المحتوى الرئيسى

مستقبل الإعلام العربي في ظل الثورة التكنولوجية

05/18 17:45

تمر صناعة الإعلام العالمية بنقطة انعطاف حادة تحت تأثير التطورات التكنولوجية المتسارعة. ويتوقع معظم الخبراء نهاية تامة للصحافة الورقية خلال عقد أو عقدين من الزمن على الأكثر.

لكن هذه ليست المسألة الوحيدة التي تواجه الإعلام، فحتى الإعلام التقليدي الذي تحوّل إلى رقمي بالكامل، بات يواجه تحديات كبيرة من حيث العائدات بسبب هيمنة شركات الإنترنت الكبرى -كغوغل وفيسبوك- على سوق الإعلانات الرقمية. ويواجه أيضاً تحديات أخرى ناجمة عن وقوعه تحت ضغط اللحاق بالتطورات التكنولوجية المتسارعة التي تؤدي إلى تغيير عادات القراءة لدى الناس.

تبدو مهمة استشراف مستقبل البلدان غير المتقدمة من زاوية تأثير التكنولوجيا على مختلف قطاعات الحياة فيها، سهلة نسبياً. فالمستقبل في هذه البلدان غالباً ما يكون ماضياً في البلدان المتقدمة.

أما عربياً، فقد تحولت مجلة "الأسبوع العربي" إلى النسخة الإلكترونية عام 2013، وسبقتها إلى ذلك مجلة "الآداب" اللبنانية عام 2012. وكانت صحيفة "السفير" التي توقفت عن الصدور مطلع العام 2017، آخر الضحايا.

لقد أصبح واضحاً أن الإعلام العالمي يتجه نحو الوسائط الرقمية والمتنقلة، لكن هذا لا يعني أن جميع الوسائط الأخرى ستختفي كلياً في المستقبل القريب.

سجلت إعلانات الإنترنت عام 2016 نحو 177 مليار دولار عالمياً، وهو ما يعادل ثلث إجمالي الإعلانات من كافة الأنواع المسجلة في نفس العام. ونالت غوغل الحصة الكبرى بنحو 79.4 مليار دولار، بينما حلت فيسبوك في المرتبة الثانية بنحو 26.9 مليارا، وإذا ما أضفنا إليهما ما نالته بايدو ومايكروسوفت وياهو وفرايزون وتويتر، وجدنا أن هذه الشركات السبع ظفرت بثلاثة أرباع عائدات إعلانات الإنترنت في العالم.

وقد تجاوزت قيمة الإعلانات عبر الإنترنت قيمة الإعلانات التلفزيونية لتصبح شبكة الإنترنت أكبر وسيط إعلاني في العالم، وفقاً لبيانات وتحليل وكالة زينيث.

وفيما يتعلق بالبلدان العربية سجلت إعلانات الإنترنت نحو مليار دولار فقط عام 2016. وعلى الرغم من أن هذا الرقم لا يمثل سوى 5% من إجمالي الإنفاق الإعلاني العربي لنفس العام، فإنه يشهد نمواً سنوياً كبيراً بنحو 20%، مقابل تراجع الإنفاق الإعلاني على وسائل الإعلام الأخرى، وهذا ما ينبه إلى ضرورة زيادة الاهتمام بالإعلام الرقمي، وإلى بناء شراكات إعلانية مع شركات الإنترنت العالمية الكبرى، إذ يلاحظ مثلاً أن الإعلانات المقدمة من غوغل باتت تظهر على شبكات إعلامية محترمة كشبكة بي.بي.سي.

يقدر عدد مستخدمي الهواتف الذكية في العالم حالياً بنحو 2.5 مليار (من أصل 7.5 مليارات اشتراك)، وهو أكبر من عدد أجهزة الحاسوب الشخصي المستخدمة التي يقدر عددها بنحو ملياري جهاز. وهذا الفرق مرشح للازدياد بمعدلات عالية، حيث يتوقع أن يصل عدد مستخدمي الهواتف الذكية عام 2020 إلى ستة مليارات مستخدم.

أما في البلدان العربية التي وصل فيها عدد اشتراكات الهاتف المحمول إلى نحو 430 مليونا حالياً، فيقدر عدد مستخدمي الهواتف الذكية فيها بنحو 150 مليونا، وهو أكبر بكثير من عدد الحواسيب الشخصية المستخدمة الذي يقدر بنحو 90 مليونا. 

وبينما تتزايد عاماً بعد عام نسبة الذين يحصلون على الأخبار من خلال الإنترنت، فإن تحسين الخدمات التي يقدمها الإعلام العربي على الهواتف الذكية أصبح ضرورياً لكسب شرائح واسعة من متابعي الأخبار، والحصول على قسم من عائدات إعلانات الهواتف الذكية المتزايدة بسرعة.

لقد أدى انتقال الإعلام العالمي نحو الوسائط الرقمية والمتنقلة وتطور أبحاث الذكاء الاصطناعي إلى بروز توجهات جديدة من الضروري أن يخطط الإعلام العربي لتبنيها.

يتمثل الإعلام الموزع في بروز خدمات جديدة تتيح جلب وعرض المقالات على شاشات الهواتف الذكية بسرعات عالية تصل إلى عشرة أضعاف سرعة جلبها العادية. وتعتبر خدمة المقالات الفورية من فيسبوك والصفحات المسرعة من غوغل وسناب شات ديسكوفر؛ من أهم خدمات الإعلام الموزع، فقد استخدمها العديد من الناشرين في الولايات المتحدة مثل فوكس ميديا وواشنطن بوست بهدف زيادة دخلهم الإعلاني.

تشير معظم التوقعات إلى تعاظم دور الصوت كواجهة استخدام للهواتف الذكية والأجهزة المحمولة الأخرى، وتتنبأ بانتشار الإعلام الصوتي بسرعة كبيرة. ولا يقتصر الإعلام الصوتي على إصدار الأوامر، بل أيضا على الاستماع إلى النصوص التي تقوم البرامج بقراءتها. 

وفي هذا الصدد صرحت شركة أمازون أن عدد المنتجات التي تسمح بتصفح الإنترنت عبر الصوت والتي باعتها خلال أعياد الميلاد عام 2016، بلغت تسعة أضعاف ما باعته عام 2015 بأكمله، ولم تكن أسعار الكثير منها مرتفعة إذ بلغت 50 دولاراً.

وتتوقع شركة غارتنر للأبحاث أن يستحوذ التصفح بالصوت على 30% من عمليات تصفح الإنترنت بحلول العام 2020، وقد أدى ذلك إلى بدء انتشار استخدام المساعدات الرقمية الصوتية في الإعلام مثل أليكسا من أمازون ومساعد غوغل وكورتانا من مايكروسوفت وسيري من آبل، الأمر الذي أدى بدوره إلى احتدام المنافسة فيما بينها.

الكثير من المقالات المالية والرياضية، وتلك المرتبطة بالكوارث الطبيعية، أصبح يجري إعدادها من قبل البرامج الذكية اعتمادا على القوالب المسبقة الصنع، والبيانات الهائلة التي يجري تحديثها آلياً وحفظها ضمن قواعد البيانات.

يقول الأستاذ في جامعة سانت لويس الأميركية مات كارلسون "لا أعتقد أننا سنرى الروبوتات تكتب الصفحة الأولى من نيويورك تايمز، ولكنني أعتقد أننا سنرى نهجاً هجيناً بحيث تكتب الروبوتات جزءاً من الموضوع الصحفي، ويكتب البشر جزءاً آخر منه".

تمزج صحافة المحادثة بين عدة تقنيات كالإبحار الصوتي والفهم الآلي للغة والبحث الذكي والترجمة الآلية وقراءة النصوص. وفي ما يلي مثال عنها:

المستخدم: ما آخر أخبار المؤتمر العالمي للروبوتات الذي عقد في بكين؟

الروبوت: من أي لغة تريد أن أجلب لك الأخبار؟

الروبوت: وبأي لغة تريد أن أقرأها لك؟

الروبوت: إليك أحدث الأخبار التي طلبتها.

هذا الحوار يدور صوتياً بينك وبين برنامج الدردشة الروبوتية المركب على هاتفك المحمول أو ساعتك الذكية وأنت تتجول في الحديقة أو تعد الطعام أو تنتظر صديقا في الشارع، ويمكن أن تتم أيضاً من خلال لوحة خاصة مركبة في سيارتك. وسيقرأ البرنامج الذكي عليك الأخبار بصوت يمكنك اختياره مسبقاً (امرأة، رجل، طفل)، ويمكنك مقاطعته وسؤاله مثلاً: وماذا قالت شبكة سي.أن.أن الأميركية عن هذا المؤتمر؟

كل التقنيات اللازمة لذلك متوفرة حالياً، وهي تحويل الكلمات المنطوقة إلى نص، وفهم المطلوب منها، وإجراء البحث وجلب المطلوب، وترجمته من اللغة الأصلية إلى اللغة المستهدفة، وأخيراً تحويل النص إلى كلمات منطوقة (أو عرضه مباشرة إن كان فيديو).

يبدو جلياً مما سبق أن الفهم العميق والاستفادة من الأقنية الجديدة التي تشقها التكنولوجيا أمام الإعلام أمر لابد منه لصيانة عائدات المؤسسة الإعلامية العربية وتنميتها وبالتالي استمراريتها.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل