المحتوى الرئيسى

محمد عدلي يكتب: “الجماعة 2”.. الفرق بين الدراما وتوثيق التاريخ

06/14 10:07

عادة، ما يثير العمل الدرامي الذي يتناول حقبة تاريخية ما غضب بعض المنتمين لتيار معين، لكن أن يثير هذا العمل حفيظة تيارات متعارضة وغير متفقة في رأيها، هو الغريب في مسلسل الجماعة الجزء الثاني، مسلسل “الجماعة” الذي تم عرض جزئه الأول في 2010 قبل ثورة يناير، مجرد سرد لبدايات الجماعة وحياة حسن البنا ونجاحه في تكوين عدد من المؤمنين بفكرة، ليعود لنا مرة أخرى الكاتب وحيد حامد بالجزء الثاني في 2017 وبعد ثورة يناير العظيمة وبعد عام كامل من حكم الجماعة وسقوطها وتولي نظام آخر وحدوث تغييرات سياسية كبيرة، قرر حامد أن يقدم لنا الوقائع التاريخية ولكن من وجهة نظره! وهنا يأتي السؤال هل الأحداث تكتب بحيادية فعلا أم أن كل فئة ترى الواقعة التاريخية حسب انتمائها؟

تقييم أداء الممثلين أو شكل الصورة وقدرات المخرج ليس الأهم في هذا المسلسل، أعتقد أن الأهم هو رصد بعض الوقائع المختلف عليها.

المسلسل يناقش تاريخ الجماعة وعلاقاتها بالملك والضباط الأحرار، يعرض وقائع تاريخية تهلل لها فئة ما والعنها فئة أخرى وترى الكاتب منحازا ومحرّفا للتاريخ.

يبدأ المسلسل بمقتل حسن البنا ثم يبدأ في التعرض لشخصيات الجماعة من بعده أهمهم زينب الغزالي وسيد قطب.

تسرد الحلقات الأولى كيفية دخول زينب للجماعة ولقائها بحسن البنا.

أما سيد قطب فقدمه وحيد حامد على أنه كان يريد أن يكون كاتبا كبيرا مؤثرا في المصريين بشكل عام وقد وجد ضالاته في الإخوان المسلمين على الرغم من تقربه من الضباط الأحرار، وهو ما رفضه الإخوان أو جزء منهم جملة وتفصيلا، في حين أن المسلسل قدم أيضا تأثر عبد الناصر بأفكار سيد قطب وولعه بكتاباته، وهو أيضا ما رفضه الناصريين تماما، لم يتفق أبدا الإخوان والناصريين سوى على رفض ما كتبه وحيد حامد!

قدم حامد أيضا الجماعة على أنها جماعة سياسية، تفرض شروطها وتقدم أحيانا تنازلات للسلطة، ليست جماعة دينية فقط، وهو ما كان يمثل أزمة للملك فاروق الذي حاول أن يستغلهم أحيانا في معركته ضد حزب الوفد حتى الانتخابات وفوز حزب الوفد بمصطفى النحاس رئيسا للوزراء، قدم المسلسل واقعة تاريخية مختلف عليها أغضبت الوفديين المعاصرين ومجلس النواب الحالي وهي تقبيل مصطفى النحاس يد الملك فاروق في بداية تشكيله للوزارة، حزب الوفد ينفي تماما الواقعة كما طالب مجلس النواب بوقف عرض المسلسل بينما يؤكدها بعض المؤرخين ويصمم عليها وحيد حامد، وهو ما يؤكد أن التاريخ يكتب بأكثر من رأي وأحيانا تسيطر عليه الميول السياسية.

قدم المسلسل شخصية سيد قطب بطريقة متناقضة إلى حد بعيد، حماسه لثورة 52 وعلاقته بجمال عبد الناصر وآرائه بعدها ورأيه في أم كلثوم والفن في هذه الفترة، كلها آراء عرضها المسلسل لشخص يمثل فكره عمودا أساسيا في فكر الجماعة، كما رصد المسلسل الخلافات داخل الجماعة الممثلة في صراع عرف باسم “الصقور والحمائم” بين تيار عبد الرحمن السندي المعروف باسم الصقور وهو تيار إصلاحي مؤمن بالبعد عن العنف وتيار حسن الهضيبي المرشد الثاني في تاريخ الجماعة المعروف باسم الحمائم والذي يلجأ للعنف، وهو ما لا تتقبله الجماعة أيضا والتي تعتبر أي خلاف داخلي من شأن الجماعة فقط بالإضافة لميولهم لتقديس الرموز والتأكيد على أنها منزهة من الخطأ، وما رفضه أيضا تم عرضه أن ناصر كان في التنظيم الخاص للجماعة وبايع عبد الرحمن السندي وقتها.

عُرض من المسلسل حتى الآن أكثر من نصفه، أحداثه مرت بلقاء الشيخ أحمد حسن الباقوري بحسن الهضيبي ورصد اللقاء أمنيا واستشارات ناصر لسيد قطب -على الأقل من وجهة نظر وحيد حامد- وعدم ارتياح عبد الحكيم عامر لقطب ومحاولته نصيحة ناصر ثم ثورة 52 وتولي محمد نجيب رئاسة مصر وسيطرة الضباط الأحرار على مقاليد الحكم في البلاد، التحول في العلاقة بين الضباط الأحرار والجماعة، واتصالات الإخوان بالسفير الأمريكي في القاهرة والاتفاق على التخلص من عبد الناصر ومن معه مقابل الموافقة على أية شروط بما فيها الصلح مع إسرائيل وقتها، وصولا إلى حادث المنشية الذي يعتبر فارقا في التاريخ وفي الأحداث.

يرصد المسلسل حادث المنشية الفاشل وتآمر الجماعة للتخلص من جمال عبد الناصر رئيس الوزراء وقتها وهو الرجل الأول في تنظيم الضباط الأحرار.

أحداث المسلسل تؤكد تواصل الإخوان مع محمد نجيب رئيس البلاد وقتها والذي كان يبارك التخلص من عبد الناصر وهنا قد استند الكاتب على مراجع ضعيفة في إثبات صحة التواصل بين نجيب والإخوان للتخلص من ناصر، تآمر نجيب غير مؤكد ولكن تدبير الإخوان للحادثة معروف للجميع.

استند الكاتب لقصص ومراجع تنفيها مراجع أخرى تقول إن ناصر نفسه هو من دبر الحادثة لزيادة شعبيته والتخلص من نجيب والانفراد بالحكم، لماذا ترك حامد مثلا هذه الاحتمالية وتمسك بالأولى؟ لا يعلم ذلك إلا هو!

يقول كاتب الجماعة إنه استند لأكثر من خمسين مرجعا لكتابة المسلسل، ومع ذلك نجد خلافات جذرية في سرد وقائع عديدة بين الوفديين والناصريين وحتى الإخوان.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل