المحتوى الرئيسى

رسالة إلى الله

05/27 23:07

ورأيتني -يا رب- قد ذهبت مغاضِبة فقذفتْني رحمتك في بطن الحوت؛ لأسبح بحمدك، ووجدتْني على شاطئ التوبة ملفوفة بالندم!

ظلَّ سيدي يونس يلاحق قدري وأنا في رحمتك طمعت مثله وزيادة.

ورأيت سيدي محمداً يسير من الطائف، دامع العينين كسير الخاطر، حتى مكة وقد دُميت قدماه من جهالة البشر ونزفت أيامي معه نزفاً لا يراه الناس وتراه أنت.

ورأيت غربتي حين أخرجه الكفار من وطنه مكة وسار يودِّعها ويستودعها، فكنت معه في المنفى والوطن الثاني يثرب، أنتظر -يا رب- أن تغمرني بلطفك وتطيِّب خاطراً كسره العبيد وتجبره أنت.

ورأيت معصيتي وقبليتي وفتنتي وأنا أنظر في حال موسى يقتل من استنصروه عليه ويخرج خائفاً يترقب.

وقد قتلت -يا رب- أعدائي في رأسي ألف مرة ثم نظرت في رحمتك بكليمك وعفوك عنه فخجلت ثم خجلت.

ورأيت وحدتي وعزلتي وموسى يجلس ضائعاً لا يعرف إلى أين، تحت الشجرة يناجيك: رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين.

ولمحت الحياة والحب والرحمة منك ترسلها له في هيئة فتاة أرادت أن تسقي واجتنبت العالم ووقفت تصبر على مشاقّ أقدارها، فجاءها رزقها في هذا القوي الأمين.

ورأيتني أخرج مع موسى في وجه فرعون وأبصر الحق في حروفه وتحديّه الذي أرسلته له مع الآيات إلى من قال: أنا ربكم الأعلى.. ونظرت كيف صارت معجزتك تلقف ما يأفكون وتهوي بقلوب العصاة كل يوم إلى وديان طاعتك.

وعلمت صبرك -يا رب- على عبيدك كلهم؛ فرعونهم وموساهم، وعلمت أني من دونك متروكة متروكة لا أجد ملجأً ولا مفراً.

ورأيت معجزاتك كلها تشرق في ظلمة عالمي وكيف شققت البحر لمن لا يجد سبيلاً للنجاة إلا أن يقول إن معي ربي سيهدين.

ورأيتني أقف في الصحراء مع نوح لأصنع بإرادة الله ما يظنه الناس عبثاً وأحمل فيها من كل زوجين اثنين وأنتقي من الصالحين في عالمي لأنجو يوم تأمر البحر والسماء بإغراق المجرمين.

ورأيت حزن نوح وتفطُّر قلبه على ولده العاصي، وتسليمه لك يا رب وأنت تدعوه أن يترك فلذة كبده وتخبره بأنه عمل غير صالح، فينجو الأب ويهلك الابن وتبقي مشيئتك.

وأيقنت أن الحياة ما هي إلا طوفان متواصل ينقطع موجُه برحمة منك عن عبادك الصالحين ثم يعود فيغمرهم ويلقيهم من قاعٍ إلى قمة ومن حال إلى حال.

وكأن الأصل فيها غرق فنجاة، وتلك الأنفاس التي نلتقطها من حين إلى آخر في شكل رفيق صالح أو بسمة طفل أو ساعة نذكرك فيها ونؤمن بأنها ما هي إلا استثناء ورزق ترسله للناس كيف تشاء ونفحة من جناتك ووعدك الذي تبشر به من آمن من عبادك.

ورأيتني على صهوة عمر يجوب يثرب ليلاً بحثاً عن مسكين يُعينه أو ذي حاجة، يقضيها خائفاً من يوم حسابك القريب.

فوقع في قلبي أن المساكين هم سبيل الصالحين إليك، وقد كان سيدي محمد يدعوك أن تحشره في زمرتهم.

وي كأن هذه الحياة لا تساوي أكثر من اختبار واحد أنجح فيه أو أرسب، وأن طمعي في عفوك وخجلي من غفلتي، وظني الجميل في توفيقك وسترك لَهما سبيلي الأوحد إلى النجاة من هذه الدنيا.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل