المحتوى الرئيسى

يتبادلان الانتقادات علناً ويُبرمان الصفقات في الخفاء.. لماذا تعد واشنطن مضطرة للتعاون مع طهران؟

05/30 00:50

في الوقت الذي دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى استراتيجيةٍ إقليميةٍ كُبرى بين الدول السُّنية لعزل إيران، تلقَّت طهران هذا التهديد برباطة جأشٍ مُثيرة للدهشة، وذلك لأن إدارة ترامب أظهرت عملياً استعدادها لإبرام صفقاتٍ تجارية مع البلاد.

ويبدو في الظاهر أن هناك الكثير من الأخبار السيئة في الآونة الأخيرة لإيران، ففي اجتماع القمة العربية الأميركية الذي عُقد مؤخراً في السعودية، كان ترامب في ضيافة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وشهدت القمة إبرام البلدين صفقة أسلحة قياسية بقيمة 110 مليارات دولار.

وقال ترامب أثناء الاجتماع: "حتى يُبدي النظام الإيراني استعداده لأن يكون شريكاً في إحلال السلام يجب على كافة الدول التي لها ضمير أن تتعاون لعزل إيران، وحرمانها من تمويل الإرهاب".

وأكد الرئيس الأميركي أن التوترات التي شابت العلاقات الخليجية الأميركية في عهد باراك أوباما لن تتكرر مع إدارته، وفق تقرير سابق لهاف بوست عربي.

وفي ما بدا أنَّه ردٌّ على صفقة الأسلحة، قال مُرشد إيران الأعلى، آية الله علي خامنئي، يوم السبت الماضي، 27 مايو/أيار، إنَّ هذه الصفقات لن تُغيِّر شيئاً.

وصحيحٌ أنَّ الجانبين الأميركي والإيراني يستخدمان لهجةً حادة في حديثهما، لكن بالعودة مرة أخرى لإيران، سنجدها في انتظار تسليم أسطولٍ من طائرات بوينغ الأميركية الصنع، وذلك نتيجة صفقتين بقيمة 22 مليار دولار تحصل عليها الشركة الأميركية. وكان آخر عقدٍ وُقِّع بين شركة تصنيع الطائرات الأميركية وشركة الطيران الإيرانية "إيران آسمان" بعد شهرين من أداء ترامب اليمين الدستورية كرئيس أميركا، وفقاً لما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز الأميركية.

ويبدو أنَّ ترامب، الذي كانت حملته الرئاسية، أميركا أولاً، تعتمد جزئياً على التعهُّد بإحياء العمالة الصناعية، لم يكن حريصاً على إلغاء أمرٍ كان من المتوقع أن يُوفِّر 18 ألف فرصة عمل.

وأثناء حملته الرئاسية، انتقد ترامب الاتفاق النووي مع إيران، ووصفه بـ"أسوأ صفقةٍ على الإطلاق". لكن في أبريل/نيسان ومايو/أيار وقَّع بهدوء على تنازلاتٍ جوهرية عن بعض العقوبات التي تسمح باستمرار الاتفاق، وتُمكِّن إيران من إبرام صفقاتٍ تجارية دولية، والحصول على الأرصدة التي جمَّدتها الولايات المتحدة منذ فترةٍ طويلة.

وظهر دليلٌ آخر على أنَّ إدارة ترامب مُستعدةً للتعامل مع إيران خلال المؤتمر الصحفي الذي حضره وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، في العاصمة السعودية الرياض، والذي أعقب خطاب ترامب شديد اللهجة. ماذا لو حاول وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الاتصال بتيلرسون هاتفياً؟ قال تيلرسون إنَّه سيرد على المكالمة.

وكان تيلرسون قد قال في المؤتمر: "من ناحية الرد على المكالمة أو رفضها، فلم أغلق هاتفي أبداً في وجه أي شخصٍ يريد التحدُّث أو إجراء مكالمةٍ مُثمرة".

وستواجه الولايات المتحدة وقتاً عصيباً في حل المشكلات بمنطقة الشرق الأوسط بدون تعاون طهران، ففي لبنان، تدعم إيران جماعة حزب الله الشيعية المُسلَّحة، وفي سوريا، تدعم النظام السوري برئاسة بشار الأسد، وفي العراق، تدعم حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي وتُدرَّب ميليشيات شيعية قوية، وفي اليمن، تدعم المتمردين الحوثيين ضد الحكومة إلى حدٍ ما.

ولذلك، يقول بعض المحللون إنَّه سيكون هناك مجالٌ للتسوية إذا قررت الدولتان الجلوس معاً للتحدُّث، على أن تُرخي الولايات المتحدة قبضتها عن الاقتصاد الإيراني مقابل تقديم إيران بعض التنازلات في الشؤون الإقليمية.

وكانت إدارة ترامب قد فرضت سلسلةً من العقوبات على أفرادٍ وشركات بعد أن أجرت إيران اختباراً صاروخياً في فبراير/شباط الماضي. لكن ذلك كان يتماشى مع السياسات التي وضعها الرئيس السابق أوباما.

وفي يوم الخميس الماضي، 25 مايو/أيار، وافقت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ على فرض مجموعةٍ كبيرة من العقوبات على إيران لانتهاكها حقوق الإنسان، ودعمها الإرهاب.

ووافق أعضاء مجلس الشيوخ على ذلك رغم اعتراضات وزير الخارجية السابق، جون كيري، الذي تفاوض على الاتفاق النووي أثناء ولاية أوباما. وفي سلسلةٍ من التغريدات التي نشرها كيري يوم الأربعاء الماضي، 24 مايو/أيار، دعا لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إلى الامتناع عن فرض عقوبات، وحذَّر من "المواجهة دون حوار".

واقترح حسن روحاني، الرئيس الإيراني الذي أُعيد انتخابه مؤخراً، إمكانية ترتيب مفاوضات بين الجانبين بعد أن تحظى إدارة ترامب بمزيدٍ من الوقت في السلطة، وتأخذ طهران فترةً أطول لتقييم الرئيس الأميركي.

وقال روحاني في مؤتمرٍ صحفي الأسبوع الماضي: "ننتظر أن تستقر الإدارة الأميركية الجديدة على تحديد موقفها، وجدول أعمالها، وطريقة تفكيرها. وحينئذٍ، سنحظى بوجهة نظر أدق تجاه واشنطن".

ويُذكر أنَّ إيران والولايات المتحدة قطعتا العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1979، بعد أزمة الرهائن في السفارة الأميركية بإيران. لكنهما تحدثتا مباشرةً خلال المفاوضات حول الاتفاق النووي، والتي بدأت سراً في عام 2013، حتى قبل انتخاب روحاني للمرة الأولى في وقتٍ لاحق من ذلك العام.

ويتعرَّض الرئيس الإيراني لضغوطٍ من بعض المُتشدِّدين في بلاده لوقف المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة. لكن يُمكنه أن يُشير إلى فوائدٍ ملموسة نتجت عن بعض اللقاءات المباشرة مع الدول الغربية. ولم تكن إيران لتصل إلى الاتفاق النووي أبداً دون الدخول في حوارٍ مباشرٍ كهذا، وساعد الاتفاق على تخفيف العقوبات الدولية الخانقة التي تسببت في ركود الاقتصاد الإيراني تماماً، وأجبرت إيران على الجلوس على طاولة المفاوضات.

وتحدَّث روحاني عن الممثلين الأميركيين في المفاوضات النووية قائلاً: "لقد شاركوا في المفاوضات، وحين جلسوا مع ممثلي الأمة الإيرانية، تحدثوا معهم بكل احترام. لقد حققنا نتائج مُربحة لكافة الأطراف، وأعتقد أنها ستعود بالنفع على إيران، وجميع الدول الأعضاء في مجموعة الـ5+1، والعالم بأسره"، حسبما ذكر في المؤتمر الصحفي مستخدماً الاسم الدبلوماسي للدول التي شاركت في المفاوضات: وهي إيران، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وروسيا، والصين، وفرنسا.

ويحتاج روحاني الآن إلى إجراء المزيد من محادثاتٍ كهذه لتنفيذ الوعد الذي قطعه أثناء حملته الرئاسية بالتحرر من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة من جانبٍ واحد، والتي لا تزال تخنق الاقتصاد الإيراني. وبينما رُفعت العديد من العقوبات بموجب الاتفاق النووي، لا تزال العقوبات السارية تعيق البنوك الأوروبية عن توفير التمويل الذي تُعد الصفقات التجارية ومشروعات البنية التحتية في إيران في أمَسِّ الحاجة إليه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل