المحتوى الرئيسى

ندى أحمد تكتب: اختفاء الحضارات في عصر تغير المناخ | ساسة بوست

05/29 17:28

منذ 1 دقيقة، 29 مايو,2017

هل تتخيلون الاستيقاظ يومًا لتجدوا حضارة بأكملها قد غرقت تحت الماء؟ هل يمكنكم تخيل أن مدينة جميلة كمدينة الإسكندرية سوف تندثر بالفعل تحت سطح البحر؟ أو تتآكل شواطئها ليضطر سكانها إلى الهروب منها وتتحول الإسكندرية إلى مدينة يسكنها فقط أشباح حضارة تلاشت ولا يتذكرها أحد؟

لكل حضارة صنعها الإنسان ملامحها الخاصة، التي تولد عندما يتفاعل الإنسان مع الطبيعة المحيطة به، ويخلق سبلاً للتأقلم والتناغم معها، فتعطي الطبيعة للإنسان أكثر مما يتمنى، وتسخر له ما في الماء والسماء وما على الأرض لخدمة منافعه الأساسية للبقاء والاستمرار، ومع ذلك يتمادى الإنسان في طلب امتلاك المزيد في رحلة بحثه عن السلطة والقوة.

خلال المائة عام الماضية، كانت صناعة الوقود الأحفوري مثالاً يحتذى به في كيفية تحول الحاجة الإنسانية إلى صناعة عالمية تروج لسياسة الاستهلاك، بينما تستهلك هي ما تملكه من أناس وأراض وموارد ومنافذ سياسية لتحقيق الأرباح، والهيمنة على العالم، الذي في أمس الحاجة إلى الوقود لتلبية احتياجاته من غذاء ونقل ومعيشة… إلخ.

في عام ٢٠١١ حصلت الخمس شركات الرائدة في صناعة النفط «شيفرون، شل، كونوكو فيلبس، موبيل وبريتش بتروليوم» على عائدات تقدر بـ ٣٦٨ مليون دولار في اليوم الواحد، مما يعادل ٢٦١ ألف دولار في الدقيقة، وبذلك تصل أرباحها مجتمعة إلى تريليون دولار من عام ٢٠٠١ حتى عام ٢٠١١ رغم «خفضهم لإنتاج النفط».

وأعلن صندوق النقد الدولي في تقرير آخر، أن صناعات الوقود الأحفوري بأكملها تنتفع من الدعم المالي العالمي بحوالي ٥٫٣ تريليون في العام، ما يقدر بحوالي ١٠ مليون دولار في الدقيقة الواحدة.

يعد الوقود الأحفوري المسبب الأول والأكبر لكارثة تغير المناخ، والتي تحرز تقدمًا ملحوظًا في إنهاء الحياة بشكل واضح وصريح على كوكب الأرض. تقوم شركات الوقود الأحفوري باحتلال الأراضي المخزنة للفحم أو البترول أو الغاز تحتها، وعندما أقول «احتلال» أعني طرد الأهالي، أو مساومتهم على أرضهم، أو وعدهم بوظائف وأحلام كاذبة واستعبادهم للعمل في الصناعة بأجور مهينة، خصوصًا في صناعة الفحم. تجلب الصناعة تلوثًا لا يمكن لكائن حي تحمله ويُترك الأهالي لاختيارين: إما التعايش مع هذا التلوث ومواجهة أمراض الرئة والسرطان بينما تزدهر الصناعة على أرضهم، وإما النزوح إلى مكان أكثر أمانًا ونظافة. وفي ظل هذا التلوث تتضاءل المصادر الغذائية في الأرض فلا ينمو نبات وتتلوث المياه وتنفق الحيوانات وتصبح الأرض بورًا لا سبيل للعيش فيها. تستنفذ الصناعة كل ما في القاع وحينما ينفذ، تنتقل إلى أرض أخرى وهكذا.

وفي الأماكن غير المأهولة كوسط البحار أو الغابات، وبينما تتكتل عوادم المصانع والأنشطة الأخرى للإنسان المتصاعدة داخل الغلاف الجوي للأرض، تقوم صناعات الوقود الأحفوري بالحفر في أعماق البحار؛ النشاط الذي غالبًا ما ينتهي بتسريب نفطي يغطي مساحات شاسعة من البحر بالنفط ومواد أخرى تقضي على الحياة المائية وتحول بين المحيط ودوره في الحفاظ على توازن درجة حرارة الكوكب. وفي بعض الأحيان ينتهي بزلزال مدمر، كما حدث في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة في ١٩٣٣. وفي الغابات تُقطع ملايين الأشجار وتُهجَر وتُقتل الحيوانات الساكنة هناكـ وتٌدمر وتختفي نظم بيئية كاملة في سبيل الحصول على الوقود وكسب المزيد من الأموال.

تصب كل هذه الكوارث أخيرًا في نهاية واحدة عظيمة: تغير المناخ، يحبس غلافنا الجوي ملايين الأطنان من العوادم والملوثات، ومع تدهور النظم البيئية السليمة في الأزرق واليابس، يصبح الأمر أسوأ. يخزن الغلاف الجوي كل هذه الحرارة التي تقوم بدورها برفع درجة حرارة الكوكب كله، ما نسميه بالمناخ. وبدون مناخ مناسب مستقر، تزول كل أنواع الحياة على الكرة الأرضية.

بسبب الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الحرارة داخل الغلاف الجوي، تذوب أطنانٌ هائلة من الجليد المتكتل في أقطاب الأرض لتصب أخيرًا في المحيطات، فيرتفع منسوب مياه المحيطات ويجتاح الجزر والمدن الساحلية في أشكالٍ متعددة، مثل التسونامي أو التآكل التدريجي للشواطئ. تفيض أنهارٌ عدة في أنحاء العالم وتُغرق أراضي زراعية ومدنًا مأهولة. وفي أنحاءٍ أخرى، تجف أنهار بأكملها في أعوام قليلة. ارتفاع درجات الحرارة الملحوظ يزيد من ملوحة التربة مما يدمر الإنتاج الزراعي والموارد الغذائية المحلية والعالمية. تتضاءل سبل الحياة على الكوكب كله بسبب ما تسلبه صناعات الوقود الأحفوري والدمار الذي تتركه وراءها.

كيف تتأثر الحضارات الإنسانية بتغير المناخ:

تعتمد كل حضارة إنسانية قائمة بشكل أساسي على موارد معينة تستمد منها طرق مختلفة للبقاء كالغذاء والتجارة وغيرها، ومع هذه الموارد تتكون عادات وتقاليد تميز هذه الحضارة عن غيرها. ففي مصر، قامت الحضارة منذ الأبد على الزراعة في منطقة دلتا النيل، وعلى الصيد في المدن الساحلية في البحر المتوسط والبحر الأحمر. تعتمد حضارات أخرى على مصدر واحد أو أكثر للازدهار، ويختلف معها ما تكون من عادات خاصة وتراث حضاري ينقل من جيلٍ لآخر. ولكن في عصر تغير المناخ، تصبح هذه الحضارات مهددة بالزوال.

في جزر المالديف، يستخدم السكان الأصليون تقويمًا يسمى ناكاي. يتبع هذا التغيرات في الطقس وارتفاع وأماكن النجوم. لقرون عديدة، تحدد ناكاي أفضل وقت لصيد الأسماك والسفر والزراعة وقطف المحاصيل وبناء المنازل، وحتى الزواج. ومع ذلك، بسبب تغير المناخ، هذه الطريقة التقليدية لم يعد موثوقًا بها من قبل سكان المالديف.

وفي إقليم الهيمالايا في نيبال، تعاني الممارسات الزراعية لقرية دي مثل الرعي، فنسبة الثلوج اليوم أقل مما كانت عليه في السنوات السابقة، وتجف مصادر المياه الأخرى الموجودة بالقرية ومعها حقول العشب، وبالطبع يحكم هذا على الماشية والأغنام بالموت. يحتفل السكان في المنطقة لقرون بمهرجانات تسمى لوشار ويارتونغ يساهم فيها كل بيت بالحبوب لصنع الغذاء للقرية بأكملها، وتتخذ هذه المهرجانات الطعام والشرب والغناء والرقص ملامح لها، ولكن بسبب تقلص الإنتاج الغذائي وتضاؤل الثروة الحيوانية في الآونة الأخيرة، يجد السكان صعوبة بالغة في مواصلة هذه التقاليد.

أما حضارة الأنديز، فهي تتكون من العلاقة الوطيدة بين سكانها والجبال. فتتميز جبال الأنديز بغطائها الجليدي والذي بدأ في الاختفاء بسبب ارتفاع درجة الحرارة. ويقول بن أورلوف، عالم الأنثروبولوجيا في جامعة كاليفورنيا في ديفيس، الذي درس مجتمعات الأنديز منذ السبعينات: «الجبال تمثل الحياة اليومية بالنسبة لسكان الأنديز، الناس يتحدثون عنها ويمارسون طقوسًا خاصة بها. اسوداد هذه الجبال هو أمر مقلق للغاية». ومع أن حياة السكان هناك قائمة على التأقلم مع درجات الحرارة المنخفضة جدًا، كونهم يعيشون على ارتفاع ١٥,٠٠٠ متر فوق سطح البحر، إلا أن التأقلم مع التغيرات المناخية هو تحدٍ جديد. ويوضح القس أنطونيو سانشيز- غواردامينو والذي عمل مع سكان الأنديز لعقود، «إذا اختفى الجليد فسيختفي السكان أيضًا، فسوف نُترك بدون ماء، وسوف تختفي المراعي والحيوانات. كل شيء مترابط، ومشكلة ذوبان الأنهار الجليدية هي أن مصدر الحياة يجف».

أما منطقة الأمازون فتعاني من إزالة وتجزء الغابات وبالتالي، فإن المزيد من الكربون الذي يتم إطلاقه في الغلاف الجوي يؤدي إلى المزيد من التغييرات المناخية. وتسبب الجفاف في عام ٢٠٠٥ في حرائق في منطقة الأمازون الغربية، ومن المرجح أن يحدث مرة أخرى، مما يؤثر بشكل هائل على سبل عيش السكان الأصليين في هذه المنطقة.

ولا تخل الحضارات الأفريقية من آثار تغير المناخ، بل تُعد أكثرها تأثرًا. فبالإضافة إلى موجات الجفاف الحادة على جنوب القارة والذي يترك العديد من الشعوب في تفرق بحثًا عن حاجاتهم الأساسية كالماء والغذاء، يهدد ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط بأن يغرق حوالي ٣٠% من دلتا النيل في مصر خلال الخمسة عشر عامًا القادمة. وبالنسبة لمدينة ساحلية كالإسكندرية، فإن ارتفاع منسوب البحر متر ونصف يعني تهجير أكثر من واحد ونصف مليون مصري. وقد تم رصد العديد من التغيرات بالفعل في مظاهر الحياة بمصر، فالعديد من الصيادين يشكون انخفاض حاد في الموارد السمكية وظهور أنواع جديدة من الأسماك المهاجرة، وأصابت موجات الحر الشديد البلاد في الأعوام الأخيرة لتهدد مظاهر حياة المصريين في أشهر مثل شهر رمضان وغيره من الاحتفالات، فعجز الناس عن الذهاب لعملهم أو أداء أنشطتهم الدينية والاجتماعية، حين تعدت درجات الحرارة ٤٥ درجة مئوية.

وفي قائمة أعدتها منظمة اليونسكو للتراث العالمي، فإن حوالي ٧٠٠ موقع أثري حول العالم مهدد بالاختفاء بسبب تغير المناخ، وسيكون منها أكثر من ٤٠ موقعًا تاريخيًا مهددًا بالغرق تحت سطح البحر خلال الـ٢٠٠٠ سنة القادمة، إذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية درجة مئوية واحدة. وقال بن مارزيون، وهو باحث في معهد بوتسدام لبحوث التأثيرات المناخية، «سيغرق ١٣٦ موقعًا تاريخيًّا تحت مستوى سطح البحر في المدى الطويل إذا لم تتخذ إجراءات حماية». وأضاف، «الحقيقة أن المد والعواصف قد تؤثر بالفعل في هذه المواقع الحضارية في وقت قريب جدًّا إذا لم يؤخذ تغير المناخ بعين الاعتبار».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل