المحتوى الرئيسى

«تيران وصنافير».. من يتخذ القرار الاستراتيجى؟!

06/08 22:18

رئيس الحكومة وقع الاتفاق 8 أبريل 2016، لم يحوله للبرلمان، رغم أن عدم توقيع الرئيس يسقط حصانته كعمل من أعمال السيادة، وفق «المادة 151» من الدستور، ما كان يفرض المسارعة بإحالته وتقنينه، محكمة القضاء الإدارى قضت ببطلان الاتفاق «يونيو»، الحكومة استصدرت حكم الأمور المستعجلة بوقف تنفيذ حكم الإدارية «أكتوبر»، وأقامت «منازعتى تنفيذ» أمام الدستورية العليا لوقف تنفيذ حكم البطلان «نوفمبر»، بمجرد صدور حكم القضاء المستعجل برفض الطعن على وقف تنفيذ حكم القضاء الإدارى، تم إحالة الاتفاق للبرلمان «ديسمبر»، خلافاً لـ«المادة 190» من الدستور التى تقضى بأن «مجلس الدولة يختص دون غيره بالمنازعات الإدارية ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه»، الإدارية العليا رفضت طعن الحكومة على حكم الإدارية، وأيدت البطلان «يناير 2017»، حكم بات نهائى «عنوان للحقيقة»، لكنهم أحالوا الاتفاق إلى اللجنة التشريعية «10 أبريل»!!.. أزمة أوقعت السلطتين التشريعية والقضائية فى مواجهة غير مسبوقة، وأدت لتراشق بين المؤسسات القضائية، الأمور المستعجلة تجاوزت صلاحيات مجلس الدولة، وانتقدت المحكمة الإدارية، والإدارية العليا انتقدت الأمور المستعجلة لتدخلها السافر، واعتدائها على صلاحيات المحاكم الإدارية المحددة بالدستور.

كم تناولنا الأزمة، وكم طرحنا حلولاً، ولكن صدق عمرو بن معد يكرب «لقد أسمعت لو ناديت حياً، ولا حياة لمن تنادى»، كل المؤشرات تعكس نية تمرير الاتفاق، بغض النظر عن الاعتبارات والمواءمات، قانونية أو سياسية، لم يعد هناك ما نضيفه سوى «التحذير» من أن يصير العناد والمكايدة المحركين لأزمة وطنية تتجه بثبات نحو انفجار يصعب حساب نتائجه وتداعياته، و«التنبيه» إلى أننا قد نتسبب بسوء التقدير والحساب، فى خسارة استراتيجية، غير قابلة للتعويض.

الصراعات الراهنة فى العالم تعكس تنافساً ضارياً على امتلاك المواقع الحاكمة والممرات الاستراتيجية، التنافس الاقتصادى والتجارى هو صيغة المواجهات بين القوى العظمى، وعلى النطاق الإقليمى خلال السنوات المقبلة، السيطرة على الممرات البحرية التى تؤمن المسارات التجارية هو الهدف، ما يفسر نزاع الصين مع فيتنام على جزر باراسيل، ومع اليابان على جزر سينكاكو، ومع فيتنام والفلبين وماليزيا على جزر سبرالتى، وقيامها بإنشاء جزر صناعية ببحر الصين الجنوبى تشرف على الممرات التجارية، بريطانيا لا تزال متمسكة بجزر فوكلاند المقابلة للأرجنتين بأمريكا الجنوبية، وبجزر جبل طارق أمام الساحل الإسبانى، وبعض الجزر بالمحيط الهندى.. البحر الأحمر بدوره يشهد تنافساً محموماً بين القوى الدولية والإقليمية لفرض وجودها العسكرى، فى المواقع الاستراتيجية، وعلى رأسها الجزر والموانئ المطلة على الممرات البحرية.. رغم امتلاك أمريكا لقاعدة فى جيبوتى تضم 4000 جندى، بدأت فى نصب أجهزة رادار ومعدات مراقبة وتنصت على جزيرة «حنيش» أكبر الجزر اليمنية فى البحر الأحمر، المطلة على باب المندب، التى احتلتها السعودية ديسمبر 2015، كما تتفاوض على إنشاء قاعدة بجزر «سقطرى»، الأرخبيل المائى اليمنى بالمحيط الهندى، على مفترق طرق أكبر الممرات المائية الاستراتيجية.. السعودية تنشئ قواعد عسكرية فى جيبوتى وعصب بأريتريا، وعلى جزر «ميون» المشرفة على باب المندب، وأقامت مركز قيادة ورصد بجزيرة «زقر» إحدى جزر أرخبيل حنيش فى البحر الأحمر، أقرب المواقع لباب المندب، تشرف على ثلاثة من خطوط الملاحة البحرية، وتعرضت للاحتلال الإسرائيلى قبل حرب 1973.. والإمارات لها قاعدة فى جيبوتى، وأنشأت وجوداً عسكرياً بجزر «سقطرى» فى البحر العربى لخدمة وحداتها البحرية العاملة بباب المندب والساحل اليمنى.. إسرائيل استأجرت ثلاثاً من جزر أرخبيل دهلك من أريتريا «ديسى، دهول، وشومى»، وإيران استأجرت جزيرتى «فاطمة ونهلقة» على خليج ميناء عصب.

جزيرة «تيران» تسيطر على الممر الوحيد لخليج العقبة، حيث يقع فى نهايته ميناء إيلات الإسرائيلى، والعقبة الأردنى، منفذا التجارة الوحيدان لإسرائيل والأردن للوصول لآسيا وأفريقيا، مشروع قناة السويس الجديدة أجهض محاولات إسرائيل تحويل التجارة العالمية لممرات بديلة، عبر أراضيها والأراضى الأردنية، ما يفرض الحذر من رد الفعل، سيطرة مصر على تيران وصنافير تشكل عنصر قوة يوضع فى الحسبان دائماً، ويردع أى تفكير فى محاولة خنق مصر بتهديد الملاحة عبر باب المندب، بالنسبة لإسرائيل الجزيرتان هما المتحكمتان فى شريان التجارة الجنوبى الوحيد، إذا انقطع عُزِلت إسرائيل عن آسيا وأفريقيا، توقفت صادراتها، وانقطعت وارداتها، وأصيب اقتصادها فى مقتل.. بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل أكد «حياة إسرائيل متوقفة على السيطرة على البحر الأحمر»، قرار عبدالناصر بإغلاق المضيق 23 مايو 1967 أشعل الحرب بعد أقل من أسبوعين، إسرائيل حاولت السيطرة على الجزيرتين والمضيق، لكنها فشلت، اتفاقيات السلام وقواعد القانون الدولى فرضت حرية المرور بالمضيق، لكن هذا المبدأ يتم تعطيله فى ظروف الحرب، ما يجعل الحل الأمثل لإسرائيل هو نزع ملكية مصر للجزر، لحرمانها من هذا الحق، إلحاح السعودية فى السيطرة على الجزيرتين يرتبط بترتيبات إقليمية، تسعى من خلالها المملكة للعب دور رئيسى بالمنطقة، والسيطرة على البحر الأحمر، والتحكم فى خطوط الملاحة الرئيسية التى تمر عبره، ما يكسبها تأثيراً إقليمياً ودولياً على نحو يحقق مصالحها، كل الادعاءات عن عدم ارتياح إسرائيل لتسليم الجزيرتين للسعودية لا موضع لها من الحقيقة، فالمملكة قدمت كل مبررات الطمأنينة لتل أبيب.. تمويل التنظيمات المسلحة التى استهدفت الدولة السورية، تمرير تصنيف حزب الله اللبنانى كمنظمة إرهابية داخل الجامعة العربية، إخراج القضية الفلسطينية من الأجندة السياسية للعمل العربى المشترك، سحب تمويل عملية إعادة بناء وتسليح الجيش اللبنانى، وتعهدها بالالتزام بكل ما تفرضه اتفاقيات السلام بشأن الجزيرتين يَجُب أى ادعاءات تتعلق بترتيبات دفاعية تتحايل على قيود كامب ديفيد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل