المحتوى الرئيسى

د.محمود الحوت يكتب: دين لا يرهبه تجمع قوى الجاهليةِ.. تأملات في سورة المسد | ساسة بوست

05/27 18:42

Follow @Check out د.محمود الحوت (@dr_elhoot): https://twitter.com/dr_elhoot?s=08

منذ 4 دقائق، 27 مايو,2017

 من الواضح أن وقت نزول السورة كان في خضمِ العداوة التي أبدتها قريشٌ تجاه الرسول ودعوته وأتباعه من المؤمنين، وفي سياقِ حملات الأذى والتطاول والبذائةِ التي قادها أبو لهب ضدهم. 

وكانت سخافات أبي لهب وزوجه وحربهما على النبي والمؤمنين قد بلغا مبلغًا كبيرًا. فجاءت الآيات قوية عنيفة في مبانيها ومعانيها تدق على رأس الشقيّ أبي لهب وزوجهِ أم جميل وتصفع وجهيهما، وتكلل هامتيهما بالعار والشنار، وتَرْجِمَهما بالذل والإهانة وتتوعدهما بعذاب مؤكدٍ في النار ذات اللهب. 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴿٢﴾ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿٣﴾ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴿٤﴾ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴿٥﴾.

هذه الآيات سورةٌ من خمسِ آيات، ليس لها من أغراض القرآن المكي وأهدافه إلا المواجهة لرموز الكفرِ والعداوةِ، والرد الحاسم والمتحدي لطليعة القائمين على إيذاء النبي والمتصديين لدعوته، وفضح رأسٍ من رؤوسِ الكفرِ وطواغيتَ مكة مع زوجته الشيطانة المتحالفة معه وتوعدهما بالعذاب.

كانت الدعوة سريةً في بدايتها، يدعو الرسولُ الناسَ فردًا فردًا، وكذلك تحرك المسلمون الأوائل بالدعوة في أرجاء مكة، يتَّخيَّرون من يتوسمون فيهم التجاوب مع الدعوة ويتَّصِفون بِعُزُوفِهِم عن طبائع الجاهلية الاجتماعية الفجة، وعن الإغراق في الإمساكِ بعقائدها الفاسدة.

من المؤكدِ أن أخبارًا عن هذهِ الدعوة، وعن النبي قد تسربت إلى بعضٍ من أهل مكة، في وقتٍ ما برغم التحوط والتَّحرز.

وربما تُثارُ تساؤلات يصعُبُ الإجابة عليها، عن مضمون تلك الشائعات والأخبار التي يتلقاها أهل مكة فتشكل ردودُ فعلهم الأولى؟ وعن مدى تَطابُقِ الأخبار المتسرِبةِ مع الحقيقةِ؟ وكم كان حجم الأخبار الصادقة في خِضَّمِ الأكاذيب التي أُشيعت عن النبي ومن معه وعن دعوته وما جاء به من قرآن؟ وكيف كان تفاعلُ المكيِّين مع تلك الأخبار؟ وماذا كانت ردودُ أفعالهم؟ والمدى الذي وصلت إليه تلك الردود؟

ومن الذين توَّلَّوا من المكييِّن التصدي بالقولِ أو بالفعلِ لِما سمعوه عن محمدٍ ودينِهِ؟

ربما يكون قد حدث من أهل مكة بعضٌ قليلٌ من الأفعال والأقوال المؤذية في فترة الدعوة السرية.

وبالجهرِ بالدعوةِ (ربما في العام الثالث من البعثة) بعد أن أذِن الله للنبيِّ بذلك، بدأت قُريشٌ تتململ وتُبدي غضَبَها تِجاه الدعوةِ الإسلامية الناشئة من خلالِ بعضٍ من صنادِيدِها وعَوَّامِها.

وكان النصيبُ الأوفَّرَ من الغضبِ والعداوةِ والبغضَّاءِ تجاه النبيِّ محمدٍ ودينِهِ يتمَّلَّك رأسَ الكفرِ، وهو عم النبي أبو لهب عبدالعُزى بن عبدالمطلب، وامرأته أم جميل أروى بنت حرب.

قام أبو لهب الكافِرُ بالله والمُبْغِضَ للرسولِ ولدعوتِهِ بالتصَّدي بكل أنواعِ الأذى للنبيّ وللمسلمين، ولم يتوان أو يتوقف عن هذا، حتى مقْتَلَهُ يوم بدر.

حين وقف النبي – صلى الله عليه وسلم – على جبل الصفا، ودعا الناس ليجتمعوا، وأعلن لهم دعوته، ردَّ أبو لهب فقال له: تبًّا لك يا محمد سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزلت الله السورة.

وبنفس الكلمة التي دعا على النبي وقذَفَّه بها تنزل الآيات والسورة مبتدئةً بها: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ.

* أن يكون أبو لهب عَمًّا للنبي، ويكون له الدور الأبرز في التصدي للنبي وللإسلام، وأن تأتي سورة من القرآن تصم ذلك الرجل بالعار وتتوعده وزوجِه بالعذاب في آيات يتلوها المسلمون آناء الليلِ وأطراف النهار، يتلوها في صلاتهم ويعبدونه بتلاوتها إلى ربهم، فذلك يعني:

– أن صلات الدم والرحمة والعصبية العشائرية ليس لها فضل في حمل الدعوة وأنصارها، وحتى لا يأخذ البعض الحماس، فيظن أن دور السيدة خديجة والعم أبي طالب في دعم النبي في دعوته يعلي من شأن أواصر القرابة والرحمِ فوق صلة العقيدة والإيمان.

– وأن التحدي المُعجِز حين يُبرمَ القرآن حُكمًا على أبي لهبٍ وزوجه بأنهما سيبقيان على الكفر حتى موتهما، وبعد نزول تلك الآيات تمضي الدعوة سنواتٍ في مكة وأخرى في المدينة، وينتشر الاسلام وينتصر ويدخل الكثيرون في هذا الدين، ويبقى أبو لهب وزوجه على كفرهما حتى الموت، مؤكدين أن الآيات الشريفات أنزلها عالم غيب السماوات والأرض.

– وأن هذا الدين لا يهادن في الحق.

– أن هذا الدين لا ترهبه قوى الجاهليةِ وإن اجتمعت على عداوته، فلا يخفت صوته ولا يتأنىَّ أو يبطِئَ في إنشاء منهجه وإرساء قيَّمِة واستكمال بنيانه.

– وأنه في الوقتٍ الذي كان المسلمون فيه قِلَّةً منبوذةً محاصرةً، يصدر قرآنهم وتأتي آيات ربهم تُتلى على مسامعِ الجميعِ تُسقِطُ الهَيّبةَ وتنضو بالكرامةِ عن أبي لهبٍ وزوجِه، هجّوًّا وتشهيرًّا بهما نظير إجرامهما، وتتوعدهما بالنارِ والجحيمِ في الآخرةِ مع خزيٍ وعارٍ في الدنيا لا تمحوه كلماتٌ أو يتناساه الزمان.

– في آياتٍ قصيرةٍ تحفظُها قرائِحُ العربِ ذات الحفيظة اللغوية والشعرية الرحيبة، وتتناقلها السنَتُهم في حِلِهم وترحَالِهم وأسواقِهم ومواسِمِ حِجِهِم، يأتي هَجوٌّ يفوقُ ما تجودُ به قرائِحُ شعرائهم في قوته وصِدقِه وفي انتشاره وخلودِهِ.

– تُرىَ كيف تلقى أبو لهب قولَ القرآن فيه؟ وأي عارٍ لَحِقه؟ وأي غضبٍ استبدَّ به وبزوجتهِ؟

– وماذا خطط ليردَّ على آيات القرآن التي ذكرته والتي يتلوها محمد وأصحابه؟

– وهل كل ما استطاعت امرأته فعلِه هو محاولة إلقاء الحجر الى النبي وهو متوسدٌ الكعبة، فأعماها الله عنه؟

– أي عارٍ ومذلةٍ لحقِا بالرجلِ في قومِه؟

– لم نعلم أو يصِلنا ما يدُل على أنه تمكن هو أو زوجتِه من الثأرِ لنفسِيهِما من المسلمين لما جاء بِهِ القرآن عنهما.

– بنزولِ الآيات يعلم مشركي مكةِ وما حولها أن ربَ محمدٍ، إله هذا الدين الذي ما تزال دعوته غضةً في بدايتها، ربهم ورب آبائهم الأولين، لا يهادن أعداءه وأعداء دينه، الذين يؤذون رسوله وأولياءه. وأن رب محمدٍ وإلهَ هذا الدين لا يلقي لمراكزهم القَبَلِّية والعائلية أو لأوضاعهم الاجتماعية بالًا، ويعرفون أن قوة الحقِ الذي يصدَع به محمد – صلى الله عليه وسلم – لا تجامل أو تماري أو تمالئ لقرابةٍ أو لسلطان، ولا تخيفها همجية وجبروت الآخرين، ولا توهن عزمها قلة وهوان الأنصار أو استضعاف المؤمنين، ولا تردعها حسابات ومواءمات للمحافظة على أن تمضي الدعوة في مسارٍ آمنٍ، إن الحق أبلج وطريقه واضحٌ، وكلّما بدا على الدربِ عارضٌ يُواجَه بما يستحِقَه.

ولن توقِف الدعوة والرسالة مصاعب ولا مكائد، ولن يهزِمها تكاتف وتحالف قُوَى الشَرِ والكفرِ أو تعاونها على الإثمِ والعدوان.

وتمضي الدعوة وتلك الآيات القرآنية تُتلى على الناس، ثُمَّ يقرأها المسلمون في صلاتهم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل