المحتوى الرئيسى

التعافي بالرقص والإيمان بتمجيد لحظات الحياة.. هذا هو سر السعادة في "ساحرة بورتبيللو"

05/25 11:23

"ولكن لا أحد يُشعل مصباحاً في مكان مخفي أو تحت المكيال؛ بل يرفعه على المنارة ليرى الداخلون النور".. إنجيل لوقا.

يستفتح الكاتب البرازيلي باولو كويلو روايته "ساحرة بورتبيللو"، الصادرة عام 2006، بهذه الآية على عادته في بدء رواياته بأسفار الأناجيل المختلفة، التي يظهر مقصوده منها خلال قراءتنا للرواية؛ إذ يشتهر باولو بكتابته عن الأديان والعقائد، وإظهار جوانبها السمحة وتعايشها مع الآخرين عبر أحداث حياتية تجعل القارئ يرى نفسه بين السطور.

تحكي الرواية قصة أثينا أو "شيرين"، الفتاة الغجرية اليتيمة والمتبناة من قِبل عائلة لبنانية أرستقراطية، تضطر العائلة إلى الهجرة للمملكة المتحدة إثر الحرب الأهلية اللبنانية لبدء حياة آمنة هناك.. غيّرت العائلة اسم شيرين ليصبح أثينا؛ حتى لا يؤثر اسمها العربي في انخراطها بالمجتمع الغربي، وبالطبع نحن نشبه أسماءنا، فأثّر اسم إلهة الحرب والحكمة عند الإغريق على حياة شيرين في كل شيء.

يسرد باولو الرواية بطريقة مختلفة عما اعتدناه؛ إذ نتعرف إلى أثينا، وما تعيشه عبر رؤية الأشخاص الذين مروا في حياتها؛ هيرون راين، الصحفي البريطاني، هو أول المتحدثين، ويحكي كيف تعرف إلى أثينا ووقع في حبها.

يفسر باولو الآية في بداية الكتاب على لسان هيرون؛ إذ يقول: "لا أحد يشعل نوراً ليستره، الهدف من النور هو خلق مزيد من النور، لفتح عيون الناس، لكشف الجمالات من حولنا"، ثم يعبر عن حزنه لرحيل أثينا عن الحياة، ويتمنى لو استمعت إلى نصائحه وتجنبت مصيرها المشؤوم.

تدين أثينا بالكاثوليكية وتأثرت بشدة بـ"الأم تيريزا"، كذلك تؤمن بالاتحاد الصوفي والجسدي مع الله، تتحدث والدتها كيف اختاروها من أحد ملاجئ رومانيا؛ بسبب أحد أصدقاء والدها، وكيف ظهرت عليها علامات التدين منذ الصغر، كذلك كانت تتحقق رؤاها دوماً بشأن حياتهم، إحداها كانت عن الحرب في لبنان؛ ما دعا والدها لأخذ قرار سريع بشأن الهجرة بناءً على رؤياها التي كانت حقة مثل العادة.

يروي لوكاس، زوج أثينا السابق، قصة تعارفهما في الجامعة، وكيف أخبرته بأنها تريد ترك الدراسة وسلك درب آخر غير ما يصنفه العالم من النجاح والفشل، أرادت أن تتزوج وتنجب طفلاً، تزوج الثنائي رغم رفض عائلة لوكاس الثرية للزواج وللكنيسة في آن، لم تستمر سعادتهما طويلاً؛ شعر لوكاس بعد الزواج بأنه كان وسيلة أثينا للإنجاب فقط، ومع صغر سنه ومسؤوليته الكبيرة لم يستطع تحمُّل تذمر زوجته بشأن اهتمامه القليل بطفلهما وانفصلا أخيراً.

اعتادت أثينا الذهاب للكنيسة للصلاة والترنيم، فكانت تتعبد بالغناء، وتتحدث مع صديقها الوحيد الأب فونتانا، الذي زوّجها وشهد على كل المشكلات التي صادفتها بعد الإنجاب، ولكن يتغير كل شيء بعد الطلاق؛ إذ يرفض الأب تقديم القربان المقدس لها لأنها مطلقة، هنا لعنت أثينا المكان الذي مجّدته؛ إثر الإهانة وغلق باب الارتياح والصلاة في وجه قلبها الجريح جراء ما تراه الكنيسة ذنباً.

تغيرت حياة أثينا بعد الطلاق، وبدأت في العمل تزكيةً من والديها لدى أحد البنوك، وعاشت منفردة مع طفلها؛ وتعرفت إلى مالك المبنى الذي يعلمها أحد طقوس الرقص الذي اشتُهرت به قرية في سيبيريا، واستخدمته للتعافي والتواصل مع النور المنبعث من داخلنا.

جعل الرقص حياة أثينا تتبدل إلى الأفضل، وبدأت في نشر طقوسه عبر زملائها بالعمل؛ ما رفع إنتاجية عملهم.. ترى أثينا ضوءاً خلال رقصها يخبرها بأن تذهب لما هو أبعد من ذلك، فتسافر إلى الشرق الأوسط للعمل في فرع البنك هناك، وتبحث عن مُعلم عربي مسلم يعلمها فن الخط.

يخبرها المعلم أن الصبر شديد الأهمية لأنه يجعلنا يقظين، وينصحها بأن تتخلص من شعور النبذ الذي يملأها بالغضب وتذهب لترى والدتها البيولوجية، وتحاول معرفة سبب تخليها عنها. خلال رحلة بحثها عن والدتها الغجرية، تلتقي أثينا الأشخاص الذين أثروا في مسيرتها، مثل الصحفي هيرون والطبيبة إيدا التي أصبحت مرشدتها الروحية.

تتعرف أثينا إلى والدتها الغجرية التي تؤمن بأن الأرض أساس كل شيء، وتناجي الخالق عبر عبادة الكون، لا تسامح أثينا والدتها لتخليها عنها، لكن ينتابها الارتياح عندما علمت أنها كانت محبوبة من والدتها ولم تُنبذ دون سبب.

تكتشف أثينا بعد مغامرات عديدة أن ما تشعر به من لحظات انخطاف في أثناء الرقص؛ لأنها تجسيد لـ"آيا صوفيا" الأم، أو ما يطلقون عليه في اعتقادهم وجه الله الأنثوي، لذلك أصبحت تعقد اجتماعات للرقص وتعلم كيف نرى من خلاله أرواحنا، أيضاً أصبحت قديسة اشتُهرت بأنها تخبر الغيب وتتحدث عن الحب.

على الرغم من اتهام آباء الكنيسة لها بأنها ساحرة وتدعو إلى الوثنية، فإنه أصبح لها مريدون كثر، وعرفت بـ"ساحرة بورتبيللو"؛ نسبة إلى مكان سكنها في لندن، وتلقت تهديدات بالقتل، حتى ظهرت حادثة قتلها في الصحف وخمدت ذكراها قليلاً.

يميز الرواية طريقة سردها المختلفة عن المعتاد، كذلك انفتاح باولو ودمجه لعدد من الثقافات والديانات في آن معاً، فقد تحدث عن المسيحية، والإسلام، والديانات الوثنية القديمة وذكر بعضاً من حكايات الميثولوجيا الإغريقية.

لكن يعيب الرواية الملل الذي يصيب القارئ بسبب بعض الشخصيات غير المحورية وتحدثها عن أثينا، رغم عدم معرفتهم الوثيقة بها، ودون أن يؤثروا في مجرى الأحداث، كذلك لم نرَ جديداً من باولو؛ فها هو يتحدث مثلما عهدناه في رواياته، مثل: بريدا عن السحر، وتقديس الأنثى، والعقائد الدينية الوثنية، والتقمص والانخطاف الذي يصعب على كثيرين تقبلهما؛ نظراً لخلفيتهم المتدينة من الديانات السماوية.

لكن، قد يتمكن بعضهم من إخراج بعض أفكار الرواية ذات الأصول الوثنية من إطار التقديس، والعبادات، لتصبح أشبه بروحانيات ونظرة فلسفية مختلفة عن العالم وما حوله وفق ما نؤمن ونعتقد، دون المساس بهويتنا الدينية.

كذلك، نرى باولو يبرز العري على أنه أحد الحلول للتحرر والتخلص من قيود الذات وآلام الماضي؛ ما يجعلها أحد مساوئ الرواية، بالإضافة إلى صياغة الترجمة التي جعلت بعض الجمل غير مترابطة معاً.

ترصد الرواية أن الأم الكبرى أو الذات الإلهية تكمن داخل ذواتنا، ما وراء صورة أرواحنا وهي انعكاس لقلوبنا البشرية، ولنتواصل معها علينا فقط تمجيد الحياة ونمتن لما يحدث لنا ولوجود الكائنات من حولنا.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل