المحتوى الرئيسى

هل يتخلص المصريون من شبح الثانوية العامة؟ | المصري اليوم

06/14 23:56

بالأمس.. قرأت خبرا يؤكد انتحار شاب في الثانوية العامة لصعوبة الامتحانات.. واليوم تكررت المأساة.. انتحرت فتاة بعد أن ألقت بنفسها في بحر شبين بالمنوفية.. بسبب صعوبة الفيزياء، وغدا ستتكرر مأساة أخرى لنفس السبب.. لو فكر هؤلاء قليلا لما اغتالوا أنفسهم بسبب شبح واهٍ، ولكنهم ليسوا هم الملومين، اللوم لسياسات الدولة التي حولت هذا العام من العمر الذي يفترض أن يكون زهرة إلى كابوس مميت يغتال به المرء نفسه دون أدنى تفكير.. لا أحد منا ينسى ذكريات هذا العام مهما تواترت عليه أعوام قد تكون الأصعب منه.. إلا أن مرارة هذا العام التي ارتسمت بالرعب، وحفرت بالألم في مشاهد دراماتيكية لا تنسى.

كانت السياسة التي أعلن عنها د. طارق شوقي وزير التربية والتعليم مؤخرا.. نقطة نور في محيط الظلام الشاسع، وبادرة أمل في أجواء اليأس والموت والانتحار، رغم أن السياسة التي تم الإعلان عنها لم تكن تفصيلية ولم تجب عن تساؤلات فرضت نفسها وطرحت مئات من علامات الاستفهام، إلا أنني أجد لدي الإصرار على التمسك بجرعة التفاؤل التي بثت بعقلي بعد أن قرأت عن تفاصيل النظام الجديد للثانوية العامة، الذي ربما ينقذ عشرات الطلبة الذين صعب عليهم الطموح وعجزت إراداتهم عن تحمل ويلات السقوط في الهاوية التي صنعتها أشباح الثانوية العامة.

أتخيل الآن طالب الثانوية العامة الذي أصبح البطل الأول في العملية التعليمية، الذي يحدد المحتوى العلمي الذي يدرسه.. والمنهج العلمي لجمع المادة، والمراجع والمواقع التي يستعين بها، وبنك المعرفة الذي ينهل منه بالبحث والجمع والمراجعة، أتخيل الطلبة في طريقهم إلى مدارسهم دون حقائب تحني الظهور، ومناهج لا تقدم ولا تؤخر، ولا تفيد بل تصرف الطلبة عن العلم، أتخيل نهاية العام دون رعب وفزع الطلبة وأولياء الأمور من نتيجة الثانوية التي ستحدد مصير أبنائهم، ودون وجود لمكتب التنسيق الذي يرسم لهم المستقبل الذي لا يحلمون به، أعتقد أن الطالب بالنظام الجديد يستطيع أن يحدد دوره القادم في المجتمع، بعد أن شعر بأهمية وجوده، فهو شخص فاعل الآن، له دور، المجتمع يعتمد عليه، ويترك له حرية البحث، واختيار المنهج العلمي الذي يشعر بشغف لدراسته.

يبدو أن الوزير استطاع أن يضع يده على بيت الداء، فالبحث هو الشغف الحقيقي للشباب، والاعتماد في النظام الجديد على بنك المعرفة، وليس المناهج العقيمة المعدة مسبقا بطريقة لا تتناسب مع أفكار الشباب وتطلعاتهم، وقدراتهم في البحث والتعامل مع تكنولوجيا العصر.

كنت أجد صعوبة شديدة في الحوار والرد على تساؤلات ابني ذي الرابعة عشرة.. حين يسألني ما جدوى دراسة مادة وحفظ معلومات لست معنيا بها، ولن أنوي استكمال دراستي فيها؟ ما جدوى حفظ مئات الأرقام في التاريخ والجغرافيا على سبيل المثال وأنا لا أنوي دراسة التاريخ والجغرافيا بعد الثانوية العامة؟ لماذا لا يتم تكثيف المواد التي أهوى دراستها، والاكتفاء بمعلومات هامة في المواد الأخرى بهدف المعرفة؟ كنت أجيبه إجابات ليست شافية، مثل من ليس له ماض ليس له مستقبل ولابد أن تعرف تاريخك حتى تستطيع أن تحدد مستقبلك، ولكني كنت أجد لديه ردودا أقوى، فمن يرد المعرفة ينهل منها وقتما أراد، لو فرضت عليه يزهد فيها، كنت أجد منطقا أقوى، ولكن لم يكن أمامي سوى أن أتمسك بالمنطق الأضعف حتى أجبره على الاستمرار في دراسة ما لا يحب.

مناقشات الأساتذة مع الطلاب وأولياء الأمور تؤكد رفضهم للنظام الجديد، وهو طبيعي، المدرس هو المتضرر الأول لأنه سوف يقضي على سبوبة الدروس الخصوصية، التي كان يعيش عليها ويبني عليها طموحاته وأحلامه في امتلاك فيلا التجمع وقطعة الأرض والمشروع والسيارة وغيرها من الأحلام التي تتحقق بدماء أولياء الأمور الذين لم يجدوا بدائل حقيقية لدى الدولة التي أهملت التعليم على مدى سنوات طويلة، النظام الذي طرحه د.طارق شوقي وزير التعليم ربما يكون هو الحل الحقيقي والعملي لمشكلات التعليم مرحليا، ولكنه إن لم يجب على مئات علامات الاستفهام المطروحة لن يجدي ولن يغير وضعا قائما.. أول هذه التساؤلات، كيف سيعوض المدرس عن خسارته الكبيرة في الدروس الخصوصية؟

سألت معلما ذات يوم: هل يستغني الطالب بالنظام الجديد عن الدروس الخصوصية؟ كانت إجابته صادمة.. بـ لا.. واستطرد أن المعلم المصري سوف يبتكر طرقا يجبر بها الطالب على الدروس الخصوصية، هل وضع د. طارق شوقي ذلك في حساباته؟ كنت أتمنى أن يقام على النظام الجديد حوار مجتمعي يضم النخبة والمعلمين والإعلاميين وخبراء التعليم والمختصين، لمناقشة النظام والإجابة عن التساؤلات المطروحة.. وعلى قائمة تلك التساؤلات، هل تكفي الفترة المتبقية والتي لن تتجاوز شهرا بعد انتهاء امتحانات الثانوية الحالية وإجازة الأعياد لتدريب المعلمين عن النظام الجديد؟ وما هو منهج التدريب؟ ومن الخبراء الذين سيؤدون مهمة التدريب؟ وهل روعي في مناهج التدريب الحالة النفسية وحالة الارتباك التي يعاني منها المعلم بسبب فقدان سبوبة الدروس الخصوصية؟ هل من خبراء التدريب خبير مسؤول عن عملية تطوير الشخصية واستحداث أيديولوجيات جديدة تبث في المعلم روحا جديدة وأفكارا تصب في اتجاه المصلحة العامة؟ هل سيتم توجيه المليارات التي كانت تنفق على طباعة الكتب لتحسين أوضاع المعلم والعملية التعليمية؟ وماذا عن الطلبة؟ إذا استطاع طلاب المدن الكبرى استيعاب النظام الجديد ووجدوا الإمكانيات التي تيسر عليهم الحصول على المعلومة، هل يجد طلاب الأقاليم والقرى والنجوع نفس الإمكانيات؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل