المحتوى الرئيسى

الأغاني اللي بسمعهالك حواديت

05/17 14:26

قال لي أبي ذات يوم "إوعى تنسى الأغاني اللي بسمعهالك حواديت"، كنت في الحادية عشرة من عمري ولا أفهم ماذا كان يريد.. كان يأتي ببعض الأغاني القديمة على أسطوانة ويجعلني أستمع إليها دائماً، وقت السفر كنت أعشق الأغاني التي كان يحضرها، وارتبطت معي دائماً بالسفر والطريق والحكايات.

كبرت وعشقت الموسيقى وانفصل أبي عني، أيقنت وقتها معنى جملته، ومعنى أن يدب داخلك الحنين عند مقطع ما، ومعنى أن تمر ذكرياتك أمامك في جملة، لا أحد يعرف سر استمتاعك بتلك الأغنية بالتحديد، ولا أحد يمكنه أن يدركها مثلك ولا يتألم كما تتألم أنت، فالحكايات دائماً مختلفة.

أحدهم كان يقول لي: عندما تدرك الحكاية ستنبهر بما تسمع أكثر من استمتاعك بأول مرة سمعت فيها دون أن تعرف كواليس تلك الأشياء التي تستمتع بها.

سقطت أمامي تلك الجملة حينما كنت أستمتع بسحر من أسحار الست أم كلثوم، وهي تقول: "كل ليلة وكل يوم.. أسهر لبكرة في انتظارك يا حبيبي".

تأخذني تلك الأغنية إلى عالم مليء بالشجن والسفر منذ أن تنطلق المزيكا في أول ثانية وأنا أتوه، ولكن هناك سحر آخر غير صوت الست، كواليس أخرى كانت سبباً في أن أستمتع، كانت هناك يد تلحن على أوتار قلبها قبل أن تلحن على أوتار قلبي، روح عشقت فدندنت فتأثرنا نحن وتأثرت بها الست قبلنا، كان هناك سحر يسمى "بليغ حمدي".

عشقت ذلك الرجل ووجدته ورائي في كل جملة سافرت معها أثراني بطريقه المليء بالحب والمغامرات.

حينما سمعته الست أول مرة في حفلة من حفلات الدكتور زكي سويدان الطبيب الخاص، وطلبت من محمد فوزي أن يسمعها شيئاً، قال لها إن تلك الليلة لبليغ؛ ليجلس ويتربع بليغ ويدندن مصطحباً عوده ليخرج لنا شجن آخر ويقول: "حب إيه اللي انت جاي تقول عليه.. انت عارف قبله معنى الحب إيه"؛ لتجلس أم كلثوم بجانبه على الأرض مستمتعة بما ينشده وتطلب من محمد فوزي أن يحضره لها في الاستوديو ليصبح بليغ من هنا أول شاب في العشرينيات من عمره يلحن لكوكب الشرق.

"أنساك يا سلام أنساك ده كلام"، "بعيد عنك حياتي عذاب ما تبعدنيش بعيد عنك"، وكثير وكثير من الشجن، كلما استمتعت أنا وجدت بليغ وراء الألحان.

كنت أستمع ذات يوم إلى أغنية "العيون السود"، كنت مستمتعاً بالدفء والشجن في صوت وردة، لم أكن أعلم أن وراء كل هذا الشجن قصة حب عظيمة.. بدأت من أول نظرة رأى فيها بليغ وردة، وقبلها حينما استمعت وردة إلى لحنه في أغنية "تخونوه" وهي تشاهد فيلم الوسادة الخالية، عشقت بليغ وتمنت لو أنها تتزوج صاحب اللحن، ذهب بليغ ليطلب يدها، ولكن والدها رفضه لكثرة ما تداول عن بليغ بكثرة علاقاته النسائية، تزوجت أحد أقاربها، ثم بعد مرور عشر سنوات تنفصل وتعود إلى بليغ؛ لتغني تلك الأغنية، وتقول: "قد اللي فات من عمري بحبك قد اللي جاي من عمري بحبك".

ثم يتورط بليغ في قضية قتل، فيهجر أرضه ويهرب إلى باريس؛ لتجده بين سطوره أغنية الطير المسافر لنجاة.. عاش وحيداً متألماً في آخر أيامه، أرسل إلى الماكير الفنان محمد عشوب، وطلب منه أن يأتي إليه؛ ليرسل معه بعض الرسائل لأصدقائه، ذهب إليه، ليعود إلينا بأغنية نهاية علاقته بوردة.. "بودعك وبودع الدنيا معك" سجَّلها بصوته وأرسل معها ورقة الطلاق وبعض الرسائل لأصدقائه، سجلها لأستمع أنا لتلك الأغنية مرة أخرى بحنين مختلف، سجَّلها ليودع حبيبته بكل ألم وفراق ونستمتع نحن بألم العشاق.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل