المحتوى الرئيسى

"انجليزي دا يا مرسي؟"... عن مراكز تعليم اللغة الإنجليزية "المضروبة" في مصر

06/11 12:07

تخرج محمد علي من كلية الحقوق بجامعة القاهرة في العام 2014.

كان يدرك جيداً أن فرص العمل في المجال القانوني قليلة فأراد أن يتعلم مهارة جديدة تساعده على إيجاد فرصة عمل في مجال مختلف، التحق بأحد مراكز تعليم اللغة الإنجليزية في محاولة لخلق مستقبل أفضل لنفسه، ولكن…

يقول محمد لرصيف22: "اخترت أحد مراكز تعليم الإنجليزية التي تناسب قدرتي المادية، ودفعت 200 جنيهاً لكل مستوى".

بعد 8 أشهر من الدراسة تخرج من المركز بشهادة تفيد وصوله للمركز الثاني عشر وهو مركز متقدم، لكن حين تقدم للعمل في واحدة من شركات الاتصالات الشهيرة في وظيفة خدمة عملاء رسب في اختبار اللغة الإنجليزية.

قالت الشركة لمحمد أن نطقه غير سليم، ويتحدث الإنجليزية ببطء شديد كما أن قاموس مفرداته من الإنجليزية قليل جداً.

رغم وجود مراكز مهمة في مصر لتعليم الإنجليزية ومنها الجامعة الأمريكية، والمركز الثقافي البريطاني، والأميديست، إلا أن كلفة اتمام دراسة المستوى الواحد في أحدها تقترب من الألف جنيهاً.

وهو مبلغ باهظ لا تقدر عليه النسبة الأكبر من الخريجين المصريين، فيتوجهون للمراكز البديلة: المراكز الخاصة الرخيصة والتي لا تزيد التكلفة فيها عن 250 جنيهاً كمتوسط.

وفي هذه المراكز تكمن المشكلة. شهادات طلاب مركز أميديست

يدرس طلاب المدارس الحكومية في مصر اللغة الإنجليزية كلغة ثانية منذ مرحلة الدراسة الابتدائية وحتى التخرج من الجامعة، أي ما يقارب 15 عاماً دراسياً، لكن معظمهم يتخرج من الجامعة دون إجادة هذه اللغة.

السبب هو نظام التعليم الحكومي المتهم دائماً بأنه يعتمد على الحفظ وليس على الفهم، وقتل الإبداع في الطلاب، وهو ما جعل مصر تحتل تصنيفات متأخرة في مؤشرات جودة التعليم العالمية.

وفي مايو من العام الجاري صرح طارق شوقي، وزير التربية والتعليم المصري في مؤتمر للتعليم استضافته جامعة القاهرة أن ترتيب مصر في مستويات التعليم متأخر جداً، وأن التعليم في مصر لا يرتقي لسوق العمل.

في أغلب المقابلات التي تقوم بها هالة رضا، مديرة الموارد البشرية بإحدى الشركات المصرية التي تعمل في مجال الـ Call Center تتعرض لنفس الموقف: تسأل المتقدم عن مستواه في اللغة الإنجليزية فيجيبها أنه جيد أو جيد جداً ويخرج لها شهادة تفيد بذلك من مركز غير معروف على الإطلاق.

"حين نبدأ في اختباره نجده ضعيف جداً رغم أن الشهادة مكتوب فيها أنه حصل على عدة مستويات" تقول رضا لرصيف22.

من جانبه يرى مايكل يوسف الخبير في تعليم اللغة الإنجليزية أن الموضوع عرض وطلب.

ويقول لرصيف22 أن أغلب الطلاب والخريجيين يرغبون في تعلم الإنجليزية وبالتالي هي فرصة ذهبية لكل من يمتلك رأس مال لافتتاح مشروع تجاري يتعلق بذلك، بغض النظر عن مستوى المدربين و كفائتهم أو المنهج وأسلوب التدريس. 

شارك غردمراكز تعليم الإنجليزية في مصر.. بيزنس من دون رقابة حكومية

شارك غرديدرس الطلاب في مصر الإنجليزية 15 عاماً، ليتخرج معظمهم من الجامعة دون إجادتها. ثم تزيد مراكز تعليم اللغات الطين بلة

أما المحامي المصري محمد كارم فيفسر لرصيف22 سبب انتشار هذه المراكز في مصر قائلاً: "يمكن لأي شخص أن يفتتح مركز تعليم لغة إنجليزية بكل بساطة، فقط يقوم باستخراج بطاقة ضريبية وسجل تجاري، بعدها يصبح من حقه عمل تدريبات في مجالات عدة، والأزمة أن الجهات الحكومية لا تشترط أن يعرض عليها المحتوى العلمي الذي سيقوم بتدريسه".

وبحسب كارم فإن الحالة الوحيدة التي تطلب فيها الجهات الحكومية الاطلاع على المحتوى العلمي هو حين يرغب المركز في أن تصبح الشهادة التي تخرج من عنده معتمدة من جهة حكومية سواء كانت جامعات أو من وزارة الخارجية، وفي هذه الحالة يطلب منه صورة من المحتوى العلمي كإجراء روتيني ليس أكثر.

"لا يوجد رقابة من الدولة على تلك المراكز بأي شكل من الأشكال" هكذا يؤكد كارم، مضيفاً: "ويمكن بسهولة لتلك المراكز إضافة ختم النسر للشهادات التي تخرج منها بتصريح من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، الذي لا يشترط بدوره سوى أن يكون للمركز مقر ولا تقل عدد الفصول الدراسية فيه عن اثنين".

يرى مايكل يوسف أن انتشار المراكز هو نتيجة طبيعية لانتشار الجهل.

"الطالب أو الخريج مشتت ولا يعرف كيف يختار المركز الأفضل لدراسة الإنجليزية، فهو لم يتعلم كيف ومن أين يبدأ أي خطوة، وهو طبعاً غير قادر على تقييم المركز لأن مستواه في الإنجليزية ضعيف"، يقول لرصيف22.

ويضيف: "الأزمة الحقيقة أن تلك المراكز مكسبها بسبب قدرتها على التسويق وليس التعليم، فهم يعدون الطالب بأنه سيتعلم الإنجليزية من دون مجهود، فيذهب لهم مقتنعاً أنه سيتخرج خبير في اللغة". هكذا يقول يوسف.

يضيف يوسف أن انتشار هذه المراكز حول الموضوع من دراسة وتعليم إلي بيع سلعة، فالجميع يحاول أن يقلل من سعر المستوى للحصول على أكبر عدد من الطلاب على حساب المستوى العلمي.

يكمل: "والنتيجة أن الطالب لا يتعلم أي شيء، ويظن أن مجرد حصوله على شهادة يعني أنه مؤهل، لكن حين يقيمه متخصص يكتشف أنه جاهل في الإنجليزية، إذاً فالطالب فقد نقوده ووقته ويزيد إحباطه في النهاية".

ينصح يوسف كل من يبحث عن مكان يتعلم فيه اللغة أن يتأكد أن المركز يهتم بتدريس قواعد اللغة فهي أهم خطوات تعلم الإنجليزية لبناء جملة سليمة، ويتأكد من أن المنهج متكامل ويشمل إلى جانب القواعد، كلمات، صوتيات، ومحادثة، والأهم أن يتأكد أن المركز يقوم بتكليف الطلاب بواجبات ومن ثم يتم تصحيحها من قبل المدرب.

تقول رضا، مديرة الموارد البشرية، أن كثير من الشباب المصري لا يستغل الإنترنت في التعليم، لأن ثقافة التعليم الذاتي غير منتشرة، كما أن شركات عدة تشترط وجود شهادات في اللغة. تكمل "لكن في النهاية الشهادة لن تفيد المتقدم لوظيفة حين يمر باختبار، سيفيده التعلم الحقيقي".

تنصح رضا كل من يرغب في تنمية لغته الإنجليزية أن يشترك بقنوات عدة على يوتيوب تفتح له أبواب من المعرفة.

تواصل رصيف22 مع الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة التي تصدر تراخيص للشركات الجديدة في مصر، في محاولة لمعرفة عدد الشركات المسجلة كمراكز لتعليم اللغة الإنجليزية.

لم توفر لنا الهيئة أي أرقام لكن مصدر خاص رفض ذكر اسمه أخبرنا أن متوسط الشركات الجديدة كل عام هو 10 آلاف شركة تعمل في مجالات مختلفة من بينها التدريب وتعليم اللغات.

يعلق المحامي محمد كارم أن أغلب الهيئات المصرية تحجب المعلومات عن المصريين، رغم أن المادة رقم 68 من الدستور المصري تؤكد أن "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل