المحتوى الرئيسى

إيكونوميست: ستة أيام من الحرب، 50 سنة من الاحتلال

05/21 19:55

أيام وتحل ذكرى مرور نصف قرن على حرب الشرق الأوسط التي احتلت فيها إسرائيل أجزاء من الوطن العربي، والتهمت أجزاء واسعة من فلسطين التاريخية؛ تلك الحرب التي غيرت مجرى الحياة في المنطقة.

رغم تلك السنوات لا تزال إسرائيل تحتل على أجزاء واسعة من البلدان العربية التي احتلتها في تلك الحرب؛ فمرتفعات الجولان لا تزال محتلة والقدس وأجزاء واسعة من فلسطين أيضا، رغم انتصار الجيوش العربية في حرب أكتوبر 1973.

تأتي ذكرى مرور 50 سنة على "النكسة" في وقت تسعى فيه تتطلع فيه الكثير من الدول العربية إلى إحداث اختراق في مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، علها تسفر عن دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، غير أن ذلك يبدو أمرا بعيد المنال بالنظر إلى الموقف المتصلب الذي تتبناه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

في هذا السياق – سياق الذكرى– نشرت مجلة إيكونوميست البريطانية تقريرا عن حرب الأيام الستة والاحتلال المستمر منذ 50 سنة:

ستة أيام من الحرب، 50 سنة من الاحتلال

إسرائيل لاتزال تحتل أرض فلسطين بعد 50 سنة من حرب الأيام الستة

"باتت إسرائيل أقوى وغنية، لكن لها لم تعثر على سلام مع الفلسطينيين - ولا مع نفسها، على ما يقول أنطون لا غوارديا."

في البداية دمروا سلاح الجو المصري على الأرض، وأقصوا الطائرات الأردنية والعراقية والسورية. كان ذلك يوم الاثنين. ثم اقتحموا الدفاعات المصرية الكبرى في سيناء. كان ذلك يوم الثلاثاء. بعد ذلك استولوا على المدينة القديمة في القدس وصلوا فيها. وكان ذلك يوم الأربعاء. ثم وصلوا إلى قناة السويس. كان ذلك الخميس. واعتلوا هضبة الجولان. كان ذلك يوم الجمعة. ثم استولوا على القمم التي تطل على سهل دمشق. في المساء أعلن العالم وقفا لإطلاق النار. كان ذلك يوم السبت. في اليوم السابع ارتاح الجنود الإسرائيليون.

في ستة أيام فقط من القتال في يونيو 1967، خلفت إسرائيل شرق أوسط جديد. كان نصرها سريعا ومفاجئا على الجيوش العربية التي كانت تطوقها والذي رآه البعض بيد الله. كان كثيرون يخشون هولوكوست جديدة. لكن إسرائيل باتت القوة الأعظم في المنطقة. اكتسب نشيد ناعومي شيمير، "القدس الذهبية"، خطوطا جديدة: عدنا إلى الصهاريج/إلى السوق ومكان السوق/وقرع الأبواق يخرج من جبل الهيكل في المدينة القديمة."

هذا العام عام الذكريات الكبرى في إسرائيل: ذكرى 120 سنة على مؤتمر الصهيونية الأول في بازل؛ ذكرى 100 سنة على وعد بلفور بوطن لليهود؛ وذكرى 70 سنة على مقترح الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية. لكن ذكرى مرور نصف قرن على حرب الأيام الستة هي الأكثر قوة.

هذا التقرير الخاص سوف يبحث إرث هذا الصراع. فالأراضي التي استولت عليها إسرائيل قضية محددة في سياساتها وعلاقاتها مع العالم؛ كما أنها تقع في قلب أحلام الفلسطينيين بالاستقلال. كانت حرب الأيام الستة آخر نصر عسكري متصل لإسرائيل، وبداية الانتقال من الحروب الوجودية ضد الدول العربية، والتي فازت فيها على الدوام، من أجل تنشيط الحملات ضد المليشيات غير الحكومية والتي لا يمكن محوها أبدا. فالتهديد بالغزو غبر حدودها لم يعد له وجود، لكن العنف داخلها غير منقطع.

في 1967 هزم السلاح الغربي السلاح السوفيتي بشكل حاسم. ومع اتجاه أمريكا للتحالف بحزم مع إسرائيل، ألقت انقسامات الحرب الباردة بظلالها على الصراع العربي-الإسرائيلي. وعندما بدل شارل ديغول موقف فرنسا لتصطف إلى جانب العرب في 1968، ودخول ذلك الاصطفاف حيز التنفيذ بحظر مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل (لاسيما طائرات الميراج)، وضع دون قصد حجر الأساس لصناعة التكنولوجيا الفائقة المزدهرة في إسرائيل. في هذا الأيام فرنسا هي التي تشتري الطائرات بدون طيار من إسرائيل.

وتحول الملجأ المحاصر لليهود إلى إمبراطورية صغيرة، تحكم ملايين الفلسطينيين. من نواح كثيرة كان ذلك احتلالا مرتجلا، "إمبراطورية الصدفة" (عنوان كتاب عنوان لجيرشوم غورنبرغ)، لكنها إمبراطورية صمدت. وايقظت الحرب النزعة الدفاعية الفلسطينية لاستعادة أراضيهم التاريخية والحماسة الإسرائيلية المفرطة، وأضافت السلطة الدينية المستعصية إلى القوى القومية. وانقضى الجدار الذي كان يقسم القدس لكن إسرائيل أقامت المزيد من الجدران التي تفتت المجتمع الفلسطيني. كما أن الإسرائيليين باتوا أكثر ثراء، الأمر الذي يجعل من بؤس الفلسطينيين أكثر إثارة للقلق. وفي توحيدها أرض إسرائيل القديمة، قسم النصر الشعب الإسرائيلي وجعل ديمقراطيتها أكثر فظاظة.

ذلك اليوم البغيض في 1967 عندما سمع ليفي أشكول، رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت، أنباء الاستيلاء على القدس، أبلغ زملائه في الحزب: "لقد مُنحنا مهرا جيدا، لكنه جاء لعروس لا نحبها." وثبت أن كلماته كانت ذات بصيرة أكثر مما تخيل.

لا يزال الجنود الإسرائيليون الكبار في السن يقصون قصصهم عن الحرب يوم بيوم وتلة بتلة. كان روفن غال قائد فصيلة في لواء القدس وهي وحدة من الاحتياطي من المدينة والذين قاتلوا بالقرب من منازلهم. وبعد معركة للسيطرة على مقر الأمم المتحدة في اليوم السابق، تذكر السيد غال التقدم في فجر السابع من يونيو في اتجاه خنادق أردنية على تلة جبل أبو غنيم. حتى يرتاح هُجر المكان. ومع أخذ رجاله قسطا من الرحلة، سمع إشارة إذاعية من موتا غور، قائد المظليين الذين دخلوا المدينة المسورة: "جبل الهيكل في أيدينا." حوله بكى الجنود عند سماع الأنباء.

بعد الحرب، اعتاد الإسرائيليون على التنزه في التلال القديمة وإعادة اكتشاف الخليل وإلي وشيلوة ومناطق أخرى؛ بالنسبة للسيد غال بات اليهود "مخمورين" بنشوة الاستيلاء على أرض أسلافهم التوراتيين. وأعتقد أنه بعد هذه الهزيمة فإن العرب سوف يتوسلون من أجل السلام. وانخرط في أغنية من ذلك الزمان: "غدا عندما يخلع الجيش زيه/كل ذلك سوف يأتي غدا إن لم يكن اليوم/وإذا لم يكن غدا بعد غد."

لكن السلام لم يأت. كل جيل من الإسرائيليين لابد أن يرتدي الزي ويستعد للقتال. بات السيد غال كبير الأطباء النفسيين في الجيش ولاحقا مسؤولا بارزا في الأمن القومي. فكر مليا وقال "القليل مما كنا نعلمه عما سيجلبه هذا النصر العسكري. الاحتفالات كانت بداية مأساة الاحتلال. كان له تأثيرا هائلا على أخلاقنا وديمقراطيتنا وأرواح أطفالنا وطهارة الأسلحة (أخلاق استخدام القوة)."

الفلسطينيون من ناحيتهم يتحدثون عن فزعهم من كيفية تخلي القوات الأردنية عن المدينة القديمة في القدس بقتال لا يذكر، ومفاجأتهم عند اكتشاف أن العربات المدرعة التي كانت تتسكع في المدينة لم تكن من التعزيزات العراقية لكنها كانت عربات إسرائيلية.

على طرف الحي اليهودي في المدينة المسورة، عاش أبو منير المغربي في شقة صغيرة من غرفة نوم واحدة والتي باتت متحفا مؤقتا لخسارة القدس العربية. على جدران منزله توجد صور للمدينة، أحدها تظهره وهو في الخامسة والعشرين من عمره ويرتدي بذلة، ويقف وسط ركام حيّه؛ حي المغربي. دمرته إسرائيل فورا بعد الاستيلاء على المدينة القديمة وحولت أذقته أمام الجدار الغربي، وهي أهم مكان للصلاة اليهودية، إلى ساحة واسعة اليوم. يحمل خريطة مرسومة باليد للمباني التي لم يعد لها وجود وقائمة ب138 عائلة تم طردها.

كان أبو منير في عمان عندما اندلعت الحرب. تسلل عبر الحدود حتى يصل إلى القدس مع هدم منزله. ولبعض الوقت هرب الناس من وإلى الأردن. كما هرب أسلحة لحركة فتح، وهي حركة مسلحة صاعدة (في ذلك الوقت)، وقضى بعض الوقت في السجن.

تظهر قصته التغير في عقلية الفلسطينيين. ففي حرب 1947-1948، عندما أُسست إسرائيل، فر الفلسطينيون أو طُردوا بشكل جماعي. ودمرت إسرائيل مئات القرى. في المقابل، في 1967 بقى كثير من الفلسطينيين. يقول علي جرباوي، وهو الآن أستاذ علوم سياسية في جامعة بيرزيت الفلسطينية في الضفة الغربية "كنا محظوظين أننا هُزمنا بسرعة شديدة وبشكل كبير جدا. لم يكن لدى إسرائيل الوقت لطردنا."

أيضا كانت هناك بعض المنافع غير المتوقعة. فالفلسطينيون من الضفة الغربية، التي ضمها الأردن، جددوا علاقاتهم مع الفلسطينيين من حيفا ويافا، التي باتت جزءً من إسرائيل بعد 1948، ومن غزة التي احتلتها مصر. وقال السيد جرباوي "الشعور الوطني الفلسطيني ظهر مجددا بسبب الاحتلال."

وقد تفجر هذا الشعور مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 1987. حتى ذلك الحين كان الفلسطينيون تحت الحكم الإسرائيلي هادئين في الأغلب، فيما كانت منظمة التحرير الفلسطينية التي كرست جهودها للقضاء على إسرائيل بالقوة، ونفذت هجمات عبر الحدود من الخارج. وكان الكفاح المسلح فاشلا في أغلبه. وخسرت منظمة التحرير الفلسطينية حربا أهلية ضد الملك حسين، عاهل الأردن في 1970؛ الأمر الذي أطلق حملة من الإرهاب الدولي منها مذبحة لرياضيين إسرائيليين في دورة الألعاب الأوليمبية في ميونيخ 1970؛ وساعدت في المشاركة في الحرب الأهلية في لبنان في 1975؛ وتم طردها إلى تونس بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982.

على النقيض، تميزت الانتفاضة بشكل رئيسي باشتباكات الحجارة. وأدت إلى انهيار وهم أن إسرائيل يمكنها الاحتفاظ بالأراضي المحتلة بكلفة لا تذكر. وأسست اتفاقات أوسلو في 1993 سلطة فلسطينية بحكم ذاتي تحت رئاسة ياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، الذي عاد منتصرا في يوليو 1994. وانطلق المتطرفون من الجانبين لتدمير الاتفاق بعنف غير مسبوق. فقد قتل مستوطن 29 فلسطينيا أثناء الصلاة في الخليل في 1994. وأطلقت حركتا حماس والجهاد الإسلامي حملة تفجيرات انتحارية. وفي 1995، قتل يهودي يمني متطرف رئيس الوزراء إسحاق رابين.

واشتملت الانتفاضة الثانية، التي ساهم فيها فشل محادثات السلام في كامب ديفيد في 2000، على أسلحة وقنابل. وفي أغلب الأحيان بدا السيد عربات متسامحا أو مشجعا للمسلحين. ولم يجلب الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من لبنان في 2000 ومن غزة في 2005 (بعد وفاة عرفات) السلام: فإسرائيل خاضت حروبا متكررة ضد حماس وحزب الله اللبناني، وكليهما أطلق العديد من الصواريخ على إسرائيل.

وجلبت "عملية السلام" المستمرة منذ عقود الكثير من الطرق والقليل من السلام. بالنسبة للإسرائيليين، تحولت الأرض مقابل السلام إلى الأرض مقابل التفجيرات الانتحارية والصواريخ. يقول يوسي كلاين هاليفي، من معهد شالوم هارتمان البحثي، "أغلب الناس يشعرون بأن الاحتلال لم يعد ذنبنا. خرجت من الانتفاضة الأولى كناخب لحزب العمل. لكن الانتفاضة الثانية حولتني إلى اليمين."

وبالنسبة لمعظم الفلسطينيين، جلبت اتفاقية أوسلو احتلالا أسوأ: المزيد من سفك الدماء والانقسام الداخلي وخسارة الأرض لصالح المستوطنين وتفتت الأراضي. ويعيش فلسطينيو هذه الأيام كلاجئين في العالم العربي: في سجن كبير في قطاع غزة الذي تديره حركة حماس، وفي جيوب مشوهة معزولة تتمتع بحكم ذاتي في الضفة الغربية التي تديرها حركة فتح القومية، و"سكان" إسرائيليين مهملين في القدس، ومواطنين درجة ثانية يكافحون من أجل

.المساواة في حدود ما بعد 1967 في إسرائيل

محتجون يحملون أعلام الدول العربية في ميدان التحرير خلال انتفاضة يناير 2011 (أ ف ب)

وقوى الفوضى في الشرق الأوسط منذ الانتفاضات العربية في 2011 من قناعة إسرائيل أنه التخلي عن المزيد من الأرض أمر بالغ الخطوة: ماذا لو استولت حماس أو تنظيم الدولة الإسلامية على تلال الضفة الغربية التي تطل على أكثر مناطق إسرائيل سكانا؟ وكانت إسرائيل اقتربت من إعادة مرتفعات الجولان في محادثات سلام مع سوريا. الآن الجماعات المسلحة مثل حزب الله والقاعدة والدولة الإسلامية زرعت نفسها على الجبهة، والكثير من الإسرائيليين ممتنون لفشل المفاوضات. من ناحيتهم، يشعر الفلسطينيون بأن العرب تخلوا عن قضيتهم والتي كانت ذات مرة عزيزة عليهم.

تقول استطلاعات رأي أن المعارضة لفكرة السلام القائم على تأسيس دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل أقوى وسط الشباب في الجانبين، هؤلاء بين 18 و24 سنة. قد يكون أباءهم على دراية بزمن لم تكن فيه حواجز داخلية إذا كانت العلاقات بين العرب واليهود ليست على قدم المساواة. هذه الأيام أغلب الشباب الإسرائيلي والفلسطيني ليس لديهم تواصل يذكر فيما بينهم.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل