المحتوى الرئيسى

بالفيديو والصور- من طنطا.. ألعاب تلف العالم بإيد ''مريم''

05/17 17:26

عبر "لعبة" مُستَخدَمة جابت محافظات ودول. من غرفتها تجاوزت شوارع مدينتها طنطا إلى آخر قرية حدودية بمصر، عبرت إلى غانا، أوغندا، نيبال، ولبنان. دون روتين الإجراءات حققت ما تؤمن به بأن "الحب والرحمة ملهمش حدود مرسومة".

منذ نحو عام تجلس مريم ميدان لساعات في غرفتها، تُحِكم ربط ورق ملون على عروس، كرة، علبة ألوان، كتب أطفال. تلفها بين يديها لتأخذ شكل جمالي يرضيها، ثم تضع ورقة صغيرة تحمل مفردات حماسية ومُحبة للحياة، توقعها باسمها وأسماء أخرين. أضحت تلك حياة ذات الخامسة والعشرين عامًا، منذ قررت أن يحظى الأطفال غير القادرين بألعاب مثل أقرانهم، فأطلقت مشروع "اتبرع بلعبة".

ترى "مريم" أن ثمة أشكال كثيرة للخير، لكن أقربها لقلبها هي وضع ابتسامة على وجه طفل مُعدم، فمنذ كانت بالصف الثانوي، كلما ساقتها قدماها داخل محل ألعاب، طاردتها صورة طفل محروم لا يقدر على شرا لعبة  "وده عمل عندي إحساس بتأنيب الضمير فحاولت أعمل أي حاجة عشان اتغلب على الإحساس ده".

أخذت طبيبة التحاليل تدّخر من مصروفها ومرتبها بعد ذلك، وتشتري لعبة تعطيها لطفل تجده بطريقها، غير أن ذلك لم يُرض أمنيتها؛ فأخبرت أصدقاءها أن يشاركوها في شراء ألعاب يقدموها لدور أيتام لا يرتادها الكثيرون. داومت على ذلك لعامين منذ عام 2014، لكن شيئًا ما أعادها للتفكير فيما تفعل "حسيت أني طول ما أنا معتمدة على شرا اللعب مش هقدر أوصل لأطفال كتير غلابة"، كما وجدت بمنطق الأولويات أن هناك أشياء تحتاج للأموال أكثر من الألعاب، ليأتيها الحل من "الدولاب".

بينما ترتب "مريم" حجرتها، فتحت خزانة الملابس، وقعت عيناها على ألعاب طفولتها، تساءلت "ليه ما اتبرعش بيها بدل ما هي مركونة كده؟". استشعرت حينها أنها أُلهمت السبيل؛ نظفت ما لديها من عرائس، ألعاب بازل، وشوش بلاستيكية.. هدايا استعادت معها ذكريات لم تثنها عن ما تريد "كانت قدامي صورة طفل محروم فرحان بحاجتي اللي بحبها فمترددش استغنى عنهم"؛ زادت على الألعاب بشراء 30 أخرى "وقررت أوديها لأطفال أول مرة تجي لهم ألعاب".

صدفةً، تجوب الشابة العشرينية موقع فيسبوك، تقرأ منشور لإحدى المتطوعات تعلن عن رحلتها إلى غانا، تراسلها "مريم"، معربة عن رغبتها في إهداء ألعابها للأطفال هناك، تحمست المتطوعة للأمر، ولأنه من الصعب على ابنة طنطا عدم رؤية فرحة الصغار بينما يتلقون الألعاب "ودي كانت بالنسبة لي الهدية"، فاستعاضت عن ذلك بكتابة رسالة مترجمة للإنجليزية على كل لعبة من الـ50.

كان ذلك أواخر عام 2015 حين سافرت المتطوعة إلى غانا، وبقيت "مريم" في حجرتها تتخيل رد فعل الأطفال، إلى أن حلقت فرحًا بعدما أرسلت لها صديقتها صور الرحلة: صغار تنطق وجوههم بالسعادة بينما يحملون ألعابها. اهتزت الشابة المصرية للقطات "إحساس عظيم أني قاعدة هنا في طنطا ومن جوه أوضتي قدرت أوصل لطفل في غانا أول مرة في حياته يمسك لعبة". حينها شعرت أن رغبتها لم تتحقق فقط بل عليها الاستمرار بشكل أكبر.

 أطلقت الشابة العشرينية في يناير 2016  صفحة على فيسبوك تحمل اسم "Donate a toy" أو "اتبرع بلعبة"، أوضحت من خلالها أن الفكرة تقوم على الألعاب المستخدمة في الأساس، لمن يحتفظون مثلها بألعابهم القديمة.

حلمت "مريم" أن تصل إلى الأطفال في محيطها "لكن كل شوية ألاقي حاجة تخليني أكمل واتوسع"، تستقبل الألعاب من خارج مدينتها الصغيرة "كنت بسافر القاهرة وإسكندرية والمنصورة وارجع زي بابا نويل شايلة شوال لعب"، ومع تزايد أعداد المتبرعين، صارت تلجأ لأصدقائها ومعارفها لاستلام الألعاب ثم إيصالها إليها.

لساعات تمتد حتى صباح اليوم التالي، تعتكف "مريم" داخل غرفتها، تنثر حولها الألعاب القديمة، والجديدة مما فضل البعض التبرع بها، وتلك لا تضيف لها سوى التغليف، أما المُستخدمة، فتنتقي الجيد منها، وهو ما تغير مفهومها عنه "في لعب ببقى عايزة أرميها أول لما أشوفها لكن أقول لنفسي اصبري شوية"، تقوم بغسلها وإصلاحها "وبتفاجئ لما اشوفها رجعت كأنها جديدة".

كأنما ستهديها إلى صديقة عزيزة تغلف "مريم" الألعاب، تجلب ورق وحقائب الهدايا، وعلب صغيرة تليق بالإكسسوار "ببقى عايزة كل حاجة تفرح الطفل حتى لو مستخدمهاش".

زيارات شهرية لدور الأيتام ومرضى السرطان صارت تعتمد على الألعاب المُجهزة بأيدي "مريم"، تمضي المبادرة قدمًا فيما تتوق الشابة لبلوغ كل بقعة بها طفل مسكين، تتابع صفحات السفر والمغرمين به، ينوي أحد المتطوعين السفر هذه المرة إلى أوغندا، غير أن قلق والديها منعها من الوصول لأبعد من حدود طنطا والمحافظات القريبة، لكنها لم تيأس.

ذات مرة قامت "مريم" بتجهيز نحو 500 لعبة بمفردها، وُزع بعضها على دور أيتام بالقاهرة وأخرى سافرت سيناء "وفي اللي وصلت لأخر قرية على الحدود المصرية في حلايب"، فكان أول الغيث، الذي تغيّر بعده فِكر طبيبة التحاليل "موضوع عدم السفر جه في مصلحتي عرفت ناس جميلة جدا.. ولو كنت سافرت بنفسي عمري ما كنت هعرف أروح نيبال، وأوغندا وسيناء وشلاتين ولأطفال سوريا في لبنان".

لا يقتصر المتبرعون بالألعاب على مصر، من الخارج استقبلت صاحبة "اتبرع بلعبة" شحنات من بلاد عربية، بدأت من صديقة لها مقيمة بالسعودية "بعتت شنطة كبيرة مليانة لعب جديدة وغالية"، قفزت الشابة من السعادة "يا دوب حطيت لها شريطة وكتبت الرسايل عليها ممضية باسمها وأسماء ولادها"، إذ تحرص الشابة أن تقتسم مع المشاركين فرحة إهداء الألعاب للأطفال إن لم يكن بكتابة الأسماء فمطالبتهم بكتابة رسائل للصغار.

مع الوقت تزيد تحديات "مريم"؛ قبل نحو شهر من عيد الأضحى، العام الماضي، بلغ كمية الألعاب المرسلة نحو 100 كيلو بحسب الشابة، أحد المسافرين يتجه نحو أوغندا، أخر إلى نيبال، ومجموعة عقدوا العزم صوب سيناء والنوبة، والمطلوب تجهيز ما يزيد عن 500 لعبة قبل فترة لا تقل نحو 10 أيام قبيل حلول العيد، تجاوزت الألعاب هذه المرة حجرة "مريم"، امتلأت الصالة وحجرة أخيها الأصغر "كان اللي يجي يزورنا يقول لماما أنت بتجهزي مريم" تتذكر ضاحكة، مستعيدة تعب انطوت عليه الأيام، ولم يخففه سوى صور وصول الألعاب ليد الأطفال في تلك المناطق المختلفة.

وقتها قضت "مريم" عيدها الخاص؛ أخذت تقلب بين الصور المرسلة على بريدها الإلكتروني، فتلك أكثر الأوقات انتشاءً بالسعادة، وتكاد تجن حين لا تصلها صورة من منطقة بلغتها الألعاب، حتى أنها ظلت ثلاثة أشهر تسعى للحصول على صورة من قرية في النوبة، ولم تهدأ إلا عندما احتضنت عيناها تلك الصورة.

لكن بالصور وحدها لا تحيا "مريم"، مواقف عدة رُزقت معايشتها، يذوب قلبها لها، وتحملها بينما تجهز لعبة جديدة، تتذكر "علياء"، ذات الثمانية أعوام، إحدى أطفال دور الأيتام في طنطا، حين أحكمت قبضتها الصغيرة على طقم مكون من خاتم وسلسلة قائلة "مش هقلع الحاجات دي عشان أفضل فاكراكي"، وكذلك الصغير الذي طالبها بانتزاع الرسالة الملصقة على اللعبة كي يضعها على سريره.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل