المحتوى الرئيسى

الخطأ «القاتل» لوحيد حامد!

06/13 22:20

حتى لا يساء الظن أو الفهم، فكاتب هذه السطور أول بل وأكثر من أيدوا مسلسل الجماعة للكاتب الكبير وحيد حامد، وندعو الله ونحن نكتب هذه السطور بعد الحلقة السادسة عشرة أن يكتمل المسلسل إلى آخر حلقاته كما تصورنا وكما توقعنا، وأن يكون كاتبنا الكبير عند حسن الظن به.. إنما، ومع ذلك، تظل نقطة جوهرية فى العمل كله لا أعرف كيف غابت عن مؤلفه وكل المشاركين فى صناعته، حتى إن هذه النقطة الجوهرية كادت أن «تقتل» المسلسل فى نصفه الأول لولا حالة الحشد الشعبى والعاطفى ضد الإخوان، إذ لعب ذلك وحده دوره فى صمود العمل ومتابعة الناس له!

نقفز إلى قلب الموضوع ونقول إن المسلسل تناول تفاصيل الصراع بين الإخوان وثورة يوليو ممثلة فى مجلس قيادتها ولم ينقل لا بالإشارة ولا بالتفاصيل حال المصريين وموقفهم الحقيقى مما يحدث. ولكى ننقل رأى المصريين وموقفهم وانحيازاتهم أو احتمالات انحيازاتهم لأطراف الصراع كان ينبغى نقل التغير الذى جرى لهم حتى حادث المنشية الذى كان ذروة الصراع، أى بعد مرور عامين على الثورة، وخلالهما تغيرت الحياة فى مصر بشكل شبه كامل، ففى 4 سبتمبر من عام 1952 وبعد أقل من شهر ونصف ألغيت الألقاب لينتهى شكلياً التمايز الطبقى بين المصريين الذى كان يقسمهم على الطريقة العثمانلية إلى طبقات وليس درجات تبدأ من الخديو نزولاً إلى الباشا والبك وحتى الأفندى، وتعنى السيد بالعربية، وتم تعريبها فعلاً ليكون «السيد» مصطلحاً يشمل عموم المصريين من الوزير وحتى الغفير، حيث أصبح بالفعل الوزراء يسبق اسمهم لفظ أو لقب «السيد»، فهذا السيد «كمال الدين حسين» وذاك السيد «زكريا محيى الدين»، وهكذا!

ولكن بعد التغيير الشكلى جاء التغيير الفعلى بعد خمسة أيام، ففى 9 سبتمبر صدر قانون الإصلاح الزراعى الأول، وفيه تم تحديد الملكية الزراعية، ووُزع فائض ملكية الكبار على المعدمين من الفلاحين، وانتقل ملايين منهم إلى خانة ملاك الأراضى، وهذه الملايين التى علّمت أولادها وعادوا يتحملون مسئولياتهم فى بلدهم بعد تهميش استمر عشرات السنين نقول إنه من المؤكد أنهم انتموا للثورة وانحازوا لها، وعندما يكون موقف الإخوان رافضاً لقانون الإصلاح الزراعى نعرف إلى أى طرف انحاز الفلاحون حتى بعواطفهم وضمائرهم بل وبأمنياتهم التى تحولت قطعاً فى بعض المناطق وبعض الأحداث إلى مظاهرات دعم وتأييد!

لم تتوقف مكاسب الفلاحين عند هذا الحد، بل صدر قانون الحد الأدنى لأجور عمال الزراعة أواخر عام 1952 نفسه، وبعدها توالت قوانين أخرى حققت مكاسب للفئة الأخرى الأكثر تمثيلاً فى المجتمع، وهى العمال، وبعدها للموظفين، واستفادوا من تحديد ساعات العمل وقوانين الضمان الاجتماعى والتحصين من الفصل والتشريد، وأيضاً العلاوات الدورية، وغيرها من المكاسب التى تصاعدت فيما بعد، وارتفع سقفها، حتى القوانين الاشتراكية ومنح العمال نصيباً من الأرباح ومقاعد فى مجالس الإدارة، ومنحهم معاً، العمال والفلاحين، نصيباً فى المجالس النيابية بالنسبة الشهيرة المعروفة الـ50% التى استهدفت تحصينهم لضعف نفوذهم الاجتماعى وضعف إمكانياتهم فى مواجهة الأثرياء والإقطاعيين السابقين والرأسماليين، حتى أسىء استخدامها فيما بعد، لكنها وقتئذ جعلت رصيد الثورة وضباطها يتزايد فى الشارع، وكان بالضرورة خصماً من خصومها!

هذا البعد الذى غاب عن العمل كان يمكنه تبرير التفاف المصريين وقتها حول الثورة ورجالها وقدرة الضباط الشبان على حسم الصراع، ولكن ليس بالأسباب التى بدت فى المسلسل وحدها، وأهمها امتلاك الضباط مقاليد الحكم، وبالتالى قدرتهم على استخدام أدواته من جيش وشرطة وغيرهما.. وهو ما ساعد على اعتقاد البعض أن الصراع كان يتم من كل أطرافه، وليس من الإخوان وحدهم، على السلطة، وللرغبة فى الوصول إليها أو البقاء فيها فقط، دون الإشارة للأسباب الموضوعية الأخرى، مثل الرغبة فى استكمال إجراءات اجتماعية هائلة أفادت الأغلبية الكاسحة من شعب مصر، وكان منطقياً أن ينحازوا لمن غيّر حياتهم وانتقل بهم من خانة الأجراء المعدمين إلى خانة من يمتلكون نصيباً من الثروة فى بلدهم وبالتالى امتلكوا نصيباً من الحياة فى وطنهم!

باختصار: غاب الناس عن الصراع، فلا مظاهرات ولا دعم إلا ممن يحشدهم الإخوان أو تحشدهم الثورة من خلال إبراهيم الطحاوى أو غيره، ولم يكن ذلك صحيحاً!

كثيرون ربما يصيبهم الإحباط وهم يرون تاريخ بلدهم، بل ربما جزءاً مهماً جداً من تاريخهم، وهو ليس إلا صراعاً على السلطة!! ومخاطر ذلك دعم الإحباط الوطنى والتشويش وحالة عدم الانتماء السارية عند قطاعات من شباب مصر ليعود ويوظفه أعداء مصر وأولهم الإخوان!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل