المحتوى الرئيسى

ما انفرد حاكم بسلطة إلا كان الشيطان ثالثهما | المصري اليوم

06/13 00:08

المثل الشعبي يقول: «يا فرعون إيه فرعنك؟.. قال: مالقيتش حد يلمني»، وحديثاً قال نجوم الألش الظرفاء: «ما انفرد حاكم بسلطة إلا وكان الشيطان ثالثهما»، والشيطان في السياسة كما تعرفون هو الفساد والقمع وتقييد حقوق وحريات الناس، ولهذا فإن أول الحديث عن حماية الحاكم من غواية السلطة هو توزيع السلطات على أكبر قدر من الأفراد، أي تعددية السلطات بلا هيمنة من فئة على فئة، ولا من جماعة على جماعة، ولا من سلطة على سلطة.. لكن كيف يحدث هذا التوزيع دون أن تنفرط السلطة وتتحول إلى فوضى وتناحر؟

تدلنا خبرات الدول والمجتمعات التي مرت بهذه الأسئلة والتحديات قبلنا، أن مواجهة التسلط والديكتاتورية وأمراض الحكم المطلق بدأت مع ولادة كلمة «الديمقراطية» والتي هي قدرة الشعب على حكم نفسه بنفسه، بدون تصورات عن طبقة نبيلة أو تدخل سماوي، أو قوة ذات مميزات فوق بشرية أو فوق دستورية، الديمقراطية تعني أن قضية الحكم لا يجب أن تظل في يد فرد واحد، ملكاً كان أو رئيساً، أو كاهناً، أو بطلاً خارقاً أو زعيماً مخلصاً، لكن الديمقراطية ظلت لقرون طويلة مجرد كلمة، وحلم فلسفي مثالي تدور حوله المناقشات والاختلافات، لصعوبة تطبيقه في مجتمعات يختل فيها توزيع الثروة والعلم ومقدرات الحياة، فكيف يمكن تحقيق المساواة بين من يملكون كل شيء وبين من لا يملكون طعام يومهم ولا حريتهم الفردية؟

لم يتوقف سؤال الديمقراطية في أوروبا على سبيل المثال عند نقطة الحلم، ولم يمت تحت وطأة الفقر والحروب واستعباد الإقطاعيين والنبلاء لملايين البشر، واحتكار الكنيسة لحياة ومصائر الناس لدرجة أنها كانت تمنح صكوك الغفران لمن يدفع، ولعنات الجحيم لمن يخالفها، فقد تطورت هذه المجتمعات، وخرجت من قلب المحن لتحقق الحلم المؤجل وتحقق معه أكبر انقلاب بشري في تاريخ السلطة، حيث أصبح الحكام بشراً.. مواطنين لا فضل لهم على بقية إخوانهم إلا بما يتمتعون به من احترام الناس لهم، واختيارهم الحر لكي يتبوأوا هذه المناصب لخدمة ورفعة الشعب، وليس ترفعا عليه، وقد كانت هذه الخطوة تقتضي أن يتوافق الناس قبلها على مجموعة من قواعد الحكم تضمن المساواة ومعاملة الجميع بحسب هذه القواعد وليس بمزاج الحاكم وأهواء حاشيته المتحكمة، ومن هذا «العقد الاجتماعي» نشأت فكرة الدستور.. الذي يعتبر «كتاب القواعد» الذي أسس لمفهوم المواطنة والمساواة أمام القانون، وإعادة تنظيم الدول على أساس تعددية السلطة، حتى في الدول الملكية، لم يعد الملك هو الحاكم المطلق، لكنه في كثير من الملكيات الدستورية، صار يملك ولا يحكم، فقد صار الحكم حقا أصيلا للشعب، يختار من بينه حكومات ينتخبها بإرادته وحريته، وعليه أن يتحمل في النهاية نتيجة اختياراته أو يسعى لتعديلها.

قد يسارع البعض ويقول: لكننا الآن مثلهم نملك نظاما سياسيا يتمتع بتعددية السلطات، ومظاهر الديمقراطية، القانون ينفذ على الجميع والمحاكمات تتم وفق قواعد السلطة القضائية ودون تدخل من السلطة التنفيذية، وقد يعيد البعض تذكيرنا بوجود برلمان منتخب يمارس دوره في رقابة الحكومة وفق الدستور، ويسن التشريعات والقوانين لضمان عدم تغول السلطة التنفيذية ولصالح الشعب، كما أن لدينا أجهزة رقابية وقضاء لمحاسبة الفاسدين والخارجين على القانون، ولدينا إعلام يمارس دوره كسلطة رابعة، بالفعل لدينا كل ماسبق، لكن هل تؤدى كل سلطة دورها كما يجب، وهل هناك فصل بين السلطات، أم أن هناك تغولا من السلطة التنفيذية على باقى السلطات نتيجة ما في حوزتها من وسائل سيطرة، أم أن هناك خدعة؟.

الخدعة ببساطة هي أن مؤسسات التعددية والتشريع والرقابة والمعارضة السياسية كلها نشأت كتقليد من خارج المجتمع وتطوره، فهي أشكال استوردناها في مراحل الاستعمار، والعلاقة الدونية مع الغرب، وقلدناها بشكل «صوري» لنوهم أنفسنا ونوهم الآخرين أننا دولة عصرية، لدينا برلمان، وأحزاب، وقوانين، وأجهزة رقابة، بينما نحن نرزخ تحت تقاليد القبيلة التي يحكمها رجل واحد، مستخدما كل الأشكال العصرية بعد تزييفها، وتفريغها من دورها الحقيقي، لتكون مجرد أدوات للسيطرة على المواطنين، وليس لإدارة حياتهم بما يحقق أعلى درجات التطور وارتقاء مستوى المعيشة، وتقديم الخدمات والرعاية للجميع على قدم المساواة دون تمييز بين غني وفقير أو حاكم ومحكوم.

وحتى أكون منصفة فإن هذا الوضع يشارك فيه الشعب بشكل أو بآخر بتنازله وإحساسه الدائم أنه لا سبيل إلى التغيير، وأنه ليس جزءا من هذا التغيير، وأن التغيير لابد أن يأتى من فوق، والحل؟

ليس لدى حل سحرى ولا خريطة للكنز، لكن تصور مبدأى بأن الخطوة الأولى أن نعرف حقوقنا وواجباتنا، وأن نشارك مشاركة فعالة في تخطيط مستقبل الوطن وحماية أمنه وحدوده، وأن نستخدم كل الوسائل السلمية التي كفلها لنا القانون لتعبر عن رأينا..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل