المحتوى الرئيسى

خريطة تمويلات الدم فى مصر

06/11 20:27

- من النسخة الورقية للجريدة الأسبوعية

- قائمة الكيانات وعناصر الإرهاب المعلنة من مصر والسعودية الإمارات والبحرين تفضح ملايين قطر التى أشعلت نيران العنف والفوضى بعد سقوط دولة الإخوان

- تدفقات مالية تصل إلى 6 مليارات جنيه قادمة من الدوحة وأنقرة لحساب إخوان مصر وحلفائهم عبر بنوك فى باريس ولندن وسويسرا

- إرهاب سيناء مولته قوى إقليمية ودولية وتحالف المتطرفين مع عصابات التهريب وتجارة المخدرات والسلاح وإمدادات لا حصر لها من ليبيا وغزة

- هل تتمكن الوساطة الكويتية من حل أزمة المقاطعة المصرية الخليجية للدوحة وإنهاء مشكلة تمويلات قطر للإرهاب بالمنطقة؟

بالنظر إلى البيان المشترك الصادر من قبل مصر والسعودية والإمارات والبحرين، مساء الخميس، الذى تبنى قائمة مشتركة ضمت 59 فردًا و12 كيانًا، سواء كان مقرها فى قطر أو كانت مدعومة من قبلها، تم تصنيفها جميعًا كرؤوس ومنصات للإرهاب، فإن الدلالة الأبرز فى تلك الخطوة، هى الرغبة فى ضرب وتجفيف منابع تمويل ودعم التطرف والجماعات الدينية المسلحة، ناهيك بدحض نوافذ التحريض والفتنة من المنبع..

ومصر تعانى الأمرين جراء الضربات الإرهابية الداعشية وغير الداعشية المتصاعدة فى سيناء وخارجها، منذ سقوط دولة المرشد صيف العام 2013، بيد أن التحدى الأكبر للقاهرة ظل ولا يزال فى مصادر التمويل والدعم الفنى واللوجيستى والتسليحى المتدفق على مختلف الكيانات المتطرفة النشطة على ضفاف النيل.

وزاد الأمر تعقيدًا، تباين وتعدد نوافذ الإرهاب فى مصر، ما بين تنظيمات مركزية كولاية سيناء الداعشية/ أنصار بيت المقدس سابقًا، أو خلايا إخوانية نوعية، أو حتى كيانات جهادية هجين ذات منطلقات إيديولوجية متفاوتة بينما يجمعها هدف سياسى واحد، وهو ضرب الدولة. علاوة على الذئاب المنفردة والمقاتلين الأجانب العابرين إلى شرق قناة السويس وعبر الأنفاق المنطلقة من قطاع غزة، أو أولئك المتسللين بطول الحدود الغربية مع ليبيا.

وتقف دول إقليمية ذات ثقل وتأثير سياسى، والأهم تمتلك سطوة مالية، كما هو الحال مع قطر حسب البيان الجديد لدول المقاطعة الرئيسية الأربع (مصر والسعودية والإمارات والبحرين)، ناهيك بتركيا وربما إيران، ونفر من البلدان الغربية، كظهير سياسى وتمويلى وإيديولوجى (كنظام الإخوانى رجب طيب أردوغان) للجماعات الدينية المسلحة فى بلد الأهرامات، ما يضاعف من مشقة مجابهة العناصر الإرهابية فى هذا الأخير.

ولا يجب إغفال دور التنظيم الدولى للإخوان فى الدعم المباشر للأبواق الإعلامية المحرضة ضد نظام ما بعد 3 يوليو 2013، وكذا فى المساندة غير المباشر أو المستترة للكيانات المسلحة، وهو ما يتم غالبًا عبر أفرع جماعة المرشد المقاتلة فى الأقطار المختلفة، كما فى ليبيا أو غزة، أو حتى عبر الأجنحة غير السياسية المنتمية التى تدين بفكرة السمع والطاعة للجماعة الأم، فى دول كالعراق وسوريا واليمن.

إن خريطة التمويلات الإرهابية فى مصر، على مدار السنوات الأربع الماضية على الأقل، تبدو شديدة التداخل والتفاصيل مزدحمة المصادر والمفاجآت فى آن واحد.

معلومات متداولة بشأن عمل لجنة حصر أموال الإخوان تشير مثلًا إلى أن الأخيرة سلمت بلاغات إلى نيابة أمن الدولة العليا، تفيد بوجود دلائل مثبتة عن تحويلات بنكية تخص الجماعة وأذرعتها العنيفة النشطة على الأرض من خلايا نوعية وخلافه، تقدر بقرابة 6 مليارات جنيه، حوتها مستندات وشيكات إيداعات تخص عناصر غير مرصودة أمنيا فى مصر، تم إرسالها إليها انطلاقًا من قطر أو تركيا، ولكن عبر بنوك أجنبية وسيطة لها أفرع فى باريس ولندن وعدد من المدن السويسرية، على أمل أن يتم تغطيتها لتمر من خلال الجهاز المصرفى والبنك المركزى للقاهرة، دون معوقات.

حسب اللجنة أيضًا، فإنه أمكن رصد موظفين رفيعى المستوى فى بنوك محلية وأجنبية بمصر تقوم على رعاية تلك التدفقات الدموية حتى تصل لوكلاء التوزيع على الخلايا والكيانات المتطرفة، سواء المشتغلة ضمن عجلة الإرهاب والعنف، أو تلك العاملة فى معية قنوات التحريض السياسى والإعلامى.

أضف إلى ذلك ما تم إجهاضه خلال الفترة الماضية من تدفقات تمويلية محلية تقليدية للإخوان على وجه التحديد، كالمدارس والمستشفيات ودور المناسات وشركات الصرافة ومحال تجارية ومصانع من كل شكل ولون، مملوكة لقادة فى التنظيم بينما هدفها الأساسى توفير السيولة التمويلية بالملايين لأنشطة الجماعة المعلنة والمستترة.

وكانت اللجنة أعلت قبل 3 أشهر عن تقديمها نحو 530 بلاغًا منذ إنشائها إلى الجهات القضائية المختصة، ضد العشرات من قادة وكوادر الإخوان وحلفائهم لاتهامهم بتمويل الأعمال الإرهابية والإضرار باقتصاد البلاد، حيث تم قيدها جميعًا تحت رقم 653 لسنة 2017.

والأعوام القليلة الماضية كشفت كذلك عن نمط آخر لتمويل الخلايا والتنظيمات الدينية المسلحة، يمكن تسميته بالتمويل الذاتى، الذى يعتمد فى مجمله على قائمة من الجرائم الجنائية، كالاختطاف والسطو المسلح والسرقة بالإكراه وتزوير المستندات المالية وغيرها، وجميعها أمور مشرعنة بمنهاج وفتاوى مؤولة من جانب شيوخ وأئمة ومفتيى الإرهاب، سواء كان الأخير داعشيًا أو إخوانى الهوى من قبل الخلايا النوعية المتسربة من معية التنظيم رغمًا عنه أو بالطناش من جانبه فى إطار حربه مع الدولة.

ولأن الحالة الإرهابية المصرية صارت تتسم بنوع من توحيد الهدف بين مختلف التنظيمات والخلايا المسلحة، يتمحور حول إسقاط النظام الحاكم، ومن ثم فقد صنع ذلك نهجًا تمويليا ولوجيستيا جديدًا حول المنفذين إلى صناع للمتفجرات ومسؤولى دعم مادى وفنى، وقبل هذا وذاك مفتون لشرعنة المال الحرام.

حالة الصيدلى الأسيوطى الذى تم اختطافه لطلب فدية من قبل دواعش قبل أشهر، ربما تكون الأبرز فى هذا الشأن فى مصر، حيث اقترنت فيها جريمة الابتزاز المالى من جانب الجماعات الدينية المتطرفة بالخطف، لكنها ليست الأولى فى سياق فقه التمويل الذاتى للدواعش وذئابهم المنفردة، ومن صار على الدرب ذاته من لجان الإخوان وما شابه.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، كشفت تحقيقات النيابة فى قضيتى خليتى الجيزة وحلوان الإرهابيتين، أن المتهمين بالإضافة إلى ارتكابهم عمليات اغتيال لضباط وأمناء وأفراد الشرطة والشروع فى قتل آخرين من بينهم، واستهداف مركبات أمنية ومنشآت عامة ومصالح حكومية، فإنهم قد ركزوا نشاطهم أيضًا على عمليات سرقة بالإكراه وسطو مسلح، كان أشهرها سرقة مكتب بريد بمدينة 15 مايو.

السطو المسلح من جانب الدواعش كان حدث أيضًا مع شركة تحويل الأموال «ويسترن يونيون» فرع المعادى قبل عامين، عندما نجح ثلاثة ملثمون فى الاستيلاء على مبلغ 123 ألف دولار أمريكى، وفروا هاربين، ولم يتم التوصل لهوية مرتكبى الواقعة وقتها، بل تم تقييدها كجريمة جنائية تمت على يد مجهولين، غير أن صدفة إلقاء القبض على صبحى فرحات، لاتهامه بالاشتراك فى حادث اغتيال ضابطين بالقوات المسلحة بمنطقة جسر السويس وأبو زعبل فى سبتمبر الماضى، قد قادت إلى اعترافه بأنه من قام مع اثنين آخرين بعملية السطو على خلفية تمويل عمليات «أنصاربيت المقدس»، وكان ساعتها الأخير لم يعلن بيعته بعد للبغدادى.

وعمومًا تورط العشرات من دواعش سيناء فى جرائم الاستيلاء على سيارات نقل الأموال وسيارات البريد، أو السطو على ماكينات الصرف الآلى، فى عدد من المناطق والأحياء المتفرقة بمختلف أنحاء الجمهورية، ومن بينها عمليات فى أبو صوير والمطرية وبلقاس والتجمع الأول والشيخ زايد والقنطرة غرب.

خلايا إخوانية عدة تورطت فى الفترة الأخيرة فى الجرائم الجنائية فى طريقها للبحث عن التمويل الذاتى، وخاصة بعد أن صار الاعتماد على التمويل التنظيمى صعبًا أو شبه مستحيل، إما لسيطرة جناح محمود عزت على المصادر المالية حتى الآن ورغبته فى عدم تورطه مباشرة فى مجابهة الدولة بحثًا عن احتمال صفقة معها، وإما لنجاح السلطة والأمن فى قطع طرق الإمدادات الداخلية والخارجية على نحو مؤثر، أو لعدم حظوة كل خلايا الدم بصلات مع وكلاء التمويل التابعين للجماعة أو لمواليها من نظم واستخبارات دول إقليمية ودولية.

  فأعضاء «خلية أبو زعبل»، على سبيل المثال، وكانوا 11متهمًا، قد ارتكبوا 12 واقعة، بينها سطو مسلح على مكاتب للبريد، بينما وقفت خلية أخرى فى القليوبية، خلف عملية السطو على مكتبى بريد قليوب ومنشية الجبل الأصفر بالخانكة، فى حين اغتنمت ثالثة من مكتب بريد قليوب البلد، مبلغ تجاوز ٩٠٠ ألف جنيه، ومن مكتب مدينة قها نحو ٦٥٠ ألف جنيه، ناهيك بتكرار وقائع السطو على غالبية أفرع البريد بالمحافظة بذات الشكل والتفاصيل.

وبطبيعة الحال لا يمكن تجاهل أن محاولات استهداف الأقباط وممتلكاتهم، ترتبط أساسًا بتكفير غالبية التنظيمات الدينية المسلحة لغير المسلمين، ومن ثم استحلال أموالهم.

فمثلا، أفادت حيثيات الأحكام الصادرة ضد أعضاء «خلية أكتوبر» المنتسبين إلى تنظيم أنصاربيت المقدس، وكذلك حيثيات إعدام أعضاء «خلية الزيتون»، بأنهم «استحلوا أموال ودماء المسيحيين والأجانب وسرقة محلات الذهب التى يمتلكها المسيحيين وقتلهم بدعوى أنهم يدعون للتنصير وهو ما يشكل محاربة للإسلام».

فى السياق ذاته، كشفت دراسة قيّمة بعنوان «لماذا تبدو سيناء بيئة خصبة لدعم الجماعات الإرهابية؟»، للباحث فى الشؤون الاقتصادية، إبراهيم الغيطانى، أن «الجماعات الإرهابية العديدة المنتشرة بسيناء، استطاعت على مدار السنوات الماضية، بناء تحالفات تمويلية ناجحة مع عدد من الفواعل المحليين والإقليميين».

لفت الغيطانى إلى أن عصابات التهريب تعد فى مقدمة تلك التحالفات، حيث يعتقد أن التنظيمات المسلحة فى أرض الفيروز، تعاونت على مدار الأعوام الماضية مع عصابات تهريب المخدرات والسلاح، وتجارة البشر والأعضاء البشرية، من أجل توفير الأموال اللازمة لها، وقد مارست دورًا رئيسيا فى تسهيل مرور اللاجئين الأفارقة لإسرائيل وفرض إتاوات عليهم.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل