المحتوى الرئيسى

دراما «الهمبكة».. و«ورش» الأسطوات

05/27 22:11

زمان.. وفى لقاء بين وزير الثقافة والفنانين، وقف الفنان الكبير «رشدى أباظة» طالباً الكلمة.. فإذا به لم يقل أكثر من أربع كلمات: «السينما همبكة يا سيادة الوزير».

وكان يقصد بهذه الجملة المقتضبة أن المستوى الفنى للأفلام المصرية ردىء ومتدنٍّ، وهو خليط من «الهلس» والكوميديا الهابطة القائمة على المواقف التافهة والمبالغات الممجوجة والتهريج الرخيص أو الميلودراما الفاقعة المعتمدة على فواجع الصدف ولامنطقية الأحداث، مع كثير من المغامرات والعنف والرقص الشرقى والبذاءات الجنسية مما يشبه الآن توليفة «الراقصة والبلطجى والفرح الشعبى».. باختصار، كان يريد أن يقول إن السطحية تتفوق على العمق.. والتفاهة على قوة المضمون.. وتراجع مناقشة مشاكل الواقع وقضايا المجتمع المعيش لحساب أشرطة مسفة لا تحمل قيمة ولا هدفاً.

والحقيقة أنه رغم مرور السنوات الطوال على ما صرح به «رشدى أباظة» لا يمكننا أن نلمح إلا تدهوراً متزايداً فى مستوى السينما المصرية، بل تفاقماً فى تدنى الحوار الدرامى بصفة خاصة واستخدام مفردات بذيئة ومنحطة وخلاعة ورقاعة ليس لها مثيل.

انتقلت هذه المفردات للأسف الشديد إلى التليفزيون.. الذى كان «متحصناً»، و«معقماً»، تمارس رقابته تسلطاً وعنتاً وصلفاً على الإبداع والمبدعين.. فأصابت فى جانب وخابت فى جانب آخر.. أصابت فى حجب طوفان البذاءة الذى غمر السينما، وخابت فى تقليص حرية الإبداع.

وإذا كانت السينما المصرية فى تاريخها كله منذ نشأتها حتى الآن لم تقدم إلا عدداً محدوداً من الأفلام رفيعة المستوى وسط ركام من آلاف الأفلام متواضعة القيمة، فإن التليفزيون المصرى -الذى وُلد عملاقاً- بدأ بداية قوية فيما يتصل بالدراما التليفزيونية بفضل رواده وبفضل عدم استناده إلى سوق البيع والشراء والإعلانات فظل يقدم خدمة ثقافية وفنية وفكرية للمتلقى.. ثم بدأ رحلة التدهور التى اعتمدت بالإضافة إلى سوق الإعلانات على سيطرة النجوم حيث انقلب الهرم منذ سنوات ليست بالقليلة وأصبحت المسلسلات الدرامية سلعة تباع وفقاً لأسعار النجوم وبالتالى فقد أصبح النجم -أو النجمة- الأعلى أجراً هو -أو هى- المتحكم فى محتوى العمل ومضمونه وفى كل العاملين به ابتداءً من المؤلف والمخرج... وحتى الكومبارس. ثم أصاب السوق الكساد وبدأ التخبط المتمثل فى الأخبار المتضاربة التى تعج بها الصحف فى صفحاتها الفنية.. المحطات والقنوات التليفزيونية التى تعرض المسلسلات توقفت عن سداد مئات الملايين الخاصة بحقوق المنتجين لديها.. وبالتالى فقد توقف المنتجون عن الإنتاج.. ومع ذلك -وفى مفارقة غريبة- لم يتوقف النجم أو النجمة عن المطالبة بأجور أعلى.

بل إن الأغرب أن تتجه بعض شركات الإنتاج إلى إنتاج مسلسلات طويلة تصل إلى 60 حلقة.. مثلما تفعل الدراما التركية.. وسبب الغرابة السؤال الذى يفرض نفسه: أى تناقض هذا بين الإفلاس، وبين الإيحاء بالرواج.. أقصد بين التوقف عن الإنتاج الذى أعلنته بعض الشركات إزاء كف يد أصحاب القنوات فى دفع مستحقات المنتجين؟ فما هذا التناقض؟

ثم إنه مما يدعو إلى الأسى أن شركات الإنتاج تلك، ومؤلفى المسلسلات ومخرجيها، لم يتفضل أحد منهم بالحديث أو التفسير أو التوضيح.. أو الإفادة.. أو الإجابة على السؤال المهم: ما السبب الجوهرى لأن يقع المسلسل فى 60 حلقة.. هل ينوون أن يعيدوا تقديم ملاحم «ليالى الحلمية» أو «رأفت الهجان».. أو «بوابة الحلوانى» بأجزائها المختلفة الممتدة.. أم أنه سوف تسود دراما «الهمبكة»؟!

للأسف فإن دراما الهمبكة أصبحت هى البديل العصرى أو الأساس الحقيقى للبناء الدرامى للمسلسلات التليفزيونية تمييزاً عن الدراما (العجوز) التى ابتدعها الرواد منذ الستينات وسار على نهجها كتاب السيناريو من الأجيال التالية.. هذه الدراما الشبابية هى حصاد ما يسمى «الورش».. ذلك النظام الذى حاول البعض من كتاب «الصدفة» و«الردة الحضارية والثقافية والفنية» التى نعيشها الآن أن يعتمدوا عليها ويدشنوها (بالتواطؤ) مع المنتجين الجدد.

ونظام الورش يعنى أن يشترك مجموعة من كتاب السيناريو الهواة أو اثنان منهم كحد أدنى فى كتابة وصياغة وتوليف العمل الدرامى برئاسة أو تحت ملاحظة «منسق» أو «مشرف عام» يكون هو «الألفة» وهو الذى يختار هذه المجموعة وفقاً لتصوره أو رأيه أو «استلطافه» لهم ليكون منهم فريق عمل ويوزع عليهم المهام فهذا يكتب المشاهد الخاصة بالبطل وعلاقته بالبطلة والثانى يكتب المشاهد الخاصة ببعض الشخصيات الرئيسية والثالث يختص بتأليف الأحداث ورابع يهتم بالشخصيات الثانوية و«الكاركترات» وخامس يؤلف الحوار وسادس يطعم هذا الحوار ببعض «اللزمات» أو «الإيفيهات» ثم يقوم «الألفة» بمراجعة العمل ومحاولة ربط عناصره المفككة ليصبح نصاً تليفزيونياً.. هو خليط مشوة لثقافة وفكر ورؤية وتصور ووجهة نظر وأسلوب وطريقة وذائقة الفرسان الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة المشتركين فى تلك «الطبخة» المنفرة التى لا تحقق اتساقاً أو ترابطاً أو منطقاً أو جمالاً يجمع بين عناصرها.

أهم أخبار توك شو

Comments

عاجل