المحتوى الرئيسى

لقد حلم يوماً بالثورة

05/25 22:05

أنه منذ قليل كان واقفاً مستمتعاً بلحظات هذا الربيع الجميل، وبشمسه المشرقة التي تداعب هوائه؛ فتارة تتلاعب أمواج هوائه بأشعتها المستقيمة فتلتف عليها حتى تهزمها، وتسبق تلك الأشعة إلى خصلات شعر هذا الشاب الربيعي فترقص طرباً فوق رأسه، وتتلاعب بالشعيرات الصغيرة في جنباته فتدفع القشعريرة جسده إلى الرقص رغماً عنه، وتارة أخرى يظهر الشعاع مدى حديته وسرعته فيسبق إلى الجسد ويحقنه بهدوء الدفء، ويخدره قليلاً حتى يستمتع بلحظات ذكريات عقله التي تنتعش في سكون العينين والحركة.

أما غذاء روحه الحقيقي، فهي تلك الزهور الوردية والنبتات الصغيرة الخضراء التي زرعها بنفسه، والتي أسماها "أحلامه"، بذر حباتها الرقيقة منذ أمد، وانتظر مستمتعاً كثيراً حتى رآها تخرج من طور الخيال إلى حيز الوجود، ينظر إليها كل يوم وكل صباح ليغذي روحه -المجهدة صبراً- بجمالها.

وفي تلك اللحظات وفي أوج استمتاعه بيومه، حدث ما يكتب في عنوان فصله: "فانتازيا..لكنها حدثت "

جلس متكئاً على أطراف أصابعه؛ ليستمتع برحيق الزهور عن قرب حتى لا يغير الهواء من كثافة الرحيق شيئاً أثناء وصوله لأنفه وهو واقف.

وفي نظرات حب وضحك متبادلة مع الزهور، وبينما كان يداعب عودها الرقيق بأطراف أصابعه.. فجأة تحول ابتسامات النبتات وضحكات الزهور إلى نظرات سكون ومكر، ثم عداوة، وفي لمح البصر إمتدت هذه النبتات -بسرعة نبضات قلبه المتفاجئة ذعراً- إلى قدميه فالتفت حولهما فأسقطته طريحاً على ظهره، وهو -من هول ما يرى- أصيبت ردات فعله الطبيعية السريعة بالصدمة التامة فأغشي عليه.

امتدت النباتات سريعاً بعدما حنطت قدميه بعيدانها الخضراء_ التي تحولت إلى سوداء لامعة_ إلى جسده وذراعيه فصنعت منهما قطعة جماد حية.

دارت عيناه إلى الزهور الساكنة، فوجدها تحولت إلى زهور كبيرة بعض الشيء وقرصها الوردي أصبح كفم سمكة مرعبة بأسنان دائرية، ومن ثَم طارت إلى جسده تلتهم قطعةً قطعةً منه في ضربات كوبرا سريعة متتالية مؤلمة لجسده، لكنها أشد إيلاماً على روحه!

وهو كل ما فعله الصرخات المكتومة والدموع التي أصبحت كشلال صغير هادئ ينحدر في طرقات وجهه الواجم، ومع مرور الوقت تحولت الصرخات والدموع إلى ضحكات عالية مصنوعة من خلايا عقله التالفة جنوناً مندهشاً، وخزائن ذاكرته المتقدة عتاباً ميؤوساً، والذي يراه من بعيد، يظنه مستمتعاً فرحاً يتلاعب مع أزهاره ونباتاته الرائعة.

أتدري ما يقتله كمداً؟ أن السهم الذي أصابه أتى من أحلامه وأمانيه وفي أجمل ربيع عمره!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل