المحتوى الرئيسى

نبذوها وهددوها.. رئيسة المدينة الأكثر عداءً للمهاجرين في ألمانيا تفقد شعبيتها بسبب التعاطف مع لاجئ عراقي

05/21 19:29

تعرض لاجئ عراقي، مؤخراً، للضرب على أيدي 4 أشخاص منتمين للتيار اليميني المتطرف بأحد المتاجر ببلدة أرنسدورف. وقد خلقت هذه الحادثة جدلاً واسعاً، حيث ندّد بها البعض في حين اعتبرها البعض الآخر تنم عن شجاعة، خاصة أنه تم في نهاية المطاف الحكم بعدم سماع الدعوى لصالح المعتدين، بحسب ما ذكر تقرير لصحيفة Sueddeutsche الألمانية.

وتعتبر بلدة أرنسدورف بولاية ساكسونيا معقل اليمين المتطرف، حيث اشتُهرت بمستشفى الأمراض النفسية والأعصاب الذي يعتبر أبرز مشغل بالمدينة. كما شهدت هذه المنطقة حادثة عنصرية خلال في صيف 2016 شغلت الرأي العام الألماني. فخلال أيار/مايو سنة 2016، قام 4 أشخاص بسحب لاجئ عراقي من متجر وضربه ثم ربطه بشجرة.

وفي الأثناء، انتشر مقطع فيديو على شبكة الإنترنت يوثق هذه الحادثة الأليمة، وقالت وسائل إعلام ألمانية حينها إن أحد مستشاري حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كان ضمن مجموعة الرجال الذين قيدوا اللاجئ العراقي إلى الشجرة في قرية أرنسدوف بالقرب من مدينة دريسدن شرق ألمانيا، وفق ما ذكر موقع بي بي سي بالعربية.

وخلّفت هذه الحادثة جدلاً واسعاً بين أهالي المدينة، حيث عبّر المعتدون عن فخرهم بصنيعهم، بينما ندّد آخرون بالواقعة. وعلى إثر ذلك تم تحويل الأمر إلى القضاء حيث تم إطلاق سراح المعتدين في نيسان/أبريل الماضي.

تشغل مارتينا أنغرمان، التي تبلغ من العمر 59 سنة، منصب رئيسة بلدية أرسندورف منذ 16 سنة. وقد حققت العديد من الإنجازات على غرار ترميم المدارس وبناء مركز إطفاء جديد. وخلال انتخابات سنة 2015، برهنت أنغرمان على شعبيتها الواسعة حين حصدت 75% من الأصوات.

في المقابل، فقدت رئيسة البلدية في الوقت الراهن جزءاً من شعبيتها، رغم حسّها الوطني المشهود له. كما أصبحت تتعرض باستمرار للمُضايقات، حيث تجد خدوشاً مفتعلة على سيارتها بصفة مستمرة.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الممارسات تعزى إلى موقفها من حادثة الاعتداء التي تعرض لها اللاجئ العراقي، إذ إنها تحولت إلى شخصية منبوذة بمجرد تنديدها بهذه الحادثة. ومنذ ذلك الوقت، تلقت هذه المرأة العديد من رسائل التهديد.

من جهة أخرى، أعربت أنغرمان عن أملها في أن يحدّ القضاء من نسبة التطرف في بلدتها. وفي هذا الصدد، صرحت أنغرمان قائلة: "أريد أن تظهر الحقيقة حتى يعود الهدوء إلى المنطقة". وفي نهاية المطاف، أطلقت المحكمة سراح المتهمين دون الاستماع إلى الشهود.

توجّهت أصابع الاتهام في هذه الحادثة نحو أطراف تنتمي إلى اليمين المتطرف على غرار نادي الروك المحلي، وحزب البديل من أجل ألمانيا، وحركة بيغيدا. في الحقيقة، اندلعت شرارة العنف منذ الإعلان عن استعداد بلدة أرنسدورف لاستقبال اللاجئين سنة 2015.

في المقابل، لم تتوقع أنغرمان إنشاء صفحة على فيسبوك معادية للاجئين هدفها هو مهاجمتها بصفة مستمرة، حيث وجّهت لها العديد من الاتهامات على غرار عدم الكفاءة، وتدمير المدينة، فضلاً عن الكذب. وتجدر الإشارة إلى أن الاحتقان تنامى على خلفية قرار استقبال اللاجئين الذي اتخذته أنغرمان بصفة منفردة دون إجراء استفتاء شعبي أو التشاور مع أي طرف.

ويُدير هذه الصفحة الرئيس السابق لفرع حزب البديل من أجل ألمانيا بولاية ساكسونيا، أرفيد زامتليبن، الذي اعترف خلال مكالمة هاتفية بأنه يقف وراء الحملة المغرضة ضد أنغرمان لاسيما أنها وقفت في وجه تنفيذ مشاريعه الاستثمارية ببلدية أسندورف التي يملك فيها العديد من المنازل أحدها قريب من مقر البلدية. كما أطلق زامتليبن شعارات ساخرة من رئيسة البلدية بهدف تشويه سمعتها.

لكن ما يثير الدهشة هو أن زامتليبن اقترح خلال سنة 2015 خطة لإيواء 38 امرأة وطفلاً لاجئاً، ليصرّح هذا السياسي الذي لطالما عُرف بمواقفه المتطرفة لاحقاً بأن "البلدية لن تقدر على بناء ملجأ". ومن الواضح أن مقترح زامتليبن يعدّ مستفزّا، حيث إنه لا يحق لأي طرف انتقاء اللاجئين. وبناء على ذلك، قوبل مقترحهُ بالرفض، مع العلم وأنه اتهم أنغرمان بالوقوف وراء ذلك.

شهدت بلدة أرنسدورف انقساماً في الآراء راح ضحيته اللاجئ العراقي الشاب، صالح شباس، الذي كان يقيم بمستشفى الطب النفسي وعلم الأعصاب. وفي 21 أيار/مايو سنة 2016، دخل هذا الشاب متجر "نيتو" للاستفسار عن المشاكل التي واجهها عند استخدامه لشريحة هاتف اقتناها من هذا المتجر في وقت سابق.

ويظهر شباس في الفيديو وهو يحمل قارورتين أمام عاملة كانت تصرخ في وجهه مطالبة إياه إرجاع القارورتين والخروج من المتجر. ولم يتمكن الطرفان من التوصل إلى حل نظراً لأن الشاب لا يتقن اللغة الألمانية.

في الأثناء، اقتحم 4 أشخاص المتجر ثم جرّوه إلى الخارج وأوسعوه ضرباً. والجدير بالذكر أن مقطع الفيديو لم يوثق مشهد ربط الشاب إلى جذع الشجرة، حيث إن أعوان الشرطة، وجدوه على هذه الحالة منذ قدومهم إلى عين المكان.

ويعدّ هؤلاء الأشخاص الأربعة من الوجوه المعروفة، حيث إن اثنين من هذه المجموعة ينتميان إلى نادي الروك. كما كان أحدهما يقوم بنشر عبارات عنصرية على حسابه على فيسبوك. أما الشخص الثالث، فينحدر من بلدة فشباخ وينتمي إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.

والجدير بالذكر أن العضو بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، دتليف أولسنر، الذي يملك محل نجارة قبالة المتجر، كان شاهداً على هذه الحادثة، حيث أشار إلى أنه تدخل بشكل عفوي عندما طلب منه المعتدون المساعدة.

في الحقيقة، زار اللاجئ العراقي المتجر مرتين في نفس اليوم، لكنه لم يتمكن من تشغيل شريحة هاتفه. وكانت الشرطة في كل مرة تعيده إلى المستشفى. وفي ذلك الوقت، كانت زوجة زامتليبن حاضرة وقامت بإبلاغ زوجها بكل ما حدث ما دفعه إلى المطالبة على صفحته بفيسبوك بإنشاء لجان شعبية.

وفي المساء، جدّت عملية الاعتداء على اللاجئ العراقي، وشاءت الصدف أن يتم تصوير هذه الحادثة على عين المكان. وفي نهاية الفيديو، تم سماع صوت امرأة تصرخ وتقول: "هذا ما سيحدث بما أننا لا نملك لجاناً شعبية".

وصفت مارتينا أنغرمان الحادثة بـ"غير المقبولة والوحشية". في المقابل، طلبت العديد من الأطراف داخل الاتحاد الديمقراطي المسيحي أولسنر بالاعتذار علناً مهددة إياه باستبعاده من الحزب في صورة امتناعه عن ذلك. ورغم ذلك لم يقدم أولسنر اعتذاره مكتفياً بتقديم بيان حزبي يوضح فيه موقفه.

وساند ماكسيمليان كراه، العضو السابق بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي العضو الحالي بحزب البديل من أجل ألمانيا، المعتدين، علماً أنه يعمل في الوقت الراهن محامياً في مدينة دريسدن. فبمجرد اعتقالهم، أعلن كراه عن استعداده للدفاع عنهم. وأفاد بأنه "يدافع عنهم من منطلق اقتناعه ببراءتهم".

وما يعدّ لافتاً للانتباه هو أن كراه أنشأ صفحة على فيسبوك بهدف جمع التبرعات لفائدة المتهمين. من جهة أخرى، أطلق العقل المدبر لتيار اليمينيين الجدد، غوتس كوبيتشيك، ناد أطلق عليه اسم "واحد بالمائة"، حيث نشر هذا النادي مقطع فيديو يوثق المتهمين الثلاثة رفقة كراه وهم بصدد سرد وقائع الحادثة. وفي هذا الفيديو أفاد المتهمون بأن اللاجئ العراقي كان يهدد العاملة بالمتجر رافعاً في وجهها قارورتي نبيذ.

في الواقع، لا توجد أية أدلة تدين اللاجئ العراقي. ورغم أن التحقيقات توقفت فإن المتهمين مصرّون على أنهم تصرفوا من منطلق الشجاعة المدنية. وأعرب كراه عن إعجابه بصمود المتهمين، كما تمكّن من جمع تبرعات تقدر بحوالي 20 ألف يورو. وبالتالي، أصبح يُنظر لكل من أولسنر والمتهمين على أنهما أبطال.

وعلى ضوء هذه المعطيات، تجمّع نحو 100 شخص، يوم المحاكمة من بينهم سياسيون منتمُون لحزب البديل من أجمل ألمانيا وحركة بيغيدا، بالإضافة إلى الحزب الوطني الديمقراطي، فضلاً عن بعض أعضاء حركة الروك، أمام المحكمة بمدينة كامينز رافعين شعارات تساند المتهمين.

وتجدر الإشارة إلى أن أنغرمان قد تمكنت برفقة زميلتها من التسلل بين المحتجين للدخول إلى المحكمة. وشهدت هذه المحاكمة غياب اللاجئ العراقي الذي مات على الأرجح متجمداً من البرد في الغابة في يناير/كانون الثاني السابق قبل أن يعثر أحد الصيادين على جثته.

لم يعم الهدوء في البلدة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل