المحتوى الرئيسى

"الأمراء الثلاثة" ورابعهم تميم.. صراع العروش في الخليج (تحليل)

05/25 19:33

"انقلاب وشيك في دولة الإمارات".. كانت هذه فحوى التصريح المنسوب إلى الفريق "خالد الحميدان" رئيس الاستخبارات السعودية في نهاية يناير الماضي، حيث جرى تداوله باعتباره جزءا من حوار للحميدان مع موقع هيئة الإذاعة البريطانية.

وبعد مرور ساعات من انتشار التصريح، تبين زيفه، وأنه من صنع "هاكرز محترف"، ليختفي تلقائيا من شاشات الانترنت، باستثناء بعض المنصات والمواقع التي استمرت في ترويجه لأسباب سياسية.

كان هذا هو السيناريو المتوقع مع الحوار الذي بثته وكالة الأنباء القطرية الرسمية منسوبا إلى أمير قطر، ثم عادت بعد حوالي ساعة ونصف لتعلن أنه "مفبرك" وأن موقعها الإلكتروني تعرض للقرصنة.

لكن المفاجأة تمثلت في استمرار أذرع إعلامية محسوبة على الإمارات والسعودية في التعامل مع الحوار باعتباره حقيقيا، حاشدة عشرات المحللين والخبراء للتعليق على ما ورد به، حيث انهالت الاتهامات وسهام النقد على الدوحة، متجاوزة السقوف المعتادة في مثل هذه المواقف.

فالعلاقات الخليجية الخليجية لم تكن بمنأى يوما عن الخلافات التي تندلع من حين لآخر بين الدول العربية، إلا أنها دوما حافظت على "سقف ما" لا تنحدر دونه، فالتجريح الشخصي أو المساس بالحكام والأسر المالكة كان من المحرمات، لذا كان شائعا أن تتصارع الدول الخليجية عبر وكلائها وأذرعهم الإعلامية.

وفيما تستمر "كرة الأزمة" في التدحرج نحو هاوية لا يمكن التنبؤ بمداها، يبدو هذا التصعيد الذي لم تسبقه مقدمات تبرر حدته، عصيا على الفهم، فالاتهام (السعودي – الإماراتي) لقطر بأنها "تغرد خارج السرب" ليس بجديد، وتباينات الطرفين تجاه الملفات الإقليمية، أمر واقع يتم التعايش معه منذ اتفاق المصالحة الخليجية، الذي جرى توقيعه في نوفمبر 2014، وبمقتضاه عاد سفراء الدول الثلاث للدوحة مجددا.

أي محاولة للفهم لا يمكن أن تتم بمعزل عن المعطيات التي تمخضت عنها زيارة ترامب للرياض، والقمم الثلاث التي عقدت خلالها، فمقابل العقود والصفقات الهائلة التي حصل عليها الرئيس الأمريكي، هناك من يعتقد في الرياض وأبو ظبي أن بحوزتهما "ضوء أخضر" أمريكي لتهيئة البيئة الإقليمية، ومن ضمنها دول الخليج، لمرحلة الصراع المفتوح مع إيران وأذرعها الإقليمية، وهو ما يستوجب أيضا تهيئة البيئة الداخلية، من خلال حسم صراعات السلطة، وإنهاء تهديدات المنافسين السياسيين.

وفي هذا السياق، تبرز شبكة علاقات معقدة بين "المحمدون الثلاثة"، وهم محمد بن نايف ولي عهد السعودية، ومحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، ومحمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، إضافة إلى ضلع رابع هو أمير قطر "تميم بن حمد".

فـ"محمد بن سلمان" يدرك أن وصوله للحكم يستوجب إبعاد "محمد بن نايف" من طريقه، وأن يتم ذلك في حياة والده الملك "سلمان بن عبد العزيز"، لأنه إذا ما رحل سلمان عن الحكم، ومحمد بن نايف في منصبه، فإنه سوف يتولى مقاليد الحكم تلقائيا، وفي هذه الحالة، لن يختلف مصير "بن سلمان"، عما فعله هو نفسه مع أبناء الملك الراحل "عبد الله بن عبد العزيز".

أما بالنسبة لمحمد بن زايد، فرغم كونه المتحكم في مقاليد الحكم في أبو ظبي، في ظل المرض العضال لشقيقه الأكبر "خليفة بن زايد"، فإنه هو الآخر ليس بمنأى عن صراعات ودسائس الحكم، سواء من أبناء "خليفة"، الحاكم الرسمي، أو من أشقائه، الذين لا يتقبل بعضهم تفرده بالسلطة، فضلا عن غموض مصير ولاية العهد، في حال تولي "محمد بن زايد" الحكم، هل ينتقل لأحد أشقائه، أم إلى أبنائه.

ولعب خبر الانقلاب المفبرك، على وتر تلك الصراعات المكتومة، متحدثا عن مؤامرة يدبرها "سلطان بن زايد"، القائد السابق للقوات المسلحة الإماراتية ونائب رئيس الوزراء السابق، للإطاحة بمحمد بن زايد.

وإذا كان كل من "محمد بن سلمان" و"محمد بن زايد" يجمعهما الرغبة في الصعود لسدة الحكم رسميا، فإن غياب الكيمياء والتفاهم بن "محمد بن نايف" و"محمد بن زايد"، يدعم من تحالف الأخير مع "محمد بن سلمان"، وهذا التناغم المفتقد تربطه تقارير إعلامية بتسريبات نشرها موقع "ويكيليكس" قبل عدة سنوات لمحمد بن زايد، تحدث خلالها بشكل حاد عن وزير الخارجية السعودي الراحل "نايف بن عبد العزيز"، والد ولي العهد الحالي.

وفي مقابل ذلك، فإن "محمد بن نايف" تربطه علاقة قوية مع الأمير القطري "تميم بن حمد"، وهو ما يفسر كونه "مهندس" اتفاق المصالحة الخليجية مع قطر في نوفمبر 2014، حيث ضغط بقوة لتمرير الاتفاق، في الوقت الذي كان فيه "محمد بن زايد" يضغط على العاهل السعودي الراحل "عبد الله بن عبد العزيز"، لتصعيد الضغوط على الدوحة، ورفض التهدئة.

تحالف "محمد بن سلمان" و"محمد بن زايد" تم تعميده بالنار، من خلال التحالف الإماراتي السعودي في حرب اليمن، وهي المعركة التي أراد من خلالها "بن سلمان" تحقيق انتصار سريع وحاسم، يقوده إلى سدة الحكم ويزيح من طريقه "محمد بن نايف"، الذي تشير الدوائر السعودية لتحفظه على مغامرة التورط العسكري المباشر في اليمن.

ورغم ضخامة النيران التي استخدمها التحالف، وما صاحبها من حشد إعلامي، إلا أن النتائج كانت مخيبة للآمال، وأصبح واضحا أن البلدين في طريقهما للسقوط في "مستنقع اليمن"، وهو ما مكن "محمد بن نايف" من استعادة جزء من زمام الأمور، حيث بدأ في فرض وجهة نظره القاضية بالاعتماد على أطراف يمنية تقاتل على الأرض، بينما يقتصر دور التحالف على الدعم الجوي.

ولجأ "بن نايف" للاعتماد بشكل أساسي على حزب الإصلاح، الذراع اليمني لجماعة الإخوان، باعتبارهم القوة الأكثر تأهيلا وقدرة على مواجهة الحوثيين، وهو ما أثار غضب أبو ظبي، المعادية بشدة للإخوان المسلمين، ودفعها لدعم الحراك الجنوبي في عدن، الذي يكن عداء شديدا للإخوان، بسبب دورهم في قمع محاولة انفصال الجنوب عام 1994.

وهكذا تحول تحالف البلدين في اليمن إلى صراع شبه علني، خاصة بعد القرارات الأخيرة للرئيس اليمني التي أقال بموجبها قادة محسوبين على الإمارات، وعين مكانهم آخرين مقربين من السعودية وحزب الإصلاح.

وفي ظل هذه الأجواء الملتبسة، جاءت زيارة ترامب للرياض، وما صاحبها من اجتماعات وقمم، واحتفاء سعودي باذخ، لتدشن جولة جديدة من صراعات الحكم والنفوذ بين دول الخليج، فـ "بن سلمان" يسعى لوراثة الحكم، و"بن زايد" يسعى ليس فقط لوراثة الحكم، بل ولتكرار النموذج القطري في التسعينات، عندما نجحت تلك الإمارة الصغيرة في لعب دور مؤثر في ملفات إقليمية مهمة، عبر مزيج من إغراء المال وسطوة الإعلام ومغازلة الشارع.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل