المحتوى الرئيسى

القليوبية: مئات العقارات العشوائية تهدد أرواح قاطنيها

06/09 10:05

 فى «غفلة من الزمن»، تقف شاهدة على تغلغل الفساد داخل دهاليز الإدارات الهندسية والأحياء بمحافظة القليوبية، رفع غالبيتها شعار «الدفع مقدماً والشكك ممنوع»، فبدون دفع «المعلوم» لا يستطيع مواطن بسيط الحصول على ترخيص لبناء بيت يؤوى أسرته، أو حتى إحلال وتجديد منشأ قديم قائم بالفعل، ليدخل فى رحلة من المعاناة، يتجرع فيها من «العذاب ألوان»، على أبواب «دولة صغار الموظفين»، التى أصبحت عنواناً رئيسياً لفساد المحليات، فلا يجد أمامه سوى مخالفة القانون واللجوء للبناء بدون ترخيص، فى ظاهرة تفشت بصورة خطيرة، استغلها أصحاب النفوس الضعيفة وسماسرة العقارات، حتى أصبحت تشكل خطراً على أرواح الآلاف من قاطنى تلك الأبراج المخالفة.

انتشار المبانى المخالفة فى مدينة بنها بجوار الطريق الدائرى.. ومواطنون اشتروا «الوهم» ليواجهوا «الموت» أو الحكومة.. والإدارات الهندسية «فى إجازة»

الأمر الأكثر خطورة أن ملفات 80% على الأقل من مديرى الإدارات الهندسية ومعاونيهم لا تخلو من الجزاءات والمخالفات، وبعضهم أُحيل للنيابة العامة، ثم عادوا لوظيفتهم مرة أخرى، حتى استشرى الفساد وأصبح أسلوباً ونهج حياة، نتيجة الثغرات القانونية، وعدم اعتماد الحيز العمرانى لكثير من المدن والقرى، التى ظلت حبيسة «الثلاجة» لسنوات طويلة، نتيجة شيوع المسئولية بين المحافظات والهيئة العامة للتخطيط العمرانى، التابعة لوزارة الإسكان، وتبادل الاتهامات بين الطرفين، ناهيك عن عدم وجود شروط واضحة للبناء ومنح التراخيص تطبق على الجميع دون تدخل أو تلاعب من الإدارات الهندسية، وأصبح المواطن البسيط وحده هو من يسدد فاتورة الحصول على التراخيص بكافة أشكالها وأنواعها، من قبَل الإدارات الهندسية، التى لا ترحم الصغير ولا الكبير.

وقائع الفساد كثيرة وسجلتها المحاضر والملفات الرسمية، وأشهرها فى القليوبية واقعة المحضر رقم 6509 إدارى قسم أول شبرا الخيمة، التى حملت وقائع فساد تورط 3 من كبار المسئولين بحى غرب شبرا الخيمة باتهامات بالتربح والتزوير واستغلال النفوذ، حيث كشفت مباحث الأموال العامة عن قيام كل من «س. ل»، مدير إدارة التخطيط العمرانى بالحى، و«م. ح»، مدير الإدارة الهندسية، و«س. ع»، مهندس التنظيم، بالاتفاق فيما بينهم لمساعدة الأول فى بناء 3 طوابق مخالفة بعقار اشتراه منذ فترة، وتحرير محضر مخالفة ضد مالك العقار الأصلى، وصدر ضده حكم غيابى بالسجن لمدة سنة، وبعد وفاته حرروا محضرين آخرين ضد ابنه القاصر، وأكدت تحريات المباحث أن المتهم الأول اشترى العقار، ومساحته 74 متراً، ومكون من طابق واحد، وقام بهدمه واستصدار تصريح ببناء 5 طوابق، إلا أنه قام ببناء 3 طوابق أخرى مخالفة، بمساعدة المتهمين الثانى والثالث، باستغلال نفوذهم، بتحرير محاضر ضد بائع العقار المتوفى وابنه القاصر.

واقعة أخرى شهدتها محافظة القليوبية، تمثلت فى قرار للمحكمة التأديبية بالمحافظة بفصل مسئوليْن بمديرية المساحة من الخدمة وإحالتهما إلى المعاش، لتقاضيهما رشوة من صاحب برج مخالف بمدينة بنها، ونسبت تحقيقات النيابة للمتهميْن أنهما طلبا مبلغاً مالياً 50 ألف جنيه، على سبيل الرشوة، من وكيل صاحب البرج، بجوار مبنى ديوان عام محافظة القليوبية، كما كشفت تحقيقات النيابة الإدارية عن واقعة أخرى، تتمثل فى قيام مدير الإدارة الهندسية لمركز ومدينة بنها، وباحثة قانونية بإدارة الفتوى بديوان عام المحافظة، بالتلاعب فى خرائط تقسيم الأراضى بمدينة بنها، عن طريق تغيير أبعاد بعض القطع والشوارع، بعد اعتماد الرسم الهندسى لمشروع التقسيم من محافظ القليوبية الأسبق، مما ترتب عليه تغيير فى مساحات الملكيات لصالح بعض المواطنين أصحاب الأراضى على حساب البعض الآخر.

ويكشف الواقع على الأرض فى مدن المحافظة عن مخالفات بالجملة، ففى مدينة «الخصوص»، وبطول الطريق الدائرى القديم، تصطف مئات الأبراج المخالفة، تُخرج لسانها للمسئولين جهاراً نهاراً، ورغم أن بعضها صادر بشأنها قرارات إزالة، فإنها حبيسة الأدراج، وسط صمت رهيب يصل إلى حد «التواطؤ»، لا سيما أن آلاف النازحين من المحافظات المجاورة اشتروا شققاً بهذه الأبراج المخالفة، وينتظرون مصيرهم المجهول. ووفق تقارير رسمية، فإن هناك أكثر من 35 برجاً سكنياً أقيمت بدون ترخيص فى المدينة التى تحولت إلى سوق كبير للبناء المخالف بكل أشكاله وأنواعه، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن هذه المبانى والأبراج المخالفة، وفقاً لذات التقارير الهندسية، تفتقر لوسائل الأمان والاشتراطات البنائية، وصادر بشأنها قرارات إزالة، لكن إزالتها تحتاج إلى ملايين الجنيهات، وقد سبق للمحافظ الأسبق، المهندس محمد عبدالظاهر، أن أحال ملفات بعض هذه الأبراج للنيابة، لكن يظل الخطر قائماً، نتيجة الطرق الملتوية التى يلجأ إليها أصحاب هذه الأبراج فى توصيل المرافق، وبيع «الوهم» لكل الحالمين بشقة فى «أبراج الموت»، حتى تحولت «الخصوص» إلى كتل خرسانية من كل حدب وصوب، حتى بلغ تعداد سكانها، وفقاً للإحصائيات، قرابة 1.8 مليون نسمة. ورغم أن أجهزة المحليات تصر على أنها تتخذ كافة الإجراءات القانونية حيال المخالفين، فإنها ترى أن تنفيذ قرارات إزالة تلك المخالفات يقع على عاتق جهات أخرى، تتهمها بأنها «سهّلت بل غضّت الطرف عن المخالفات، حتى أصبحت واقعاً»، وأكد «شريف محسن»، أحد الأهالى، أن مدينة الخصوص بها أعلى نسبة من الأبراج السكنية المخالفة التى تهدد أرواح المواطنين، محذراً من أن «المدينة مرشحة لحدوث كارثة فى أى وقت»، وقال إن «القرارات وحدها لا تكفى لمواجهة حيتان المخالفين، الذين ألقوا بالقانون وراء ظهورهم، وباعوا الخطر للباحثين عن مسكن، وباتت أجهزة المحليات فى ورطة، لأن المواجهة ربما ستكون مع المشترين، الذين دفعوا «تحويشة العمر»، من أجل الحصول على شقة، وبالتالى أصبحت إزالة تلك المخالفات مهمة أكثر من مستحيلة.

وأوضح «أحمد حسانين»، من سكان الخصوص، أن معظم الأبراج المخالفة أقيمت قبل تحويلها إلى مدينة، حيث كانت تنطبق عليها شروط البناء فى القرية، وارتكب المخالفون كل «الموبقات» التى خرقوا بها قوانين البناء، واعتدوا على خطوط التنظيم، وأنشأوا أبراجاً تتجاوز 14 طابقاً، دون أى إشراف هندسى أو رخص معتمدة من الإدارة الهندسية المختصة، وحقق هؤلاء الملايين، وتركوا السكان يواجهون خطر الموت، بعد أن تصدع بعضها، والبعض الآخر فى حاجة إلى ترميم، رغم حداثة المبانى، وازدادت المخالفات خطورة بعد «ثورة يناير»، وأصبح بناء الأبراج المخالفة هو السمة الغالبة لأصحاب الأراضى، فى «هوجة» بناء عشوائية.

أما فى مدينة بنها، التى أطلق عليها حديثاً لقب «عاصمة الأبراج المفخخة»، بعد تفجير 3 أبراج مخالفة مؤخراً، فتعد منطقة «خلف كوبرى الفحص» على النيل، خير مثال على الأبراج العشوائية، دون مراعاة لأى اشتراطات، حيث ظهر ببعضها عيوب جسيمة تهدد حياة قاطنيها، وحالياً هذه الأبراج فى أزمة قانونية مع المحافظة فى توصيل المرافق، لا سيما أن هذه المنطقة دخلت الكتلة السكنية، ولكن بعض العمارات بها تمثل خطورة داهمة على السكان.

وقال «كامل السيد»، أمين حزب «التجمع» ببنها، إنه «لا بد أن يشعر المخالفون بأن هناك حكومة على الأرض، لأن ما تم ارتكابه من مخالفات، فى سائر المحافظات وليس القليوبية وحدها، أصبح يسجل ظاهرة تستحق منا جميعاً مواجهتها بكل قوة، حتى لا نجد أنفسنا أمام كارثة»، وأوضح أن مخالفات الأبراج السكنية ربما تظهر بشكل واضح فى التجمعات العشوائية، أو التى أقيمت على أطراف المدن، فى المناطق المتاخمة للقاهرة، وعلى الطريق الدائرى بمدن الخصوص وشبرا الخيمة والقناطر الخيرية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل