المحتوى الرئيسى

«القضاء مسئولية - مبادئ - رجال - مهارات» 2- الأنبياء والقضاء

05/26 21:50

لم يحرمنا القرآن من عطر النبوات السابقة، فمع فريضة الإيمان بهم وفريضة عدم التفريق بينهم فتح القرآن مساحة لذكر بعض أخبارهم ومآثرهم على البشرية. ومن هذه الأخبار الكريمة ما حكاه القرآن الكريم عن النبى العظيم «داوود» عليه الصلاة والسلام. ذلكم النبى الرسول والمتحمل لمسئولية الملك والقضاء فى أمته.. فانظر حجم المسئوليات (نبوة/ رسالة/ ملك/ قضاء) وانظر إلى سلوكه واعتصامه بربه وعدم الغرور بما أتيح له من عطايا إلهية.

يقول تعالى: ((وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَٰذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَة وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعا وَأَنَابَ)).. ومع هذه الآيات يتصور القارئ والسامع هذا المشهد المفزع: مشهد اقتحام خصمين لمحراب الملك النبى «داوود» صلى الله عليه وسلم.. نعم مشهد مفزع ومخيف، فهذا بيت الملك ومقر حكمه (المحراب) وقع تحت السيطرة... اثنان مجهولان يدخلان المحراب من على السور!!! وإذا كان بيت الملك ومحرابه قد وقع تحت سيطرة المقتحمين فكيف حال بيوت المدينة ومتاع الناس.. لا شك أن الأمر قد أصابه خلل، وأن الأشرار قد تمكنوا من أعلى البيوت حصانة وتأمينا، فهذا هو بيت الحاكم قد تم اقتحامه من أعلاه.. فهنا بدا على داوود الفزع ((فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ)).

فلماذا لم ينكر داوود على الخصمين دخولهما من أعلى السور وليس من الباب؟

لم ينكر عليهما هذا لأنه أدرك أن باب البيت مغلق فى وجه الراغبين.. إذا كان داوود عليه السلام قد أغلق الباب ليخلو عابدا.. ولا يصح أن يغلق بيت القاضى ولا بيت الحاكم ولا مقرات الحكم، فتلك المقرات ضمانات استقرار وأمن للبلاد والعباد...

وعلى المتولى لمنصب القاضى أو المسئول أو الحاكم التزام لا محيد عنه وهو«عدم الانفراد بالوظيفة» بمعنى أنه لابد وأن يكون له مساعد أو نائب يحل محله ساعات الراحة اليومية وساعات الإجازات العارضة وساعات الإجازات الطويلة... فوظيفة القاضى ووظيفة الحاكم والوظائف العليا العامة وظائف ذات درجة أهمية عالية لا ينبغى أن يغلق لها باب أو يتغيب المسئول عن مباشرتها..

والقاضى والنبى والحاكم ما هو إلا بشر يحتاج إلى الراحة، ويحتاج إلى النوم كما أنه مثل سائر الناس بحاجة إلى الإجازات والسفر وهو كغيره معرض للمرض إلخ فكيف يبقى ديوان الحكم وديوان القضاء مفتوحا 24 ساعة؟

الحد الأدنى أن يكون للمسئول وللقاضى زملاء مساعدون، أو نواب يحلون محله، أو مناوبون يتداولون المسئولية طوال الـ 24 ساعة. وقد أحسنت الحضارة الحديثة فى استمرار عمل النيابة العامة 24 ساعة وعمل الشرطة 24 ساعة.

ولذلك لم يسأل نبى الله داوود هذين الخصمين لماذا دخلتما من السور؟ لأنه أدرك أنه هو السبب بإغلاقه للباب وعدم تعيين نائب يقوم مقامه.

فأول ضوابط العدالة الناجزة: تأسيس المحاكم بنسب ملائمة لعدد السكان، وتنصيب العدد الكافى من القضاة الذى يضمن عدم إرهاق القاضى من كثرة القضايا الملقاة عليه. وثانى الضوابط عمل المحاكم جميع الأيام مثل عمل النيابة العامة. وثالث الضوابط تيسير التقاضى إذ يكفى المواطن أو المقيم على أرض البلاد أن يذهب إلى المحكمة فيجد فيها من يستمع إليه ومن يساعده على كتابة أو رفع الدعوى.. مع أهمية مجانية التقاضى. فالقضاء أحد أركان الدولة وهو ضمانة الاستقرار فلابد من مجانيته حتى لا ييأس معدم أو فقير فيضطر إلى السفر لبعد مقر المحكمة.. حيث أن بعد مقر المحكمة يسبب إرهاقا للمظلوم كما يسبب إرهاقا للشهود.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل