلا على النظام المصرى للتصعيد فى سبيل صد الاتهامات بالضعف والخنوع. العرب لم يدخلوا الحرب فى سبيل الجزيرتين أو المضيق أو الأرض أو حتى القدس، إنما انزلقوا إليها دون استعداد، فخسروا الكثير لأن الخطاب السائد لم يسمح بغير ذلك. خطاب التخوين لم يؤد فقط إلى خسارة الجزيرتين، إنما أيضا لكل سيناء وغزة والجولان، بالإضافة للضفة الغربية والقدس، التى خسرها العرب لأن الملك حسين دخل الحرب فى النهاية رعبا من المزايدات.. وكذلك كان سيكون الحال مع السعودية إن طلب منها التعاون فى غلق المضيق.

إذا كان الحال كذلك، فلماذا إعادة إحياء هذا الخطاب الآن، ومن قِبل قوى سياسية فى مجملها منتقدة للأوضاع التى سادت فى عهد «النكسة»؟ لماذا أدمنوا استرجاع أسلوبها؟ بل لماذا خاصة أن نفس الخطاب الزاعق المتضارب مع عدم دراسة البديل وسرد سبيل بدقة وجدية هو الذى آل بنا لكوارث متكررة خلال السنوات الست الماضية.. ومن ضمن هذه الكوارث كان انهيارا اقتصاديا مدقعا ربما يتطلب تقديم تنازلات لمن أنقذنا جزئيا منه؟

يبدو أن البعض لم يتعلم شيئا، فيتمادى فى تصويب الإحساس بالإهانة وغضبه تجاه الأوضاع السائدة عن طريق نفس نوعية الطقوس الجماعية المؤسسة لخطاب زاعق مهووس بلغة المحرمات ومعصيات «التابو»، التى تلهى بالكامل عن الإطار الأكبر للأوضاع. كان من الأولى توظيف الغضب فى نقد السياسات الاقتصادية مثلا، فهى الأخطر، بدلا من الضغط نحو الاندفاع التلقائى غير المحسوب.

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل