المحتوى الرئيسى

البدايات والنهايات فى «الثلاثية» | المصري اليوم

05/24 01:28

المفارقة بين البدايات والنهايات أمر لطالما أثار شجونى. عندما أغمض عينى وأتذكر الأشخاص الذين عرفتهم فى رحلة الحياة، كيف بدأوا وكيف انتهوا لا أكاد أصدق. هذا الفتى الوسيم جدا، الذى كان يكبرنى بعام، والذى تتمتع أسرته بالثراء العريض والسلطة، من كان يصدق أنه سيموت فى حادثة مفاجئة؟

تالله كم تباينت حظوظ الحب فى دفعتنا! الفتاة الحلوة التى حسدتها البنات، وتقطعت عليها قلوب شباب الدفعة، من يصدق أن الفشل كان عنوان زواجها؟ هذا الشاب الثرى الذى تزوجته كم سامها سوء العذاب قبل أن تستطيع الخلاص منه! فيما الفتيات العاديّات اللواتى لا يملكن حظا يُذكر من الجمال، نجحت زيجاتهن، وعشن فى استقرار وسعادة!

وقس على ذلك حظوظ النجاح: كيف صار هذا الطالب متوسط المستوى ناجحا مرموقا، وهذا الفتى النجيب لم يصادف التوفيق الذى كان يستحقه!

وحتى حظوظ السلطة والمكانة الاجتماعية. هذا الرجل المهم، الذى ما إن يصل إلى مكان حتى يتكهرب، كيف تحول إلى رجل عادى لا يبالى به أحد؟

وحظوظ المال: ذلك الفتى الذى ورث ثروة طائلة عن أبيه فأضاعها وصار معدِما! أما زميله المفلس الذى كان يرنو إليه فى حسد، فقد جمع الملايين فوق الملايين، غير الأراضى والعقارات!

المفارقة الواسعة بين البدايات والنهايات حقيقة شهدناها جميعا. ولأن ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين/ قصر الشوق/ السكرية) قد تابعت ثلاثة أجيال، فقد تجلت فيها هذه المفارقة الواسعة! السيد أحمد عبدالجواد، الممتلئ صحة وفتْونة، والذى يسهر فى كل الليالى مع شلة مختارة من أصدقائه فى مجال الأنس والطرب، انتهى به الحال مشلولا، لا يسليه إلا الراديو! أما زوجته أمينه، المكافحة الصابرة، التى لا تفارق البيت أبدا، والتى أوشك زوجها أن يطلقها لأنها خرجت لزيارة الحسين مع أبنائها دون إذنه، صارت فى ختام الرواية هى التى تزور مساجد آل البيت حتى تدعو لزوجها بالصحة!

خديجة البنت الكبرى، قليلة الحظ من الجمال، والتى كانت تحسد شقيقتها عائشة بارعة الحسن، كيف انتهى الحال بكلتيهما؟ مات زوج عائشة وأبناؤها فأنهكها الحزن، وذهب الجمال القديم، وتحولت إلى شبح، بينما سعدت خديجة بحياة زوجية هادئة مستقرة! وانعكس الحال فصارت خديحة هى التى تخشى على مشاعر عائشة كيلا تقارن حظوظهما!

كمال عبدالجواد تحول من الإيمان الشديد إلى الشك والإلحاد! صديق صباه إسماعيل، شديد المشاغبة، الذى دأب على مخادع الخنا والدعارة، صار زوجا مستقيما هادئ الطباع يعود إلى البيت قبل الثامنة. وصديقه الآخر فؤاد، ابن العامل فى محل أبيه، والذى كان يرتدى ملابسه القديمة، ويداهنه من أجل أن يدفع تكاليف السينما، صار قاضيا خطيرا يطمح إلى مصاهرة الباشوات، بل يأبى أن يصاهر ولى نعمته!

عايدة، الفتاة التى تكبره بعامين، والتى أحبها كما لم يحب شاب فتاة، سار فى جنازتها بعد عشرات الأعوام، دون أن يعرف أنها جنازتها! بنت الأكابر والباشوات أفلس والدها وتنكر لها زوجها، فصارت زوجة ثانية لمفتش فى الوزارة. وشقيقها حسين شداد، الذى كان صديق الروح والفكر، وتألم غاية الألم من سفره خارج البلاد وكأنما انشقت روحه نصفين، قابله بعد عشرة أعوام كما يتقابل الغرباء، وقد تغير كل شىء فيهما.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل