المحتوى الرئيسى

بعد الهجوم عليه.. حكاية 40 ألف أجنبي يدافعون عن «كعبة مصر»

05/22 18:31

ساحة يختلط فيها طلبة العلم المصريين بالأجانب من الجنسيات المختلفة، تراهم في كل ركن يلتفون في حلقات دائرية حول علماء أزهريون، يتدارسون العلوم الشرعية

هكذا يكون المشهد في أروقة الجامع الأزهر، الذي يحتضن طلبة العلم الوافدين إليه من كل حدب وينسلون، لينهلوا من العلوم الشرعية، ولكن هل يقوم الأزهر بتخريج هؤلاء جيلا من الدواعش كما يحلو للبعض أن يوجه هذه التهمة للمؤسسة الأعرق مؤخرا ؟.

بمجرد الدخول إلى صحن الجامع الأزهر ترى حركة لا تهدأ من الشباب والفتيات، يتسابقون إلى حضور مجالس العلم، كل منهم يتخذ وقعا له في الرواق الذي يدرس فيه، أو يرتكن إلى عمود رخامي بدت عليه علامات من الماضي العريق لهذه المكان يسرد ، الأذكار على مسبحته ينتظر قدوم شيخه.

بين عمودين يجلس شيخ على أريكة خشبية ويحيط به جمعا من الرجال والنساء يغدق عليهم من فيض علمه، وينصتون إليه في خشوع وخضوع، يختم حديثه بدعاء يرتله ويميل برأسه يمينا ويسارا "ياغياث المغيثين أغثنا"، يرفع تلاميذه أيديهم إلى السماء مرددين خلفه في تضرع وخفية "آمين".

وبجوار المنبر يجلس شباب يرتدون العباءة والعمامة يرتل كل منهم آيات من القرآن الكريم، يختبرهم شيخهم أيهما أعذب صوتا وأحسنهم تلاوة ليظفر بإمامة المصلين في التراويح خلال شهر رمضان .

حين تقلب نظرك في الحضور بساحة المسجد ترى أكثرهم شباب وفتيات ينتمون لدول آسيوية، بعضهم يجلس في حلقات دائرية يتدارسون كتب بين أيديهم، وآخرون يستندون إلى الأعمدة يشغلون أوقاتهم بقراءة القرآن وتدارس معانيه .

بجوار أحد الأعمدة الرخامية يجلس "محمد أزهر أنس"، صاحب الجنسية الإندونيسية، يعلو ويخفض برأسه في حركة تلقائية ممسكا بمصفحه يرتل بعض من آياته، يهيم في أجواء روحانية استعدادا للقاء شيخه عقب صلاة المغرب. 

يتحدث أنس اللغة العامية المصرية بسلاسة، فالسنوات السبع التي قضاها في القاهرة جعلته يتقن "العامية" تماما كالعربية الفصحى التي تعلمها في الأزهر جامع  وجامعة حسبما يقول .

غادر أنس بلاده قاصدا القاهرة لينهل من مناهج أزهرها وعلومه الشرعية، كغيره من الوافدين من معظم البلاد للدراسة بالأزهر، فهناك نحو  16.384 طالب وطالبة من قارة آسيا، منهم 3311 من إندويسيا وحدها، بحسب بيان لمشيخة الأزهر في مارس 2017 الجاري.

وبحسب المشيخة فهناك نحو 405 طالب وطالبة وافدين من استراليا والأمريكتين،  ومن قارة أوروبا بلغ عدد الدارسين 1341 ومن ماليزيا 6600 طالب وطالبة ومن الوطن العربي بشكل عام نحو 6100" دارس.

وتشير المشيخة في بيان لها أن عدد الطلاب الوافدين تجاوز الـ40 الف طالب وطالبة ينتمون لـ120 دولة.

"الأزهر كما نعتقد هو كعبة العلم..فهو المنبع الذي ينشر العلم إلى العالم كله حتى إلى المكان الذي نزل فيه القرآن"، هكذا يقول أنس ممتدحا الأزهر الشريف جامع وجامعة، فقبل مجيئه للقاهرة علم من أساتذته بإندويسيا أن للأزهر صورة حسنة انطبعت في النفوس، فهو معروف بوسطيته وعقيدة أهل السنة والجماعة وخريجوه خير دليل على ذلك.

قبل أن يلتحق أنس بجامعة الأزهر في عام 2010، تعلم الكثير في معهد القراءات الأزهري بخازندارة بشبرا، وعلوم أخرى تلقاها من خلال دروس العلم التي تنظمها مضيفة الشيخ إسماعيل صادق العدوي ، أحد علماء الأزهر ، المجاورة للمسجد.

في أيامه الأولى بالقاهرة حرص أصدقاء أنس القدامى على اصطحابه معهم لمضيفة الشيخ إسماعيل وأروقة الجامع الأزهر، لتلقي شتى أنواع العلوم الشرعية والعربية، حتى بات يأتي يوميا إلى الجامع ينهل من مجالسه ويروي قلبه بأجوائه الروحانية.

انتهى أنس من دراسته بالجامعة قبل عامين، إلا أنه عزم ألا يغادر القاهرة حتى يتشبع من العلم في الأزهر فإذا ما عاد لبلاده ثانية يغرس فيهم أصول الدين التي تعلمها هنا، لذا يحرص دائما على حضور مجالس العلم في أروقة الأزهر

وبجانب مجالس العلم الكثيرة التي يشيد بها أنس، هناك خدمات اجتماعية يقدمها الأزهر للوافدين من مساعدات مالية وكتب ودروس بالمجان في مختلف المواد التي يدرسونها بالجامعة وكذلك اللغات العربية والأجنبية.

ابتسامة ساخرة عريضة امتلئ بها وجه أنس بعدما سمع باتهام البعض للأزهر بأنه بات مفرخة للدواعش والمتشددين، قائلا "في إندويسيا تخرج الكثير من الأزهر جامع وجامعة، والآن هم ليسو فقط مشتغلون بالدين ولكن بالسياسة والزعامة أيضا".

ويضيف أنس"محافظ بلدتنا بنوسا تنجارا الغربية محمد زين المجدي هو خريج كلية أصول الدين جامعة الأزهر وفيها استكمل الماجستير، وحصل على الدكتوراة عام 2012 من نفس الجامعة ".

ويستطرد انس ضاحكا في استنكار"إذا كان الأزهر  يخرج دواعش فبالطبع نحن محافظنا داعشي".

يتذكر أنس أنه في سنواته الأولى بالجامعة كان يسمع ويقرأ عن انتقادات البعض للأزهر حتى قبل ظهور داعش، ولكنه يرى أن هذه الاتهامات تصدر عن قلب حاقد للإسلام وأهله.

على مقربة من أنس يجلس محمد أميري، بدى من هيئته انتمائه لإحدى دول آسيا، مرتديا عباءة صفراء، فرغ توا من صلاة المغرب وراح يسرد الأذكار على مسبحته.

قبل أن يغادر أميري بلده ماليزيا منذ عامين، لقنه أستاذه هناك حكمة يغرسونها في كل طالب يأتي إلى الأزهر لأول مرة، "مصر أم الدنيا إعرابها الـ"م" مشقة، والـ"ص" صبر، والـ"ر" رضا"،  فتلك الكلمات تعينه على تحمل مشقة الابتعاد عن الأهل والوطن والشوق إلى الأسرة، فمن أجل العلم يصبر على ما يجد ويرضا .

يقول أميري بكلمات متقطعة لما يجد من صعوبة في التحدث باللغة العربية "عدد كبير من ماليزيا يأتي هنا إلى الأزهر كل عام لدراسة العلوم الدينية، نحن عرفنا أن الأزهر مشهور بالعلوم الإسلامية وصانع لكبار العلماء، ومنه تعرف كل الدول الإسلامية الفتاوى الدينية".

ما تعلمه أميري في كلية أصول الدين وأروقة الأزهر جعله يفضل مصر على ماليزيا، فيقول إنه في جامع الأزهر على سبيل المثال درس علم الميراث والأدب والعصر الجاهلي، وهما من العلوم النادرة التي لا يتم تدريسها في بلاده.

ففي الأزهر يدرس أمير أصول الفقه وعلم المواريث ، وهو من العلوم النادر تدريسها في بلاده،  ويشير إلى أنه مما يميز الأزهر عن غيره من جامعات العالم أنه لا يقتصر على العلم الديني فقط ولكنه يجمع بين علوم آخرى كالطب والصيدلة والهندسة وغيرهم من العلوم، وفي الوقت ذاته يعلم الطلاب إسلامهم. 

وفي الجانب المخصص لصلاة النساء بالجامع، جلست نداء مطيعة ذات الملامح الأسيوية مرتدية خمار وملابس تميزها ورفيقاتها عن مثيلاتهن من المصريات، تمزاحهن وتبدي فرحتها بالعودة إلى بلدها في إجازة خلال شهر رمضان تعود بعدها ثانية إلى القاهرة لتحقق ما جاءت من أجله إليها.  

يوم 28 مايو 2014 ودعت نداء أهلها في إندويسيا لتأتي إلى القاهرة محملة بشغف الدراسة في الأزهر وتعلم العلوم الشرعية والعربية على يد علمائه ومشايخه، فمنذ صغرها وحتى بلغت الـ 20 من عمرها وهي تسمع من معلميها في بلدها أن الأزهر منبع العلم .

"حب هنا عقيدة" هكذا تصف نداء حبها للأزهر الشريف، ترى أن كل مسلم يريد تعلم اللغة العربية والتراث والمعنى الحقيقي للإسلام والوسطية عليه أن يأتي إلى الأزهر جامع وجامعة، وتضيف "أنا وكل الإندويسين نذهب للأزهر لطلب العلم".

لم تكتف نداء بعد تخرجها من معهد البحوث والتحاقها بالفرقة الأولى بكلية أصول الدين بدراسة الجامعة فقط، بل تأتي أسبوعيا لحضور مجالس العلم في الجامع الأزهر، لتتشبع بعلوم الفقه والحديث والشريعة .

تجيب نداء، الطالبة بالفرقة الأولى بكلية أصول الدين، عن رأيها في الأزهر بكل فخر وتتمنى لو أن الأزهر كان في بلدها أو أيما كان ستذهب إليه، تقول "الأزهر يخرج مشايخ وعلماء ما شاء الله عليهم، نحن تعلمنا هنا معنى الوسطية والفهم الصحيح للقرآن والسنة والعقيدة".

تعقد نداء العزم بأن تستكمل دراساتها العليا هنا في الأزهر بعد انتهاء سنواتها الأربعة في كلية أصول الدين، حتى تعود إلى بلدها تدرس العلم وتنشر الإسلام الوسطي في إندويسيا، تختتم حديثها "حين أعود إلى بلدي سأحدث رفيقاتي بأن الأزهر جميل، المشايخ يحبوننا ويقدمون لنا كل شئ ونحن نحبهم أيضا".

الأروقة الأزهرية بدأت مع إنشاء المسجد، الذي يعد الأقدم بمدينة القاهرة،  منذ أكثر من ألف عام في رمضان سنة 361هجريا و972 ميلاديا، ولكنها كانت تسمى سابقا بـ "شيخ العمود"، حسبما يروي الشيخ الواعظ بالأزهر عبد الهادي سعيد.

في كل يوم وما بين الصلاوات الخمس تنتشر الحلقات بالجامع الذي أسسه المعز لدين الله الفاطمي ، وانتسب اسمه تيمنا بفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه .

الدراسة بالأرواقة متاحة لأعمار كافة من رجال ونساء ومصريون وأجانب بلا أي مقابل، وفقا لـ"سعيد"، يتنوع فيها دراسة العلوم الشرعية والفكر والثقافة والقرآن والدعوة واللغات الأجنبية، جميعها تعمل في تناغم وتكامل لتروي ظمأ المتعطشين للعلم من كل مكان.

قديما كان يجلس الشيخ وحوله مجموعة من الطلاب يشرح لهم أي علم من العلوم، تنقسم الحلقات إلى مدارس حسب المذاهب الأربعة فمن يريد دراسة فقه الحنابلةيتجه إلى مدرستها وكذلك الشافعيةوالمالكية والحنفية، بحسب "سعيد".

"شيخ العمود" أو مع تطوره إلى "الرواق" كلاهما يصفهم الشيخ سعيد بمثابة الميثاق الذي يحافظ عليه الأزهر حتى الآن، فهو يعلم أنه لا صلاح للبشرية ولا الناس ولا المسلمين إلا بالفهم الصحيح للقرآن والسنة .

ويضيف أن الأزهر أعاد إحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، بتدريس العلوم بالجامع وإسنادها الى العلماء الأوائل حتى إسناد علوم القرآن والسنة بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو حاليا يدرس ما يزيد عن 780 كتاب في مختلف العلوم العربية والشرعية يدرسها أساتذة وكبار علماء الأزهر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل