المحتوى الرئيسى

غياب «ياسر» و«خيرت» أزمة.. و«واحة الغروب» تجسيد لغياب الثقافة الموسيقية

06/09 21:27

أن يكون هناك ما يقرب من 35 مسلسلاً، ولا تجد بينها جملة موسيقية سواء على مستوى التترات أو بين جمل الموسيقى التصويرية التى تصاحب الأحداث تخطفك وتؤثر فيك، فهذا يعنى أن هناك أزمة كبيرة فى هذا الشق الفنى الذى لا يقل أهمية عن الدور الذى يؤديه النجم الأول فى أى عمل درامى، أن لا تجد أسماء بحجم ياسر عبدالرحمن وعمر خيرت، والأخير موجود بموسيقى الجزء الأول من الجماعة التى تمت الاستعانة بها فى الجزء الثانى، فهذا يعنى أن هناك أزمة فكر لدى صناع الأعمال الدرامية، بداية من المنتج ومروراً بمخرج العمل ونهاية بالنجم الأول للعمل، لأن هناك أسماء كثيرة من النجوم كانوا يتدخلون لإقناع المنتجين ببعض الأسماء الكبيرة فى عالم الموسيقى التصويرية.

تخيلوا أن هناك 35 عملاً درامياً هذا العام، وحتى الآن لم نجد تترا يفرض نفسه، رغم أن بعض صناع المسلسلات حاولوا استقطاب بعض النجوم لغناء التترات مثل: نوال الزغبى التى تغنى تتر مسلسل «لأعلى سعر» والغريب أن فريق العمل اختار اسما خاصا بالأغنية «الناس العزاز» وكأنها عمل منفصل عن الأحداث أو عن الدراما، وهو ما يؤكد أن التعامل الآن مع التترات يأخذ منعطفا غير الذى نعرفه منذ ميلاد الدراما.

ولو استعرضنا أهم التترات على مدار العصور سوف نجد أن صناعها لم يعزلوها أو يفصلوها عن العمل باسم آخر، «ليالى الحلمية» ظلت باسمها والمطرب الكبير محمد الحلو كلما ظهر فى مناسبة أو حفل يضع فى برنامج الحفل الاسم الحقيقى لها، لم يحاول تجميلها، مطربنا الكبير على الحجار أيضاً عندما يغنى فى أى مكان وهو أكثر المطربين مع الحلو غناء للتترات نجده يضع التترات بمسماها الحقيقى مثل: «بوابة الحلوانى» أو غيره من الأعمال العظيمة التى تقاسم العمل فيها مع الراحل الكبير عمار الشريعى.

تتر مسلسل «لأعلى سعر» لخص إحدى مشاكل التترات التى تحولت على يد فنانى هذا العصر إلى أغان منفصلة، حتى إن بعض المسلسلات أصبحت تستعين بملحن لتتر البداية والنهاية، ومؤلف موسيقى آخر للموسيقى التصويرية، وبالتالى تشعر فى كثير من الأحيان أن هناك انفصاما فى شخصية العمل الموسيقى للمسلسل ككل.

ما ينطبق على تتر «لأعلى سعر» ينطبق على تتر «حلاوة الدنيا» لشيرين عبدالوهاب وغيرهما من الأعمال الأخرى.

أما تتر مسلسل «واحة الغروب»، فهو يمثل حالة أخرى من الدهشة لأن صناع العمل اختاروا تتر مغن باللهجة الصعيدى، البعيدة كل البعد عن اللهجة السيوية، وأهل سيوة لديهم لهجتان خاصة بهم، الأولى اللهجة السيوية والتى لا يتحدث بها سوى أهلها فقط، والأخرى هى البدوية التى يتحدث بها أهل مطروح والصحراء الغربية من غرب الإسكندرية وحتى السلوم، حيث الحدود الليبية، وكنت أتصور أن صناع العمل الذين صوروا الأحداث فى سيوة كان لديهم من الفكر والمنطق أن يسألوا أهل المدينة الجميلة عن اللهجة، والشكل الموسيقى الأمثل الذى يمثل هذه البيئة، وبالمناسبة هناك مئات من الأغانى والأصوات السيوية التى كان من الممكن الاستعانة بها، الشىء الوحيد الذى يمثل أهل الصحراء الغربية فى التتر هو أنهم استعانوا فى مقاطع صغيرة منه بنوع من الغناء اسمه «التجذير» المشتق من غناوة العلم، وهو نوع من الغناء الصامت بدون كلام أو موسيقى، عبارة عن صوت بكائى يصدره الشخص «المغنى»، ويبدأ بجملة «يا علم يا علم» ثم يستغرق فى الأداء الصوتى، وإذا كان صناع العمل عجزوا عن الوصول لصوت سيوى معبر، كان من السهل التعرف على تيمة شعبية من التراث السيوى للاعتماد عليها، ولديهم أيضاً الدكتور على حميدة وهو يمتلك الكثير من الثقافة الموسيقية والبدوية التى تخدم أى عمل درامى، وهنا لابد أن نذكر أن الموسيقار الكبير الراحل عمار الشريعى عندما وضع موسيقى مسلسل «شرف فتح الباب» الذى صورت أحداثه فى مطروح استعان فى كثير من الأحداث بموسيقى بدوية بحتة، كما استعان بأحد مطربى مطروح لأداء بعض المقاطع الغنائية، كما فعل وطبق نفس الفكر مع الأحداث التى تقع فى صعيد مصر، لأن إحدى المواصفات التى كانت تؤكد مصداقية العمل الموسيقى ارتباطه ببيئة التصوير، فليس من المعقول أن تكون فى بيئة بدوية مثلاً وتستخدم غناء صعيديا أو العكس، الشىء الغريب أن الموسيقى التصويرية فى «واحة الغروب» لا تعبر مطلقاً عن بيئة أهل سيوة، هذا خطأ واضح فى العمل، وبالتالى فهذا العمل رغم جودة الصورة والأداء الراقى لخالد النبوى ومنة شلبى، لكنك وأنت تتابع الأحداث تشعر بأن هناك غربة بين الأحداث والموسيقى المصاحبة، حتى فى مشهد الفرح تشاهد المجاميع الموجودة، كل شخص يعبر عن ثقافته هو الشخصية فى طريقة الرقص و«الصقفة» وخلافه، لأن الرقص فى البيئة البدوية له أسلوب، وكذلك «الصقفة»، لذلك يمثل مسلسل «واحة الغروب» مشكلة أخرى فيما نقدمه من موسيقى مصاحبة للأحداث أو كتتر، كما أنه لم يستعن بالآلات الشعبية التى تمثل بيئة الأحداث مثل «المقرونة» مثلاً.

مسلسل «رمضان كريم» رغم أن التتر يمثل شكلاً من أشكال البهجة ويعكس احتفال المصريين بالشهر الفضيل، والأداء لحكيم كان جيدًا، ويناسب الحالة الموسيقية، لكنه ليس بالتتر الذى يمكننا أن نتوقف أمامه، وهو نموذج ثالث.

أما تتر مسلسل «عفاريت عدلى علام» فلم نشعر به من الأساس، أما لأن العمل لا يواكب نجومية عادل إمام، وجاءت الإعلانات لتطيح به يومياً، بالدرجة التى أصبح الجمهور لا يشعر من الأساس أن هناك تترا، وهو دليل عدم تأثير الموسيقى فى المشاهد خلال الفترات التى عرضت فيها التتر كاملاً.

غياب ياسر عبدالرحمن عن التترات للعام الثانى على التوالى يمثل دليل اتهام على أن صناع المسلسلات فى مصر لا يدركون قيمة وقامة هذا الفنان الكبير، الذى زاحم بموسيقاه أداء كبار الممثلين الذين عملوا معهم، بل إنه فى كثير من المشاهد والأعمال التى شارك فيها كانت موسيقاه تسرق الكاميرا من النجم.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل