المحتوى الرئيسى

فلسطين فى القلب | المصري اليوم

05/27 01:14

شاهدت فيلم «ميونخ» للمخرج «ستيفن سبيلبرج»، الذى يحكى عن قيام مجموعة مسلحة من الفلسطينيين باستهداف الرياضيين الإسرائيليين فى دورة ميونخ عام ١٩٧٢. وعلى عكس توقعى لم تستغرق مشاهد احتجاز الرياضيين الإسرائيليين إلا دقائق معدودات.

الفيلم بأكمله يتحدث عما بعدها. حينما قررت جولدا مائير استهداف جميع من خططوا لهذه العملية وقتلهم شر قتلة. المعضلة كانت أن عمليات الاغتيال سوف تتم فى الدول الأوروبية، ولم يكن ممكنا أن تقبل حكوماتها استباحة إسرائيل أمنها، ولذلك استدعت طبيعة العملية أن تغسل إسرائيل يدها من الأمر، وقطع كل علاقة لها مع منفذ العملية.

لم يكن لدى شك –وأنا أحتشد لمشاهدة الفيلم- أن المخرج اليهودى سوف يكون متحيزا لإسرائيل.

وقد كان.. حرص المخرج أن يتعمق بنا فى حياة البطل الإسرائيلى الذى وقع على عبئه قيادة الفريق المكلف بالاغتيال. حبه لزوجته، كيف يطارحها الغرام، كيف يرفض خيانتها من غانيات حاولن غوايته، اشتياقه لابنه، كيف يتجمد وهو يمسك سماعة الهاتف عندما يناغيه ابنه الوليد!. هكذا حدث المحظور وتوحدنا مع البطل المفترض، الذى حرص على إعلان أنه ولد فى إسرائيل، وعاش لإسرائيل وسيموت فى سبيل إسرائيل!.

وهكذا بدأت عمليات الاغتيال. معروف أن المشاهد يتوحد دائما مع البطل. هذه هى غواية السينما وخطورتها وقدرتها على غسل العقول. ها هو ذا يبدأ فى اصطياد السياسيين الفلسطينيين أعلام المقاومة، يتلاعب المخرج فى عقولنا. صحيح أنهم ينفذون اغتيالات خارج دائرة القانون، بدون المثول أمام القاضى الطبيعى، لكنهم فى الوقت نفسه تحكمهم اعتبارات أخلاقية. خذ عندك على سبيل المثال عندما تم تركيب قنبلة فى الهاتف، وردت الطفلة، ابنة السياسى الفلسطينى على الهاتف، فإن البطل اليهودى أخذ يجرى كالمجنون لإيقاف العملية، قبل أن يتم التفجير عن بعد. وعندما غادرت الطفلة البيت تم تنفيذ العملية. وكان المعنى واضحا: الإسرائيليون ينتقمون لشهدائهم ولكن تحكمهم معايير أخلاقية: إنهم لا يقتلون الأطفال.

وقس على ذلك الفيلم بأكمله. شعور غريب جدا عندما تشاهد أحداثا تاريخية من وجهة النظر الأخرى، بعين العدو، الذى يرى أبطالك سفاحين وسفاحيهم أبطالا. وهكذا تتباين الرؤى البشرية ويختصم الناس، ثم يحكم الخالق، جل جلاله، فى يوم الفصل بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون.

تتابعت عمليات الاغتيال ووصل المعنى المقصود. إسرائيل تريد السلام ولكنها تستطيع أيضا الدفاع عن نفسها. للأمانة حاول ستيفن سبيلبرج أن يطرح فكرة أن الاغتيالات ليست حلا، فكلما اغتالوا قائدا ظهر من بعده قائد، فى إشارة لضرورة حل المعضلة سلميا!.

لكن المخرج لم يملك شجاعة الاعتراف أن هذه الأرض لم تكن أرضهم قط. وأن هؤلاء المهاجرين من أوروبا، تدفعهم وعود توراتية لا يعترف بها أصحاب الأرض، قدموا لكى يذيقوا المستضعفين النار والدمار ليستولوا على أرضهم، ببساطة مثلما يقتحم أحد بيتك –عزيزى القارئ- ويخرجك منه، أو يقتلك إن أردت الخروج، وكل شرعيته تتمثل فى كتابه المقدس الذى لا تعترف أنت به!.

سيظل ما حدث فى فلسطين عارا على البشرية، وجرحا داميا لضمير الإنسانية، التى قبلت ببساطة أن يُقتل ويُشرد أبرياء لمجرد أنهم ضعفاء. والأعجب إعطاء الشرعية لكيان يهودى، فيما يُحرم على المقاومين رفع راية الإسلام!.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل