المحتوى الرئيسى

خريطة طريق لإصلاح التعليم (4)

05/21 22:02

تعقيباً على الجزء الثالث من هذه السلسلة من مقالات عن «خريطة طريق لإصلاح التعليم»، سعدت بهذا التعليق الذى ورد لى عبر «الواتس آب» من أستاذى الدكتور أحمد فتحى سرور، ومضمونه كما يلى: «اعقلها وتوكل، فلا بد من العقل أولاً، ولهذا من ضاع عقله أصبح غير مسئول. ولكن العقل يتطلب المعرفة، وقد تكون المعرفة لا يدركها إلا الله عز وجل وإلا فإنك قد لا تستطيع صبراً، ارجع لسورة الكهف. ومن هنا وجب التعليم للحصول على مصادر المعرفة، وعند الارتقاء به ستعرف ما لم تستطع عليه صبراً». وقيمة هذه العبارات أنها تأتى من أحد أبرز الأشخاص الذين تولوا حقيبة التعليم فى العقود الخمسة الأخيرة، ومعروف عنه الحديث بلغة عربية صحيحة، والسبب وراء ذلك هو حرصه على قراءة القرآن فى سن مبكرة أمام المرآة، كوسيلة للتغلب على اللعثمة فى النطق، واكتساب الثقة فى الحديث والكلام. ولعل ذلك يفسر لنا الاستشهاد بالقصص القرآنى فى التعليق المذكور.

وأعتقد أنه من الضرورى هنا أن نتوقف قليلاً عند مسمى الوزارة المسئولة عن العملية التعليمية، حتى نتبين حقيقة المستهدف من النظام التعليمى والمخرجات التى نسعى إلى تحقيقها، فقد نشأت هذه الوزارة تحت مسمى «وزارة المعارف» ثم تم تعديل اسمها إلى «وزارة التعليم» فى بعض الفترات أو «وزارة التربية والتعليم» فى فترات أخرى. وغنى عن البيان أن «التعليم» لغة اسم مصدر من الفعل «عَلَّمَ». أما «المعارف» فى المعاجم اللغوية، فهى اسم جمع للفظ «معرفة». ومن ثم، يثور التساؤل عن مدلول لفظَى «العلم» و«المعرفة»، وما إذا كان ثمة فارق بينهما.

وفى الإجابة عن هذا التساؤل، يلاحظ أن معجم المعانى الجامع يعرّف «وزارة التعليم والتربية» بأنها «الوزارة المسئولة عن تلقين أبناء الشعب المعارف ومبادئ العلوم فى المدارس الابتدائية والثانوية والجامعية». وهذا التعريف كما هو واضح لا يميز بين العلم والمعرفة، ويجعل الوسيلة الأساسية للعملية التعليمية هى التلقين. فى المقابل، يرى البعض أن «المعلومات المتراكمة بالحافظة فى أصلها تُسمى معارف ومعرفة، سواء كانت خبرة تجريبية أم فكرية، فإذا رُتبت ونُظمت، وكانت على قواعد ونسق كانت علماً، مثال ذلك: العرب تتكلم الفصحى أصالةً، لكن لا يسمى أحد منهم نحوياً حتى يدرك قوانين النحو وينظمها، ويعلم علة تغيُّر أواخر الكلم، ومثل ذلك البنَّاء والمهندس، فالمعرفة إدراك الفعل، والعلم إدراك علة الفعل». ومؤدى ما سبق أن العلم أعلى منزلة من المعرفة. ولذلك، كان الدعاء: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِى عِلْماً» (سورة طه: 114).

وفى ضوء ما سبق، يبدو سائغاً القول بأن المعرفة يمكن أن تأتى بالتلقين والحفظ والتذكر، أما العلم فلا يتأتى إلا من خلال عملية أكبر وأعمق، حددها عالم النفس التربوى «بنجامين بلوم» فى ست عمليات عقلية، هى: المعرفة أو التذكر، والفهم، والتحليل، والتطبيق، والتركيب، والتقويم. وتمثل هذه العمليات الست أهداف التعلم، وتُعرف باسم «تصنيف بلوم لأهداف التعلم». وقد قام بعض العلماء مؤخراً بتطوير تصنيف بلوم، بحيث يقوم التصنيف الجديد على ست عمليات عقلية، هى: التذكر، الفهم، التطبيق، التحليل، التقويم، والابتكار. وذكر القرآن الكريم هذه العمليات الست قبل بلوم بقرون عديدة، حيث وردت العديد من الآيات القرآنية بمفردات «التذكر» و«التفقه» و«الفكر» و«التدبر» و«التفكر». وقد وردت لفظة «التفكُّر» (التى تُعد أعلى مراحل منظومة العلم) فى سبع عشرة آية من آيات القرآن الكريم. ومن هنا يمكن القول بأن التفكُّر أعلى مراتب التفكير الإنسانى، وأن العملية التعليمية ينبغى أن تسعى إلى العلم وليس مجرد اكتساب المعارف، وأن تكون الوسيلة إلى بلوغ تمام العلم هى نشر وتنمية ثقافة التفكر فى مؤسساتنا التعليمية، الأمر الذى يسهم فى تكوين العقلية القادرة على الفهم والإدراك والتفكر، وليس مجرد الحفظ والتذكر.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل