المحتوى الرئيسى

مخرج فيلم افتتاح «كان»: أمريكا مصدر إبهارى الأول

05/21 22:27

فيلم الافتتاح فى مهرجان «كان» بدورته الـ 70 التى افتتحت الأربعاء الماضى هو «شبح إسماعيل» للفرنسى أرنو دبلشان الذى يعرض له أيضاً فيلم «مهيب»، وكأن التواجد الفرنسى يريد تقديم السينما الفرنسية ذات المذاق الخاص اعتماداً على مخرج له معطياته شديدة الخصوصية صاحب الرؤية الفريدة المتميزة فى المشهد البصرى الفرنسى، والذى يهتم مهرجان كان بشكل خاص بأعماله، أنه المتجه إلى سينما مستلهمة مفرداتها من التراث الفيلمى، المستغرق فى تفاصيل الفرد وحياته وربما هذا ما نراه بوضوح فى «أشباح إسماعيل»، الذى عزف فيه على أنشودة المشاعر لرجل اسمه إسماعيل فولار (ماتيو أمالريك) عائد إلى حبيبته المخرجة سيلفيا (شارلوت جينزبورج) ويملأ حياتها بتلك العودة غير المنتظرة، ولكن سرعان ما تكتشف ميله تجاه صديقتها كارلوتا (ماريون كوتيار) فتكون أمنيتها الوحيدة حلم العودة بالزمن بحيث لا يعود من جديد.

وفى حوار معه أجراه «موفيك حبشيان» يرى فيه من خلال سلسلة أعماله أنه واحد من المؤلفين البارزين فى السينما الفرنسية والأوروبية المعاصرة، تميز ببداية غير مبشرة فى التسعينات، ليتحول إلى مخرج له بصمته مع مطلع القرن الحالى، أعماله تهتم بالفرد وهواجسه وأزماته، مستقطبة الجمهور والنقاد الذين وقفوا إلى جانبه، لكونه يقدم أعمالاً جياشة بالعواطف والعلاقات الحزينة ذات الأحاسيس.

يقول أرنو دبلشان عن نفسه: نشأتُ فى روبيه قرب ليل، على الحدود بين فرنسا وبلجيكا، لأصور عدداً لا بأس به من أفلامى، بدأتُ أشاهد أفلاماً عادية جداً لوالت ديزنى ولوى دو فونيس، ولكن الأفلام التى شاهدتها على التليفزيون فى بيت جدى أثرت فى جداً، فوالداى لم يمتلكا تليفزيوناً فى المنزل، لاكتشفت أفلام هيتشكوك، شاهدت كل هذه الأفلام عند عرضها على التليفزيون فتركت فى أثراً عميقاً، أتذكّر «مارنى» و«نوتوريوس» وكلاهما لهيتشكوك، صدمنا ونحن نكتشف الحساسية لدى هيتشكوك، وأيضاً عالمه النسائى واللغز المرتبط بالجنس الذى جذبنى كثيراً، فى بداية عملى كنت فى صراع ضد السينما الفرنسية التى لم تهمنى إلا قليلاً، رفضتها، كنت مبهوراً بالسينما الأمريكية حتى «الموجة الجديدة» جاءت فى مرحلة لاحقة جداً، كنت طبعاً ككل فرنسى جودارياً (نسبة للمخرج الفرنسى جان لوك جودار) متعصباً فى عمر السادسة عشرة، لذلك لم أقدر قيمة «أن تروفو» الذى أعتبره اليوم أعز المخرجين، السبب أن هذه الأفلام عرفنى إليها الكبار فى السن، أنا شخصياً لم أحب هذا، بالنسبة إلى كانت الأفلام تنتمى إلى الطفولة، لذلك ليس عندى ذكريات قوية تتعلق بالسينما الفرنسية، لكن على سبيل المثال أتذكر جيداً «آلام جان دارك» لدريير، شاهدته فى سن مبكرة جداً، أبهرنى أيضاً «أورديت» لدريير، مثلما أبهرتنى التعبيرية الألمانية فى عمر الثالثة عشرة، لقد كان أهلى ناس متواضعين لكنهم يهتمون بالثقافة، كان والدى مندوباً وأمى تدير شئون المنزل، لكنهما كانا يرتادان السينما بانتظام، ثم يناقشان الأفلام عند عودتهما إلى المنزل، كان يعجبنى فيهما استماعهما إلى برنامج إذاعى كان مشهوراً فى فرنسا وقتذاك ويناقش الأفلام مع متخصصين، من جانبى كنت مولعاً بكل هذا الضجيج حول الأفلام، تلك الأفلام بدأتُ أشاهدها فى مرحلة المراهقة حين بدأت أقصد ليلاً المدينة الكبيرة حيث معهد السينما، شهدت تلك الفترة صعود السينما الألمانية، مع أسماء مثل فندرز وهرتزوج وفاسبيندر، وكان معلمو السينما الإيطالية لا يزالون فى ذروة نشاطهم، وكان أعظمهم فيللينى، فى هذا الجو اكتشفنا السينما الألمانية التى صفعتنا صفعة كبيرة، ونقطة التحول فى حياتى عند دخول آلان رينه حياتى عندما وصلت إلى باريس، كان رينه يبهرنى بسبب مكوثه على مسافة معينة من «الموجة الجديدة»، أبهرنى فيه شيئان: قدرته على التحدث عن المحرقة وحرب الجزائر وحرب إسبانيا وكان فى إمكانه إدخال كل أنواع الدراما السياسية فى السينما طوال الجزء الأول من فيلموجرافيته المسكونة باضطرابات العصر إلى جانب اهتمامه بالتكامل الشكلى الذى صدمنى، عرض فيلمه «عناية آلهية» قبل وصولى إلى باريس بفترة قصيرة، كان الفيلم ناطقاً باللغة الإنجليزية وتسبب لى بدهشة كبيرة، لم أكن أعلم أن فى إمكان فرنسيين أن ينجزوا أفلاماً على هذا القدر من الجمال، فى باريس اكتشفت السينما الأمريكية الجديدة، تخيل أننا كنا نشاهد فيلماً عبقرياً كل أسبوع، أمريكا كانت مصدر إبهارى الأول، فى أحد الأيام كنا نكتشف مارتن سكورسيزى وفى اليوم التالى نكتشف جو دانته، هذه الطفرة فى السينما الأمريكية، من كوبولا إلى دو بالما، لم تكن حظيت بعد باعتراف الصحافة الفرنسية المتخصصة، عندما تخرجت فى معهد السينما عدت أفكر فى البلد الذى أنتمى إليه، وبدأت أبحث عن بوصلة، فعدت إلى السينما الفرنسية، وهنا ساعدنى رينه وتروفو لإتمام هذه الوظيفة.

الصناعة فى أمريكا قدمت أفلاماً مهمة تثير الشغف، وهذا هو الفرق بينها وبين السينما الفرنسية مثلاً التى نرى فيها أفلاماً تنتمى إلى الصناعة لكنها ليست بجودة السينما الأمريكية، أتكلم بصيغة الماضى، أو الماضى القريب، لأن السينما الأمريكية نفسها التى كانت مصدر دهشة لنا، لم تعد كما كانت فى السابق، ربما لأننى صرت أتقدم فى السن، أو ربما أكون على خطأ، ولكن يبدو لى أنها لم تعد ما كانت عليه سابقاً، اليوم سينما المؤلف الأمريكية أكثر إثارة للاهتمام من السينما المنتشرة بكثرة، عملت مديراً للتصوير، كان شيئاً فى منتهى الأهمية، وعملت فى المونتاج، وكتبت السيناريو، هذا ساعدنى كثيراً، خصوصاً فى أول أفلامى، وكان شرطاً من شروط استقلاليتى المهنية، كنت فى كل مرة تحدث مشكلة أحلها بنفسى، هذه ثمرة معهد السينما الذى التحقت به، أنجزت كل أفلامى مع المنتج نفسه، أفكر دائماً كما كان يفكر تروفو لا رينه، وهو أن نعبر - إذا أمكن - بموازنة أكثر تواضعاً، لا أزال أؤمن أن فرنسا ليست دولة عظمى كالصين والولايات المتحدة، جمهور أفلامنا أقل من جماهير الأفلام الصينية أو الأمريكية 60 مليون فرنسى، هذا رقم لا بأس به لكنه محدود، أعرف كيف أصنع فيلماً يبدو مظهره حسناً مع القليل من المال، لذلك لا أجد صعوبة فى تمويله.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل