المحتوى الرئيسى

إنهم يدخلون الأخبار

05/21 22:02

لقد أحسن كثيرون الظن بهذا الروائى الذى أهان الناصر صلاح الدين الأيوبى، وأنزله منزل تحقير واستهزاء، من دون مناسبة أو دافع موضوعى أو برهان؛ إذ راح البعض يتحدث عن «مؤامرة على سيرة الناصر يشارك فيها هذا المتطاول»، أو خطة «إلهاء استراتيجى» يسهم فى تنفيذها لكى يتم صرف نظر الجمهور عن القضايا الملحة والمتاعب الجمة التى يواجهها، فى ظل ضغوط وارتفاع فى الأسعار.

من جانبى، لا أعتقد أن هذا الروائى فعل ما فعل إلا لسبب واحد، لا يتعلق بـ«بحثه المعمق فى التاريخ»، أو «وثائق وتحليلات نادرة مطمورة تكشفت له وحده»، أو «مطاوعة السلطات فى رغبتها لشغل العوام بقضايا جدلية ساخنة»، أو «المساهمة فى مخطط شيعى يهدف إلى النيل من مكانة الناصر»، وإنما فقط.. ليدخل الأخبار.

نعم.. لم يُرد هذا الروائى بقضيته المثيرة للأسى، التى فجرها أخيراً، شيئاً سوى حصد الشهرة، ودخول الأخبار، وتصدر قوائم «الترافيك»، وأن يكون نجماً مطلوباً فى عدد كبير من المقابلات، ومحوراً رئيسياً فى كثير من التقارير، والتحليلات، التى تدفع به إلى الواجهة، وتبعده عن مراكز الظل، التى اعتادها كل باحث موضوعى جاد.

شىء قريب من هذا فعلته الأستاذة الجامعية التى بثت شريطاً يظهرها ترقص «رقصاً شرقياً» على سطح منزلها.

عندما حدثت الضجة الكبيرة بسبب نشر موضوع صحفى عن «رقصة الدكتورة»، وانهالت عليها طلبات المعدين والصحفيين لاستضافتها فى البرامج وإجراء الحوارات معها، شعرت بعوائد سخية للفعل الحاد الذى أقدمت عليه؛ وهى عوائد بدت أكثر لذة من تلك التى يمكن أن يُحصّلها أى أستاذ جامعى جاد يكرس نفسه لأبحاثه وواجباته فى تعليم الطلاب.

لذلك، فقد أُسقط فى يد الدكتورة عندما انسحب الضوء فجأة عنها، بعدما ظلت تملأ الدنيا وتشغل الناس لأكثر من أسبوع، وعندها تفتق ذهنها عن ممارسات جديدة «تدخل بها الأخبار» مرة أخرى؛ وبناء على ذلك، قررت أن تنشر صوراً لها بـ«المايوه البكينى»، كما قامت بتنفيذ «وصلة رقص» ثانية، وبثتها أيضاً على مواقع «التواصل الاجتماعى»، لعلها تستطيع أن تجذب الأنظار مجدداً، وتحصد شهرة و«ترافيك».

لا يختلف موقف «الدكتورة الراقصة» عن هذا الداعية الدينى الذى يقضى عقوبة فى السجن الآن، بسبب ما أقدم عليه من تجاوز مريع، واستهزاء بعقول الناس، واعتداء على المنطق.

إن هذا الشيخ يظهر فى مقام الواعظ العالم بالدين، لكن الشهرة تلاعبت بعقله، وجعلته يتطاول ويقول على الملأ إنه هو ذاته «المهدى المنتظر»، وحين أُحكمت حلقات المساءلة والحساب حوله، قال إنه لم يفعل ذلك إلا لكى يثير انتباه الناس.

تكاليف كبيرة دفعها هذا «الشيخ» من عمره وسمعته لكى «يدخل الأخبار»، ويحظى باهتمام الصحفيين والمعدين والمذيعين وأفراد الجمهور، وتحصد الموضوعات التى تتناول فعلته أكبر عدد من القراءات والتعليقات فى المواقع الإلكترونية، ويتبادل الجمهور صوره وتصريحاته ومقاطع الفيديو الخاصة به على وسائل «التواصل الاجتماعى».

لا أعتقد أن «دخول الأخبار»، وحصد الشهرة، وتعزيز الشعبية، كانت عوامل غائبة عن شيخ آخر محترم تورط فى طعن الإخوة المسيحيين فى كرامتهم، وازدراء عقيدتهم، حين وصفها بـ«الفاسدة» ووصفهم بأنهم «كفار».

لا يمكن فصل تصرف هذا الشيخ الدكتور المسئول السابق حيال الإخوة المسيحيين عن رغبته فى تعزيز مركزه التليفزيونى، وتقوية ذرائع استمراره فى تقديمه، وتحسين شروط عمله مع المحطة الفضائية التى تبثه.

لم يكن تاريخ هذا الشيخ يوحى بأنه يمكن أن يتورط ورطة كتلك، ولم يكن خطابه السابق منفلتاً أو غير مسئول، ولم يكن مضطراً أبداً إلى التطرق إلى تلك القضية بالذات خلال حصته التليفزيونية، ولم يكن عاجزاً عن أن يجد مائة طريقة لتفادى التورط فى ازدراء عقيدة مواطنين مصريين، لذلك، فالأرجح أنه بحث عما يمكن أن يجعله «نجماً فى الأخبار»، وقد حصل على ما كان يريد.. وأكثر.

بالنسبة إلى هؤلاء الذين يذوقون حلاوة الشهرة، ويعانقون «المجد» الذى يحققه «الترافيك»، يصعب جداً أن يقبلوا بالانزواء والبقاء فى الظل، إلا إذا كانوا من قماشة ثرية ومعدن أصيل، ولديهم قدرة كبيرة على ضبط النفس، ومتصالحين مع الذات، ومتوازنين وجدانياً.

بغير تلك الشروط الصعبة، فإن هؤلاء المشهورين أو أنصاف المشهورين أو الباحثين عن الشهرة بأى ثمن، يمكن أن يفعلوا أى شىء لكى «يدخلوا الأخبار» من جديد، حتى لو كان ثمن تلك الشهرة دخولهم السجن، أو تشتتهم فى المنافى، أو فقدان الاعتبار.

ثمة من يذهب إلى السجن إذن طلباً للشهرة، وكثيرون لا يتورعون عن المغامرة بإطلاق تصريحات أو إصدار فتاوى أو بث تعليقات على «السوشيال ميديا» بهدف إثارة الضجة وجذب الاهتمام، وهم يعلمون يقيناً أنهم يقتربون جداً من الخطوط الحمراء، لكن «عسل الشهرة» و«جنة الأخبار» أهم لديهم من «نار السجن» و«عذاب المنفى».

سيذكرنا هذا بذلك المحامى الذى لا يكف عن ممارسة هوايته فى السب والقذف والطعن فى الأعراض من أجل أن يبقى ضيفاً مطلوباً فى البرامج المبتذلة ونجماً فى حوارات الصحف الصفراء وأخبار المواقع الإلكترونية.

أو تلك الراقصة التى لا تتورع عن فعل أى شىء، بدءاً من «الأفعال المحرضة على الفسق»، مروراً بـ«الكذب والافتراء» على الناس، ووصولاً إلى ابتذال المشاعر والقيم الدينية، لكى تبقى فى الضوء، ويتداول الجمهور صورها بملابسها الخليعة وإيحاءاتها الصادمة.

أو تلك المخرجة التى لا تتوقف عن الظهور فى البرامج بين حين وآخر لتصدم الجمهور برأى شاذ أو متجاوز، أو تروج لممارسات حادة وغير مقبولة مجتمعياً، وليس فى ذهنها سوى هدف واحد.. أن «تدخل الأخبار»، وأن تثير الضجة تلو الضجة، بحيث يجد المعدون التليفزيونيون دوماً سبباً لاستضافتها، وأن يجد بعض الكتاب ذرائع للكتابة عنها وذكر اسمها، طالما أنها توقفت عن القيام بعملها الأصلى، وتفرغت لشن الهجمات على الذوق العام، واختراق الخطوط الحمراء للمجتمع، بهدف حصد الرواج.

سيفسر لنا هذا ما نراه ونسمعه يومياً من أداء شاذ وصادم لبعض مذيعى برامج «التوك شو» فى الفضائيات والإذاعات الخاصة.

إن هؤلاء يتعرضون لضغوط أكبر من طالبى الشهرة السابقين كلهم، لأن الرواتب الضخمة التى يحصلون عليها، ولافتات الدعاية التى تُعلق لهم فى الشوارع، والعروض المالية الضخمة التى يرغبون فى الحصول عليها، كلها لا تأتى إلا من خلال الرواج.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل