المحتوى الرئيسى

«القضاء - مسئولية - مبادئ - رجال - مهارات» -19- أبو يوسف يعقوب أول قاضى قضاة

06/13 22:06

أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم هو أبرز تلاميذ أبى حنيفة، وقد شغل القضاء أيام الدولة العباسية منذ خلافة المهدى ثم خلافة الهادى ثم جاءت خلافة هارون الرشيد عليه بالترقى والانتشار والازدهار. وقد كان أبو يوسف أعجوبة زمانه، فهو صاحب أبى حنيفة، وصديق لمالك بن أنس ومعلم يسعى إليه أمثال أحمد بن حنبل، فالرجل – رحمه الله ــ كان ذا علم وفقه وعلوم أخرى كثيرة، وكان ورعا متعبدا. وحيث اتسعت الخلافة العباسية زمن هارون، فقد ازداد عدد القضاة، وأراد هارون أن يعهد بمسئولية القضاء إلى غيره، فابتكر منصب قاضى القضاة وعهد إلى أبى يوسف لتأسيس الوظيفة وممارسة واجباتها أبرزها تعيين ومراجعة وتأديب القضاة، فقام الرجل بالمهمة خير قيام.

ومع مباشرة أبى يوسف لعمله القضائى، لم يغب الرجل عن ميادين أخرى، فكان كثير التأليف فى الفقه تعليما للقضاة وحفظا لمذهب أستاذه أبى حنيفة. وكان أبو يوسف شديد الخطوة عند الحكام والأمراء حيث أن أبا يوسف قد عدّد مصادر علمه وفقهه إذ كان يتلقى من ابن أبى ليلى ولازمه مدة ثم صحب أبى حنيفة 17 سنة وقابل مالك وغيره فكان متعدد المصادر سريع الإجابة مع عدم مخالفة الشرع.

يروى التاريخ ما يؤكد نزاهة أبى يوسف مع قدر شديد من الذكاء. ففى بداية حياته القضائية عرضت عليه قضية أقامها مواطن ضد أمير المؤمنين المهدى العباسى، إذ وجه المواطن تهمة اغتصابه لمزرعة تخصه. وقد درس أبو يوسف القضية وترجح لديه صدق صاحب الشكوى من ناحية وفقدان صاحب الشكوى والأمير لأى دليل يؤكد صدق أقوالهم. ولما أرجأ النظر فى القضية، قابله يوما المهدى أمير المؤمنين وسأله: «ماذا رأيت فى القضية المعروضة عليك؟» فقال أبو يوسف: «خصم أمير المؤمنين طلب منى أن أحلف الأمير أن شهوده شهود صدق» فقال الأمير: «وترى ذلك؟ (هل يجوز ذلك؟)» فقال أبو يوسف: «إن ابن أبى ليلى كان يراه (يرى هذا الرأى)». فسارع الأمير قائلا: «أردد البستان على الرجل فلن أحلف».

وأريد أن أعرض عليك جانبا من مصادر علم أبى يوسف وفقهه لتتبين حجم موارده الفقهية، فتتصور ماذا يكون العقل الذى تتلمذ عليها. فقد صنف أبو يوسف كتابا – الآن مطبوع ومحقق ــ يسمى «اختلاف أبى حنيفة وابن أبى ليلى». ومما ورد فى هذا الكتاب: امرأة مجنونة شتمت رجلا قائلة له: يا ابن الزانيين، وكان ذلك فى حضور ابن أبى ليلى، فأصدر حكمه بإدخالها إلى المسجد وإقامة حد القذف مرتين (أحدهما لأم المشتوم والآخر لأبيه)، فلما بلغ ذلك أبا حنيفة قال: أخطأ القاضى فى ستة مواضع: 1ــ أقام الحد فى المسجد والحدود لا تقام فى المساجد 2 ــ ضربها وهى قائمة، والنساء يضربن قعودا 3 ــ ضربها حدين للأم وللأب، ولو شتم أحد بلدا بأكمله لعوقب بحد واحد فقط 4 ــ جمع بين حدين!! ولا يجمع بين حدين، بل يختار أشدهما 5 ــ المجنونة ليس عليها حد ولا قضاء 6 ــ وقد أقام الحد للأبوين وهما غائبان لم يحضرا ويقيمان الدعوى.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل