المحتوى الرئيسى

«القرصاية».. مُلاك بعقود «إصلاح زراعى» منذ ثورة «23 يوليو»

06/14 10:03

فى مركب خشبى متهالك، يتحرك بقوة السحب بواسطة سلسلة حديدية ضخمة، هكذا وعبر هذه الوسيلة غير الآمنة يمكن التنقل إلى البقعة الدائرية التى تكسوها الخضرة وسط النيل، المعروفة بجزيرة «القرصاية»، وهو الاسم الذى اشتهرت به من قديم الأزل، نظراً لأنها كانت تظهر للصيادين بعد الفيضان قديماً، فى شكل قرص دائرى يتوسط مياه النهر، لتلك الجزيرة التى تسمى رسمياً «عزبة يعقوب صبرى»، التابعة لمحافظة الجيزة. «القرصاية» واحدة من تلك الجزر التى أشار إليها الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال احتفالية إزالة التعديات على أراضى الدولة، حيث قال «إن هناك جزراً فى النيل غير مسموح بوجود أحد عليها»، وشدد على أولوية التعامل مع الجزر النيلية. «الوطن» زارت القرصاية، لرصد موقف الأهالى من رغبة الدولة فى إخلائها وغيرها من السكان.

خلال الرحلة إلى البر الثانى من النهر كانت أحاديث الركاب تختلط بصوت السلسلة الحديدية التى تجر المركب، الأهالى تحدثوا عن كثرة حوادث غرق شباب الجزيرة، وآخرها غرق شاب اختفى فى الماء قبل أيام وما زال البحث عن جثته مستمراً.

«حنفى»: دى أرضنا واحنا مش معتدين عليها أو واضعى يد.. ولدينا عقود رسمية منذ 1986.. و«سيف»: إحنا زى السمك لو طلعنا من الجزيرة نموت

فى منزل تحيطه حديقة خضراء، يعيش عمر حنفى، هنا أيضاً مسقط رأسه، حيث ينتمى لواحدة من أقدم عائلات الجزيرة، والده كان فلاحاً أجيراً لدى عبدالمجيد رضوان «باشا» كما يلقبه، أحد إقطاعيى العصر الملكى، قبل أن تزيحه ثورة 23 يوليو من على سطح الجزيرة وتمنح الأراضى لوالده و6 عائلات أخرى ضمن مشروع الإصلاح الزراعى.

يمسك بيمينه عصا خشبية يتوكأ عليها، وينظر إلى تلك الخضرة الممتدة أمام منزله، ويقول إنه يعيش على خير تلك الأراضى الزراعية وإنهم عانوا الأمرين لتكون الجزيرة على شكلها الحالى، ويتذكر الرجل حينما كانوا يعيشون فى أعشاش، ومياه الفيضان تغمر منازلهم، ولا يبقى الفيضان من الجزيرة إلا عشرات الأمتار يحتمون فيها، حتى بُنى السد العالى، وما تلاه من أحداث، ويضيف: «أول مرة نعرف شكل بيت بحيطان تسترنا كان عام 1968»، حيث استطاع والده أن يقيم جدراناً بالطوب اللبن لمنزلهم القديم على الجزيرة.

كان يعيش على الجزيرة وقتها، حسب رواية الأهالى، 8 أسر 6 أسر مسلمة وأسرتان مسيحيتان، وكان أهلها يعدون على أصابع اليد الواحدة، ولكن مع مرور الوقت أصبحت تضج بالبشر ووصل عدد قاطنيها إلى 3400 نسمة، حسب آخر إحصاء.

استمع «حنفى» لكلمات الرئيس «السيسى»، عن نقل أهالى الجزر النيلية، وأن بعض الجزر غير مسموح بالعيش عليها، مشيراً إلى أنهم ليسوا معتدين على الأراضى أو واضعى يد، بل يمتلكونها بعقود رسمية حصلوا عليها من الإصلاح الزراعى، وأن وجودهم منذ مئات السنين: «أنا مش مغتصب الأرض.. دى أرضى».

«حنفى» يشير بأصابعه لبعض المبانى التى استغل أصحابها غياب الدولة، وردموا أجزاء من النيل وبنوا فوقها على أطراف الجزيرة وليسوا من أهلها القدامى، ويقول «أهل الجزيرة الأصليون هم من يعيشون عليها ويمتلكون أرضها، وهم لهم وضع خاص»، ويوضح أن هناك تعديات على مرأى ومسمع من مسئولى الدولة من الحى والشرطة، وإن كان هناك من يقوم بالصرف الصحى على النيل، وعلى الحكومة الحفاظ على الجزيرة والنيل، وتقف فى وجه هذا التعدى.

محمد سيد، أحد أهالى الجزيرة، يؤكد أن أكل عيش الأهالى هناك مرتبط ببقائهم فيها، فأكثر من 50% من السكان يعملون بالزراعة و40% منهم يعملون فى صيد السمك وبيعه من النهر، ومن يعملون فى مهن أخرى خارج الجزيرة لا يتعدون 10%، وأن النقل قادر على قطع عيش الكثيرين من أهلها، ويقول: «ده شىء مستحيل»، لافتاً إلى أن الدولة حاولت أكثر من مرة نقل أهل الجزيرة وفشلت فى ذلك، بسبب تمسك أهل الجزيرة بأرضهم.

إلى جوار منزله المطل على النهر، جلس «خالد سيف» على أريكة خشبية متهالكة، بوجه أسمر ملىء بالنتوءات السوداء، يقول إنه من أول المقيمين فى الجزيرة، وإنه شاهد على كثير من محاولة الاستيلاء على الجزيرة، كما يشير إلى محافظ الجيزة الأسبق الذى حاول بقوة من الشرطة طرد الأهالى ولكنهم صمدوا ورفضوا الخروج من الجزيرة.

يقول «سيف» إن الجزيرة كانت مطمعاً بسبب موقعها المتميز فى وسط العاصمة، بجانب جوها الريفى ومزارعها، ويستطرد: «إحنا هنا زى السمك لو طلع من الميه يموت.. أموت فى مكانى ومطلعش من الجزيرة»، يقول «سيف»، ويتساءل: «أنا عندى هنا 4 بيوت فاتح فى واحد بقالة والتانى فرن.. هيودينى فين وهيعوضنى إزاى وعن إيه؟ أكل عيشى اللى هيتقطع ولا البيتين».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل