المحتوى الرئيسى

حراك الريف المغربى وإشكالية العدالة

06/13 22:20

حين تقرأ التقرير الأخير الصادر عن صندوق النقد الدولى بشأن الاقتصاد المغربى تأخذك الحيرة فى بعض الاستنتاجات التى خلص إليها، فهناك إشادة بالسياسات الإصلاحية الاقتصادية التى طبقتها حكومة عبدالإله بنكيران فى السنوات الخمس الماضية، مثل إصلاح نظام الجباية والضرائب، واعتماد سعر صرف مرن، وضبط الاقتصاد غير المنظم، وإشارة أخرى إلى أن نسبة النمو للاقتصاد المغربى ستصل هذا العام إلى 4.5%، ما يضع الاقتصاد المغربى فى مرتبة الأفضل فى شمال أفريقيا حسب التقرير، وأن عجز الموازنة سيبلغ 3.5% من إجمالى الناتج القومى ونسبة التضخم 1.1%، كما توقع الصندوق أن يرتفع الادخار القومى إلى 36 فى المائة وأن يغطى الاحتياطى النقدى واردات البلاد لمدة ثمانية أشهر.

مثل هذه الأرقام الجيدة تتصادم مع حقيقة أن هناك فى الريف المغربى شمال البلاد حراكاً مستمراً منذ نوفمبر الماضى، حين وقعت حادثة فرم شاب بائع سمك متجول بسيط الحال فى إحدى شاحنات جمع القمامة على مرأى ومسمع من أحد الضباط، وهو الذى أمر عامل الشاحنة بتشغيل ماكينة فرم القمامة وهو يرى بأم عينيه أن الشاب الفقير يجاهد فى جمع بعض أسماكه قبل أن تتلف، فإذا به يدفع حياته ثمناً للغطرسة و«الحكرة»، أى الإهانة بالتعبيرات المغربية الدارجة. صدى هذا الحراك لم يعد واقفاً عند حدود منطقة الريف شمال البلاد، بل امتد إلى العاصمة الرباط، التى شهدت يوم الأحد الماضى وسط النهار والشمس تلهب الرؤوس والأبدان، مظاهرة صاخبة رُفعت فيها مطالب الإفراج عن الناشطين المعتقلين وأبرزهم ناصر الزفزافى، وشعارات تندد بالفساد والتعامل الأمنى الفظ، وغياب المشروعات الاقتصادية والتنموية فى مناطق الريف المغربى وأجزاء أخرى من البلاد.

تاريخياً، يُعتبر الريف المغربى منطقة تتسم بالتمرد والثورة على الحكام إن بالغوا فى سياسات الإساءة والتهميش، ومشهود له تمرده إبان الاستعمار، وهو الأكثر تهميشاً مقارنة بمناطق أخرى فى عموم المملكة، وأبناء المنطقة يرون ذلك امتداداً لسياسات عقاب جماعى طُبقت منذ تمرد 1958 الذى قضى عليه الملك الحسن الثانى بالقوة المفرطة، وبعدها لم تُعطَ المنطقة الاهتمام الكافى، فظلت تشعر بالغبن والمهانة، ومن أجل البقاء وجد المزارعون فيها ضالتهم فى زراعة القنب وصناعة وتصدير الحشيش إلى أوروبا وبلدان أفريقيا، وحسب الإحصاءات الدولية تُعد المغرب المصدر الثانى عالمياً بعد أفغانستان فى زراعة وتصدير الحشيش. ومنذ 2011 وصدى انتفاضات شعوب عدد من الدول العربية على حكامها الذين تجاهلوا حقوق شعوبهم فى العدل والحرية قد وصل إلى آذان الشعب المغربى فخرج فى مظاهرات 23 مايو مطالباً بالتغيير، ومن ثم اتخذت السلطات المغربية عدة إصلاحات سياسية وثقافية وفقاً لمقولة الإصلاح أفضل من المواجهة، ومن بين تلك الإصلاحات التى هدّأت من الحركة الشعبية، تشكيل لجنة لحقوق الإنسان وتخفيف بعض صلاحيات الملك الإدارية لصالح حكومة برلمانية وإجراء انتخابات ذات مصداقية.

وتحت مظلة الإصلاحات وتشكيل حكومة قادها حزب العدالة والتنمية الإخوانى بقيادة بنكيران، أعطيت بعض الحقوق الثقافية للأمازيغ الذين يقطنون الريف فى شمال البلاد، وأبرزها الاعتراف بلغتهم كلغة رسمية فى البلاد، والسماح لقنوات الإعلام الرسمية التعامل بها، كما بدأت بعض مشروعات تنموية فى قطاع الصيد والزراعة، ودشن الملك محمد السادس مبادرات لتنشيط السياحة، لا سيما فى مدينة الحسيمة التى اعتبرها مقر الاصطياف له، مما روّج نسبياً صناعة السياحة فى المدينة. مثل هذه المبادرات، وإن خففت حدة الاحتقان وأبرزت مساحة من الاختلاف فى تعامل المركز فى الرباط، المعروف بالمخزن، مع متطلبات التنمية فى الريف المغربى مقارنة بما كان عليه الوضع المتشدد زمن الملك محمد الخامس، لم تكن كافية فى تغيير الحالة الاقتصادية للريف على النحو الذى يحقق التطلعات المشروعة للأهالى مثل الاهتمام بقطاع التعليم، لا سيما الجامعى، من خلال افتتاح إحدى الجامعات الحكومية فى المنطقة، وافتتاح مصانع ومنح مزايا وتسهيلات لمن يرغب فى الاستثمار الصناعى كما هو حادث فى مناطق أخرى فى البلاد. إن عدم الاهتمام بالشعب وحقوقه المشروعة جدير بأن يحرك الجبال، فما بالك بشعب مجبول على التمرد، ولذا ليس غريباً أن تكون بعض الشعارات المرفوعة فى تظاهرات الحسيمة وتطوان فى الشمال وفى مقر الحكم، الرباط، منُصبّة على مواجهة الفساد والتذكير بالحقوق التنموية البسيطة والمعتادة، والأهم نفى اتهامات الحكومة الائتلافية أن المتظاهرين يسعون إلى الانفصال وتفكيك تراب الوطن.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل