المحتوى الرئيسى

بين سيناء والبصارطة.. قصة فشل العسكر

05/23 17:14

عادت قرية البصارطة مرة أخرى لبؤرة الأحداث بعد الأنباء الواردة من هناك بحالات هدم لمنازل عدد من رافضي الانقلاب العسكري، ورموز جماعة الإخوان بالقرية، في مشهد يذكر بممارسات قوات الاحتلال الصهيوني لمدينة القدس مع بيوت شهدائها ومقاوميها، عجيب أمر عسكر مصر مع تلك القرية التي لا تكاد ترى على خريطة البلاد.. فما قصتها؟ ولماذا كل هذا الحقد على البصارطة؟!

أسئلة كثيرة يلاحقني بها أصدقائي في كل مرة تتجدد فيها أخبارها كوني من أبناء دمياط الغالية، وتعود بي الذكريات عن البصارطة إلى قبل ثورة يناير/كانون الثاني بفترة طويلة، وتحديداً إلى منتصف التسعينات.

على ضفاف بحيرة المنزلة تطل القرية الجميلة، المشهورة بجودة صناعة الأثاث الدمياطي العريق، والمعروفة بطيبة أهلها وقوة ترابطهم، فيتشاركون في الأفراح والأتراح، ووسط تلك البيئة الطيبة انتشرت دعوة الإخوان المسلمين بقوة بين أبناء القرية، وكان لفضيلة الشيخ حمدي عبد الغني الواعظ بالأزهر الشريف -رحمه الله تعالى- والأستاذ علي بحيري دور رائد في إقبال أبناء القرية على دعوة الإخوان.

وأسهم شباب الجماعة، وعلى رأسهم الشيخ حمدي عبد الغني -رحمه الله- في بناء أول معهد أزهري بالمنطقة وانتشار كتاتيب القرآن، وتخريج أعداد كبيرة من حفظة كتاب الله، وشكلت جماعة الإخوان بالقرية قوة دعوية واجتماعية وسياسية لا يستهان بها، فضلاً عن قوتهم التصويتية التي أربكت حسابات النظام مع كل حدث سياسي أو استحقاق انتخابي، فشهدت البصارطة معارك ضارية بين أهالي القرية وقوات الأمن، التي تحاول منعهم من التصويت أو حتى الوصول للجان الاقتراع، كما حدث في انتخابات 1995 وانتخابات 2000 رغم وجود إشرف قضائي و2005، وفي كل مرة يتم فيها اعتقال عدد من أبنائها، وخاصة رموز الإخوان بالقرية، وتشهد القرية أحداثاً تشبه انتفاضة فلسطين كما شبَّهتها بعض وسائل الإعلام حينها؛ حيث إحكام الحصار عليها والاعتقالات العشوائية واإطلاق قنابل الغاز والرصاص المطاطي وسقوط بعض المصابين جراء الاشتباكات.

ومنذ ذلك الوقت والنظام الحاكم لا ينسى لتلك القرية الأبية صمودها وتحديها لبطشه، وما إن هبَّت على مصر نسائم ثورة الخامس والعشرين من يناير وتنفست عبق الحرية، حتى خرجت القرية بشبابها وفتياتها وأطفالها في مسيرات وتظاهرات حاشدة ومتواصلة نقلتها وسائل الإعلام، وظلَّت على حراكها حتى تنحَّى مبارك.

وعقب الانقلاب العسكري على أول تجربة ديمقراطية بمصر وعزل الجيش لأول رئيس منتخب، لم تقبل البصارطة بفكرة الاستسلام لدهس الدبابات صناديق الاقتراع وإرادة الشعب، فواصل أبناؤها انتفاضتهم وحراكهم بشكل مبدع منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وبعد مجزرة فض رابعة ابتكر شبابها فعالية أسبوعية يومي الخميس والجمعة تشبه منصة رابعة إحياءً وتقديراً لشهدائها، الأمر الذي دفع العسكر للانتقام من البصارطة عبر سلسلة من الانتهاكات المتواصلة حتى الآن.

أكثر من 6 مرات يتم فيها حصار القرية لعدة أيام وشن حملات اعتقال ودهْم وتكسير للمنازل، وأحياناً حرق المنازل بما فيها، سعياً لكسر إرادة أهلها ومحاولة إبعاد الناس عن احتضان الإخوان، وذلك خلال أقل من أربع سنوات، خلفت ثمانية شهداء من خيرة شباب القرية، وألف معتقل من أبناء البصارطة وحدها، بحسب تصريح مصدر أمني لصحيفة الوطن المصرية بتاريخ 17 أبريل/نيسان الماضي، فيما تُتداول أخبار عن تعرضهم لتعذيب بشع في مقار الاحتجاز، وبينهم رجال تعدوا الخمسين من أعمارهم.

أما آخِر مشاهد انتقام العسكر من البصارطة فكان هذا الحصار الظالم المضروب حول القرية منذ ما يقارب الشهرين؛ حيث قامت قوات الأمن من مختلف التشكيلات القتالية في يوم 27 مارس/آذار 2017، بفرض حصار مشدد على كافة مداخل القرية، وتواصل اقتحام منازل رافضي الانقلاب وحرق وتدمير محتوياتها، واعتقال وإخفاء قسري لعدد كبير من أبناء القرية بحجة المسؤولية عن مقتل "خفير" لقي حتفه على يد ملثمين يعلم الجميع أنهم من تجار المخدرات، واستغل الأمن تلك الحادثة لتصفية حساباته مع شباب القرية الذين قضّوا مضاجع العسكر بحراكهم الذي لم يهدأ يوماً.

وشهدت تلك الحملة المسعورة قتل الشيخ محمد عادل بلبولة، أحد خطباء الأزهر الشريف، بعدما اعتقلوا زوجته ضمن ما عرف إعلامياً بقضية فتيات دمياط، ثم أحرقوا منزله عدة مرات لدفعه للتخلي عن موقفه الرافض للانقلاب، خوفاً من تأثيره الكبير في أوساط الشباب، حتى لفَّقوا له أكثر من عشرين قضية وحكم عليه بما يقارب 80 عاماً، لكن جنود الفرعون كان لهم رأي آخر فقاموا بتصفية الشيخ المسالم بعد اعتقاله؛ ليرتقي شهيداً يشكو إلى الله طواغيت العسكر.

حقد وعمى العسكر أسفرا عن 8 شهداء جلّهم من الشباب و1000 معتقل، فضلاً عن عشرات المطاردين، فاتورة إباء وشموخ قرية أصيلة من عمق الريف المصري، يخشى النظام العسكري المهترئ تحوّلها وأخواتها الخياطة ودلجا وناهيا وكرداسة وغيرها، إلى كرة ثلج كبيرة تجر باقي مدن ومحافظات الجمهورية للانتفاضة في وجه الظلم والثورة على العسكري الفاشل الذي سرق حلم المصريين في حياة كريمة ووطن متقدم وعزيز.

ويتساءل كثير من المراقبين عن سر ظهور قوات الأمن بتلك الجاهزية والعنفوان مع أهالي البصارطة بينما لا يسمع لهم صوت ولا أثر في مواجهة إرهابيي ولاية سيناء، حتى سيطروا على مساحات من سيناء وطردوا وهجروا بعضاً من أهلها! وقوى الأمن وقوات مكافحة الشغب والتشكيلات القتالية عاملة "ودن من طين وأخرى من عجين" ثم تذهب لتستعرض عضلاتها على العزل المسالمين في البصارطة!

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن حتى متى يتم التنكيل بالشعب إرضاءً لشخص مريض نفسياً؟! وتدمير مكتسبات الوطن بشكل ممنهج، بينما لا أحد ممن استأمنهم الشعب على مؤسساته وممتلكاته يمتلك صوتاً وشجاعة ليقول للجنرال "ارحل يا فرعون فقد مضى عهد الخوف".. كما أطلقها الشاعر الأبي هاشم الرفاعي -رحمه الله- قائلاً:

جلاد مصر ويا كبير بغاتها ** مهلا فأيام الخلاص دواني

من أي غاب قد أتيت بشرعة ** ما إن يساس بها سوى الحيوان

وبأي قانون حكمت فلم تدع ** شيئاً لطاغية مدى الأزمان

أم ذاك رأي الشعب وهو مكبل ** فحياته والموت يستويان

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل