المحتوى الرئيسى

للخروج من 5 يونيو

06/12 21:46

ترددت كثيرًا قبل الكتابة عن هزيمة أو نكسة 5 يونيو 1967 لما تثيره من ذكريات وهواجس ما زالت حاضرة فى الأذهان على الرغم من مرور نصف قرن عليها، إلا أن توافق هذه الذكرى مع يوم العاشر من رمضان هذا العام شجعنى على التغلب على ترددى هذا، خاصة مع ما تحمله ذكرى حرب أكتوبر من إحساس بالزهو وشعور بالثقة بالنفس بعد هذا الانتصار العسكرى العظيم. وقد رأيت فى هذه المصادفة الفريدة ما يدعوننى إلى التفكير عن مغزى أن يأتى هذين التاريخين فى يوم واحد، وكيف أن ذلك يمكن أن يكون دعوة لمحاولة فهم كيف تحولت الهزيمة إلى نصر!.

لعل أكثر ما أثار انتباهى فى كل ما قيل وكتب عن حربى ٦٧ و٧٣ كان تعليق أحد الجنرالات الإسرائيليين من أن الجندى المصرى الذى حارب فى أكتوبر ٧٣ كان جد مختلف عن الجندى المصرى الذى حارب فى يونيو ١٩٦٧. أى أن العنصر البشرى، وليس السلاح والعتاد، كان العامل الحاسم فى تحقيق النصر. وهى شهادة عدو كان ينظر من قبل بكل سخرية واستهزاء للجيش والجندى المصرى. ويتذكر أبناء جيلى الصورة النمطية التى حاولت إسرائيل تكريسها عن الجندى المصرى بعد الهزيمة لإشاعة روح اليأس والاستسلام، فى مقابل الجيش الذى لا يقهر والانتصارات الباهرة التى حققها الجيش الإسرائيلى فى ٦ ساعات، حتى أن البعض سماها حرب الساعات الست وليس الأيام الستة كما أطلق عليها بعد ذلك. ولقد كانت سنوات ما بعد الهزيمة سنوات قاسية أجبرت القيادة السياسية وقتذاك على العديد من المراجعات، بل وعلى محاسبة الذات قبل محاسبة الآخرين وإلقاء اللوم عليهم من إجل استخلاص العبر والتعلم من الأخطاء فكان بيان ٣٠ مارس على سبيل المثال.

ولكن أهم المراجعات التى قامت بها القيادتان السياسية والعسكرية توصلت إلى نتيجة مفادها أن تدنى المستوى التعليمى والدراسى للجندى المصرى كان من أحد أهم أسباب الهزيمة. ومن هنا كان قرار إلحاق جميع خريجى وأصحاب المؤهلات العليا بالقوات المسلحة، والاهتمام بمحو أمية المجندين والارتقاء بمستوى الضباط وصف الضباط وغيرهم حتى يتم رفع كفاءة المقاتل المصرى ويكون جيشًا قادرًا على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة. ولكن الأهم أن يكون لديك الجندى المتعلم والضابط من ذوى المؤهلات العليا القادر على التعامل مع ما يستجد من مواقف فى الميدان. وكان ذلك مفتاح النصر وسر المعجزة التى حدثت فى العاشر من رمضان عام ١٣٩٣هجرية.

لا يختلف ما سبق عما تعلمناه من تاريخنا فى بداية القرن التاسع عشرعندما بدأ محمد على باشا فى بناء دولة حديثة فى مصر فاستحق بجدارة لقب «بانٍ» أو «صانع» مصر الحديثة. وقد أدرك محمد على بذكائه الفطرى أنه بدون تعليم لن يوجد جيش قوى، فكانت المدارس المختلفة والتى استقدم إليها الأجانب والمدرسين من الخارج، ثم كانت البعثات التعليمية للدول الأوروبية، ناهيك عن حركة الترجمة. فكانت النهضة الشاملة للدولة والمجتمع المصرى الذى استطاع بعد ذلك أن يحقق انتصارات عسكرية باهرة أجبرت الدول الأوروبية على الإسراع بالعمل على إنقاذ الدولة العثمانية المتهالكة من تقدم القوات المصرية التى وصلت إلى مدينة كونيا فى قلب هضبة الأناضول معقل الدولة العثمانية، فكانت معاهدة لندن فى عام ١٨٤٠ لكبح جماح محمد على ووضع قيود على مصر تحول دون تهديدها للدولة العثمانية مرة أخرى. ولكن الدرس التاريخى كان أنه دون تعليم وبناء دولة بمعايير ذلك العصر ما كان يوجد جيش قوى أو انتصارات عسكرية. ثم تكرر ذات الدرس بعد أكثر من قرن فى عام ١٩٧٣.

إلا أننا يبدو وكأننا بحاجة إلى من يعيد تذكيرنا بهذا الدرس حاليا، ونحن نرى كيف يتم تخفيض ميزانية وزارة التربية والتعليم بدلًا من العمل على زيادتها. فالتعليم يجب أن يكون قضية أمن قومى لا يقل أهمية عن الإنفاق العسكرى أو دعم الشرطة والقضاء، فكيف لنا أن نحارب الإرهاب والتطرف مع استمرار وجود نسبة الأمية الموجودة حاليا؟ كيف يتم محاربة التعصب الدينى والأفكار المتطرفة فى ظل تفشى الأمية الثقافية والتدهور الذى يعانيه نظامنا التعليمى حتى أصبح خارج سياق المعايير الدولية؟ أتذكر عندما كنت نائبًا للسفير فى الأردن بين أعوام ١٩٩٨ــ٢٠٠٢ كيف كان جيل كامل من الأردنيين الذين تعلموا فى مصر يدينون بما وصلوا إليه من مكانة فى بلادهم وفى الخارج لما حصلوا عليه من ثقافة وعلوم فى المدارس والمعاهد والجامعات المصرية. نفس هذا الجيل الآن يفضل إرسال بناته وأبنائه للجامعات الغربية، بل وحتى لبعض الجامعات الآسيوية التى التحقت بقائمة أفضل الجامعات فى العالم، بينما تراجعت مكانة الجامعات المصرية، وكأننا نعود مرة أخرى إلى أسباب هزيمة يونيو.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل