المحتوى الرئيسى

مَــروى مُحمّد تكتب: «القصيمي».. شيخُ الملاحدة! | ساسة بوست

05/29 18:52

منذ 3 دقائق، 29 مايو,2017

كم من مرة رأينا من يُغيّر وجهه أو يُبدّل جلده، لا أقصد من كانوا يوالون نظامًا سياسيًا ثم اتجهوا إلى آخر، أو من كان يُفضّل ناديًا رياضيًا واكتشف فجأة أنه لا يرقى إلى مستوى اهتماماته.

إنّما أقصد من كان صاحب قضيّة تضرب بجذورها في أعماق أعماق قلبه، ثم هو يهوي بفأسه فيقتلعها من جذورها ويُلقي بها في أقرب مقلب للنفايات.

ومن كان يبكي ويذرف دمعًا خشية الوقوع بأمر، أصبح الآن هو والأمر سواء.

ومن كان يركض ركض الفريسة من الوحش هروبًا وخوفـًا من شيء، أصبح الآن ينام في حِضنه وهو ينعم بدفء أنفاسه !

و«عبد الله القصيمي»، كان بالنسبة إليّ مثالًا مُفجعًا لانسلاخ الإنسان من مبادئه وتحوّله عن كل ما تربّى عليه ونشأ منه.

ولد «القصيمي» عام 1907 بمدينة «حْب الحلوة» بالمملكة العربية السعودية، كانت مدينة مجهولة حتى من المدن المجاورة لها، كان أبوه متشددًا دينيّا وقد طلّق زوجته و«عبد الله» لم يُكمل الرابعة بعد، فعاشت الأم مع ابنها في حالة فقر مرير، ثم حدث أن تقابل الابن مع أبيه وهو في العاشرة، وعاش معه وعايش تعصّبه.

تعلّم «القصيمي» الدين وأصبح شيخًا كبيرًا عالمًا، وقد ألّف العديد من الكتب التي يُعلي فيها من شأن الدين. وقد ألّف كتابًا يزيد عن الألفيّ صفحة أسماه: «الصراع بين الإسلام والوثنية»، ذلك الكتاب أثنى عليه كثيرون، حتى إن بعضهم صرّح بأن القصيمي قد دفع مهر الجنة بهذا الكتاب، ومدحه «عبد الظاهر أبو السمح» أحد أئمة الحرم ومدير دار الحديث بمكة.

ومن يقرأ كتب القصيمي الأولى، فسيجده يبدأ كلامه بالاستعاذة من الكفّار المتشككين، ويسأل الله الهداية والصواب، يقول بمقدمة أحد كتبه «مشكلات الأحاديث النبوية»: «اللهم إنّا نسألك الإيمان والطمأنينة ونعوذ بك اللهم من الشك والحيرة ونهدي لك أتم الحمد والثناء، ونسأله أن يقضي لنا الرشاد والهداية فيما فعلنا، وفيما سوف نفعل«

وصاحب تلك الكلمات السابقة، هو نفسه صاحب تلك القطعة بكتابه «يا كل العالم لماذا أتيت»:

«ذهبت إلى الغار، غار حراء، غار محمد وإلهه وملاكه، إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس، ذهبت إليه استجابة للأوامر. دخلت الغار، دخلته، صدمت، ذهلت، فجعت، خجلت، خجلت من نفسي وقومي وديني وتاريخي وإلهي ونبيي ومن قراءاتي ومحفوظاتي، أهذ هو الغار، غار حراء، هو الذي لجأ واختبأ فيه الإله كل التاريخ».

والشواهد كثيرة، وآيات تحوّله من النقيض إلى النقيض تشهد بها كتاباته، وتنقل لنا القصيمي وكأنه شخصان بجسد واحد.

«هذه هي الأغلال»، يُعتبر كتابه هذا هو نقطة تحوّله ومنصّته التي قام منها بعمليته الانتحاريّة، لكن برغم ذلك حظي الكتاب بثناء كثيرين أمثال العقاد وشيخ الأزهر آنذاك، حيث إنّهم رأوه كتاب انتقاد للتعصّب الديني. و«القصيمي» بهذا الكتاب يلفت النظر إلى كَم المقدّسات الدينية التي تلتفُّ حول العقل العربي وتُعيقه عن معايشة العصر من حوله.

بعده بدأت أفكاره في الظهور على استحياء، كانت تلفت النظر إلى وجود تغيّر لكنها لا تُصرّح بذلك، كما بكتابه «العالم ليس عقلًا»:

«سيجد القارئ في هذا الكتاب أمثال كلمات: إله، آلهة، دين، أديان، نبي. وقد يشعر أحيانًا أنها كلمات لا تحمل الاحترام الواجب لهذه الأسماء، أو أن فيها شيئًا من التهوين والمساس. لهذا ظننت أني ملزم بوضع تصحيح صغير لهذا الذي قد يعد لدى فريق من القراء التباسًا. إني لا يمكن أن أعني بالإله أو الآلهة إله الكون وخالقه وواهبنا الحياة والعقل والخيرات الجمة. وإنما أعني بذلك الطغاة أو الأصنام أو الأوهام أو النظم الاجتماعية المتأخرة الظالمة المنسوبة إلى الإله. وكذلك أعني بالأنبياء والأديان حيثما جاءت في كلامي غير أديان الله وأنبيائه. هذا تصحيح أسجله على نفسي كاحتياط مبالغ فيه جدًا»

بعدها بدأ عقله المُتمرّد يُعلن عن نفسه ويبرزها في الأوساط العربية، فبدأ تمرّده برفضه أي عمل يقوم عليه رجال الدين، ووضع كتابه «حتى لا يعود هارون الرشيد»، بعدها ألّف كتاب «العرب ظاهرة صوتيّة» ووضّح فيه أن العربي يتكلم أكثر مما يفعل، وأنّه لا يُجيد إلا الكلام والجدل البيزنطي.

ترك القصيمي السعودية، وبالطبع لم يستطع العودة إليها مرة أخرى، خصوصًا بعدما أطلق على مفتي السعودية آنذاك «إبراهيم آل شيخ» اسم بابا السعودية، فانتقل إلى مصر وعاش بها حتى تُوفّي بتسعينات القرن الماضي عن عُمر يُناهز التسعين عامًا، وتعرّض لمحاولة اغتيال بعد أن استباح بعضهم دماءه باعتباره مُرتدًا عن الإسلام.

لكن هل توقّف تمرّد القصيمي عند رجال الدين؟ الحقيقة أنّه كان يمتلك نظرة ازدراء للأديان الثلاثة، يرى أنها أكبر إهانة للإله حيث إنها – على حسب رأيه– تُعيق تقدّم الإنسان وباسمها يُرتكب أعظم الجرائم.

ولعلّ القارئ يتساءل، ما الذي دفع ابن المؤسسة الدينية إلى التمرّد عليها؟

فالذي كان يحوطها بذراعيه حماية لها، أطبق عليها ذراعيه في محاولة لتكسير عظمها وإزهاق روحها!

أيكون النقد الداخلي للنص الديني؟ فلعل كثرة الـتأويلات للنص الديني الواحد وكثرة المِلل والمذاهب ومحاولاته للتوفيق بينها – كما بكتاب مشكلات الأحاديث النبوية– قد أصاب عقله بتصدّع ودفعه للانقلاب على كل ذلك والانسلاخ منه.

أم أن التكبّر والغطرسة قد أطلّا برأسيهما – بعد أن ذاع صيته واشتهرت كلماته– فقادته إلى التفاخر والمباهاة ثم إلى التشكيك ثم إلى النفور والهجوم!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل